مروان البرغوثي… الرئيس الأسير؟

يونس العموري | فلسطين

في ظل حالة الترقّب التي تفرض نفسها على المجتمع الفلسطيني وتضارب الانباء وجدلية النقاشات والتحليلات فيما يخص إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وجدية اجراءها وبالتالي البدء بالخطوات العملية، تتأجج الساحة بالكثير من التحليلات والتوقعات بماهية الخارطة الانتخابية التي ستكون عليها الحالة الوطنية والحزبية وقوائم الفعل الانتخابي واتجاهاته، إلا أن الملفت للانتباه وغير المفاجىء عزم الاسير مروان البرغوثي على خوض السباق الانتخابي الرئاسي كمرشح وطني بصرف النظر عما ستؤول إليه الترشيحات الحزبية أو المستقلة.

وأيا تكن المعلومات او التفسيرات التي يتم تناولها والتي تعج بها الصالونات السياسية بالظرف الراهن حول حقيقة العملية الانتخابية واستعدادات كافة الفصائل والقوى الوطنية لهذا الاستحقاق تظل الصدمة الأكثر انفعالية بهذا السياق ترشح البرغوثي لهذا الموقع الامر الذي من شأنه خلق حالة اصطفافية جديدة في الواقع الفلسطيني وتغير كبير على خارطة التحالفات القواتية افقيا وعموديا والمتوقع ان يشكل هذا الترشح وبالتالي خوض السباق الانتخابي الرئاسي اختراق في جدران التكلس للحراك السياسي التقليدي الكلاسيكي المُسيطر على أتون الفعل والفعل المضاد في أروقة التجاذبات السياسية عموما.
إن الإعلان عن نية الترشح للانتخابات من قبل الأسير البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، والكيفية التي ستكون عليها هذه المسألة ، انما يعتبر تحولا جذريا في بنية النظام الفلسطيني على الاقل الحزبي والفصائلي، وكنا ان انتظرنا وما زلنا بانتظار أن يتم طرح هذه المسألة في اروقة اجتماعات اللجنة المركزية وجلسات المجلس الثوري، ومناقشة نية ورغبة أحد أعضائها بالترشح ودراسة هذه النية واتخاذ القرار وإبلاغ البرغوثي بذلك واعتقد ان ابجديات العمل التنظيمي السياسي تحتم على اللجنة المركزية هذا الأمر، وان يتم الأعلان رسميا عن قرار فتح الرسمي بهذه المسألة، ومن ثم يكون للأسير مروان القرار على ضوء هكذا قرار.
الا ان هذه المسألة لم يتم طرحها بالمطلق في حيثيات اعمال جلسات اللجنة المركزية او المجلس الثوري او حتى المجلس الاستشاري، وقد تم التدوال بهذه القضية في اروقة فتح وتجمعاتها القيادية والكادرية، مما خلق حالة من السجال والجدل حول ماهية الشخص الذي سيترشح باسم حركة فتح واصبح من المعلوم والمعروف على الأقل اعلاميا تداول العديد من الاسماء لهذا المنصب وجدوى هذه الاسماء، ولتناول هذه القضية لا بد لنا اولا من ان نتساءل ومعنا الكثير من كوادر وقادة فتح حول جدوى عدم طرح هذه المسألة على الأطر القيادية حتى الأن، ولماذا لم يتم احالتها للنقاش والأخذ برأي الكادر على الأقل الرسمي للاسترشاد بتوجهات وتوجيهات الكوادر الفتحاوية المسماة بالتمثيلية لقطاعات فتح المختلفة والتي قد تكون متناقضة؟
مروان البرغوثي يعود اسمه مجددا ليتصدر العناوين كونه قد حصد اعلى الاصوات في مخرجات العملية الانتخابية المسماة بديمقراطية الصندوق الاقتراعي التنظيمي وكونه مطروحا ليتبوأ موقع المرشح الرئاسي المحتمل، مما يعكس ان مروان انما يحظى بالتفاف شعبي جماهيري كبير ويشكل حالة اجماعية وطنية بشكل نسبي وله تأييد قوي في صفوف حركة فتح وكما انه يشكل خيارا وطنيا لدي الكثير من القوى والفصائل الوطنية وتياراتها المختلفة.

وهنا لا بد من الانتباه الى ان ثمة حقيقة واحدة لا بد من الإشارة إليها هنا والتوقف عندها، وهي أن مروان البرغوثي هو بالنهاية أسير ويقبع في المعتقلات الإسرائيلية، وانتخابه يعني ان يكون الرئيس الأسير. وان كان الخيار والاختيار هنا واجب وحق ولا بد ان يكون له موقفه الذي اعتقد هنا ان مروان يريد ومن خلال هذا الموقع اعادة الامور الى نصابها الصحيح بأن المعادلة الحاكمة والتي لا بد لها ان تحكم العلاقة مع الاحتلال هي علاقة ذات صراع ومخرجات طبيعية لهذا الصراع.. هم القادة الشهداء والقادة السجناء والقادة المطاردين في ظل معادلة المواجهة والمجابهة مع الاحتلال وبالتالي من الطبيعي برأيي ان يكون الرئيس ( القائد العام لحركة التحرر الوطني ) معتقلا ( اسيرا في باستيلات العدو ) هذا اذا ما اعتبرنا ان العملية النضالية الكفاحية وفقا لقواعد وقوانين حركة التحرر الوطني وتوصيفاتها تنسحب على الواقع الفلسطيني الراهن، وهو الأمر الحتمي والطبيعي في ظل المعطيات الراهنة وابجديات فهم معادلة الواقع الفلسطيني الحالي.

ان المناضل المكافح معتقلا في سجون الاحتلال والقائد العام قد يكون مطاردا وهو ذاته يفوز باعلى الاصوات وهو القابع بالسجون، كما ان أمين عام احد اهم فصائل المقاومة قابع هو الاخر بالمعتقل، وكان ان تم إعادة انتخابة مرة اخرى … والكثير من النواب ( اعضاء المجلس التشريعي .. ) وكان ان تم اعتقال رئيس المجلس التشريعي لفترات.

وبالمحصلة هناك حقيقة راسخة يجب أن لا تضيع حينما يتم تناول مسألة =المُرشح البرغوثي للرئاسة، تتمثل بكون مروان قائدا بامتياز له منهجه ورؤيته وبالتالي موقعه القيادي سواء أكان الرسمي او الشعبي الجماهيري الأمر الذي تأكد كحقيقة غير قابلة للتفسير او التأويل بشتى السبل والوسائل، إلا أنه وبذات الوقت فقد تحولت قضية مروان البرغوثي إلى قضية لها أبعاد ثلاثية الشكل والجوهر محلية فلسطينية وإقليمية وأيضا دولية وذات حسابات دقيقة على كافة المستويات والصعد.

وهنا لا بد لنا من ان نرفض اطروحة ان معادلة القادة انما يحكمها بالاساس توافق اقليمي دولي بشكل او باخر … ومروان عندما يتبوأ منصبا كهذا انما يعيد تجربة قادة المواجهة والمجابهة مع الاستعمار وعلى رأسهم تجربة القائد الأممي نلسون مانديلا، التجربة التي فرضت نفسها على الكل الدولي وبات التعامل مع مانديلا كحقيقة زعامية مفروضة فرضا على الاستعمار العنصري الابيض ومحاورته ومفاوضته وهو ما اعتقد ان فلسطين بحركتها التحررية، لا بد ان تعيد النظر به وتحاول الخروج من أزمة القيادة الى تلك القيادة واعتقد أن ثمة الكثير من المراهنات باتت تعقدها أطراف عدة على مروان القابع في أقبية السجون والمعتقلات، ومن هنا تكتسب مسألة البرغوثي كرئيس محتمل للشعب الفلسطيني هذه الأهمية. وحتى يكون الإنصاف سيد الموقف فلا بد من تناول المسألة بعيدا عن أية حسابات سياسية تحاول الكثير من الأطراف زج مروان فيها.

وأول هذه الجهات باعتقادي هي إسرائيل ذاتها والتي تحاول الإيحاء أن مروان تحت عباءة التفاهمات السلطوية وحساباتها واستحقاقاتها، كما أنها تحاول ومنذ الأن رسم المسار السياسي لمروان، كأن تصرح العديد من الجهات الاسرائيلية وتتناول قضية مروان ووصفه (بالقائد الارهابي.) وإسرائيل بهذه التصريحات وتصريحات أخرى تحاول أن يكون لها صوت ما في لعبة السجالات الفلسطينية الداخلية، وهي بذلك إنما تعمل على تقويض أساسات أركان المناهج النضالية الكفاحية بالداخل الفتحاوي بشكل أو بآخر، التي تحاول جاهدة استعادة الدور الريادي والقيادي للحركة.

ولكن حينما تخرج هكذا تصريحات فهي بلا أدنى شك تهدف الى الإمعان في تشويه صورة حركة فتح، ووضعها على خارطة الاهتمام الإسرائيلي لمواجهة الأطراف الفلسطينية الراديكالية الأخرى حسب الاعتقاد الإسرائيلي، وهي بذلك تعمل على إنهاء فتح كحركة ذات بعد وطني تحرري، وهو الأمر غير المخفي من أجندة أهداف الدولة العبرية، والتي لطالما عملت على إفراغ فتح من محتواها الوطني ذي الأبعاد المقاومة والتي تستند الى التجربة التاريخية لمسار الحركة الوطنية التحريرية بالمجمل.

لا شك أن ارتباطات القضية الفلسطينية وتفاصيلها باتت شأنا إقليميا ودوليا، وبالتالي فإن صناعة السياسات الإقليمية وتوجهاتها المختلفة والمتناقضة تحتم بشكل أو بآخر التدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية وعلى مختلف الصعد والمستويات وقياس فعالية أي من الخطوات التي قد تقدم عليها كافة الأطراف على الساحة الإقليمية. من هنا يمكن القول إن مسألة مروان البرغوثي كرئيس محتمل وبالتالي الإفراج عنه ليس قرارا إسرائيليا فحسب على اعتبار أنه ليس بالإمكان القياس أن المعيار الأول والأساسي في هذه المسألة هو طبيعة المُعطى الأمنى بالنسبة إلى صانع القرار الإسرائيلي على أهميته، والقياس هو للمعيار السياسي أولا وأخيرا بالشكل البراغماتي للبرنامج السياسي الإسرائيلي.

بمعنى آخر قياس إمكانية تعاطي البرغوثي والأطروحة السياسية التسووية على أقل تقدير ومنهج العلاقة ما بين السلطة وإسرائيل بالظرف الراهن في ظل الحقبة التاريخية الراهنة، والتي تفترض إبقاء الحال على ما هو عليه من خلال الإبقاء على سياسة التفاوض طويلة الأمد، والتفاوض على المفاوضات ذاتها مع إمكانية إنجاز لبعض القضايا الثانوية، الأمر الذي يعني بالمفهوم الإسرائيلي إبقاء حالة تصالحية معينة مع الجانب الفلسطيني تساعد الجانب الإسرائيلي بتوجهاته الدبلوماسية وسياساته الخارجية لمواجهة ما يسمى استحقاقات العملية التسووية عبر فرضيات التهدئة أو صناعة للاستقرار الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة (السلام الاقتصادي)، أو بالعودة إلى السياسات المرحلية في إنجاز ملفات محددة وذات أبعاد أمنية بالدرجة الأولى (الإنسحاب من بعض مدن الضفة ووقف التوغلات العسكرية) أي إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه ما قبل اندلاع الانتفاضة الثانية مع إبقاء جدار الفصل العنصري، وهو الأمر الذي تعتبره إسرائيل مفتوحا للتفاوض ولإمكانية إنجاز حالة تفاوضية عليه ومن خلاله مع إعادة تجميد الحسم في القضايا ذات الأبعاد السيادية…..

اعتقد ان فتح او البعض الكثير من فتح وان ايدت وقبلت بترشح الأسير مروان لإنتخابات الرئاسة انما توجه رسالة لها دلالات وابعاد ذات مدلولات جذرية بالتحول في العلاقة مع الاحتلال وبالتالي فإنها تفرض حالة اشتباكية جديدة مع الدولة العبرية على مختلف المستويات والصعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى