أزمة العالم الخفية.. الغاز أم النووي ؟

عدنان الصباح 

لم تعد المبادئ هي من تطفو على السطح في الصراعات الدولية بعد ان غاب الاتحاد السوفياتي السيد الأول في تسويق المباديء باعتبارها لعبة السياسة الاولى في العالم وبات الاقتصاد هي اللاعب العلني في كل الحروب ويبدو ان خطوط الغاز في العالم المورد لاوروبا هي اساس كل لعبة ممكنة في الصراعات الحالية سواء في خط حلب لغاز الشرق الى اوروبا عبر تركيا او خط نورد ستريم 1 للغاز الروسي عبر اوكرانيا ومنذ سنوات تسعى روسيا بتخفيض تكلفة ضخ الغاز الروسي الى المانيا واوروبا عبر تشغيل خط الغاز نورد ستريم 2 الذي يتفادي الدول الناقلة كأوكرانيا وبولندا ويمنع عن هذه الدول الحصول على رسوم نقل الغاز الروسي والذي يشكل جزء كبير من الدخل القومي للدول الناقلة للغاز الروسي وقد سعت الحكومة الروسية الى التخلص من الخط الاول بإنشاء شركة الخط الثاني الروسية الحكومية بالكامل لتتخلص من شركائها في الخط 1 الالمان والاوروبيين والذين يشاركونها في سلعتها الاهم وجاء انشاء الخط الثاني في المياه الدولية ليحقق لروسيا انجاز التخلص من الشركاء والتخلص من تكلفة رسوم النقل وبالتالي فان الصورة الابهى لواقع الازمة الروسية الاوكرانية تتلخص ليس في التهديد بالاحتلال لصالح تمرير الغاز بل في تكلفة النقل والضغط على اوروبا وامريكا عبر المانيا تحديدا للمصادقة على الخط رقم 2 عبر المياه الدولية وهو ما لا ترغب به امريكا لرغبتها في الابقاء على التكلفة العالية للغاز الروسي تسهيلا لها لتسويق غازها الصخري عالي التكلفة كون اوروبا هي اكبر مستهلك للغاز في العالم. 

لم تشتعل الحرب بين امريكا وروسيا ولن ترغب روسيا في احتلال اوكرانيا فهي تريد التخلص من العبء الاوكراني بلا تكلفة احتلالها لا يحقق لروسيا ذلك بل على العكس سيضع علي عاتقها المسئولية عن لأوكرانيا الا اذا تمكنت من ضمها سلميا للاتحاد الروسي في محاولة لاستعادة المكانة السابقة للاتحاد السوفياتي وبالتالي تتوقف روسيا عن دفع التكلفة لصندوق الغير بل لصندوقها هي حين تصبح اوكرانيا جزءا منها. 

لا احد يرغب بان تنتصر روسيا في اوكرانيا حتى روسيا نفسها في السياسة والحرب فالجميع لا يريد ذلك روسيا تريد الغاء الخط رقم 1 وامريكا تمنع ذلك واوروبا لا تريد لنفسها ان تعتمد فقط على الغاز الروسي وبالتالي فان روسيا تدرك جيدا ان استباحة اوكرانيا سيلغي نهائيا أي احتمال لتشغيل خط الغاز الروسي الدولي نورد ستريم 2 وهو ما تحاول روسيا تحاشيه بالسعي لحل سياسي للازمة الاوكرانية. 

الازمة الاوكراني سلاح متشعب جدا وفرص لا محدودة للعديدين خارج قطبي اللعبة روسيا وامريكا فهناك تركيا المرعوبة من العقوبات التي قد تفرضها اوروبا وامريكا على روسيا بسبب تشابك المصالح الاقتصادية الروسية التركية وفي المقابل هناك فرص هائلة امام ايران بان تكون بديل الغاز الروسي لأوروبا وهو ما يمكن له ان يشكا استعدادا ايرانيا لتراجع اسرع في موضوع النووي في محاولة للتخلص من العقوبات على امل ان يحل غازها مكان الغاز الروسي خصوصا وان قطر لن تشكل بديلا للغاز الروسي بالكامل وامريكا لا تطمع الا بجزء من السوق الاوروبي وقد تتلاقى هنا مصالح كل من امريكا وايران بالإسراع بإنجاز الاتفاق النووي ليسهل ذلك الطريق امام العقوبات الامريكية على روسيا ويفتح الباب على مصراعيه امام ايران امام خزائن الذهب الاوروبية مقابل غازها الطبيعي. 

لا احد اذن معني بالحرب على اوكرانيا وقد يجد الجميع حلا تشاركيا يلغي الافضلية القائمة حاليا للغاز الروسي ويبقى على مكانته بينما يعطي الاخرين دورا يحتاجونه في سوق الغاز الاوروبي خصوصا وان اصحاب السلعة قلة هم روسيا وامريكا وايران وقطر وان بإمكانهم جميعا الاستفادة وكذا ستكون المصلحة لكل من بولندا واوكرانيا. 

قد لا يكون ما يجري على الحدود الاوكرانية بعيدا كليا عن ما يجري في فيينا بشان الاتفاق النووي الايراني وقد يكون الحل السحري في عصفورين باتفاق واحد تجد امريكا نفسها فيه تفرض حلين في ان معا سوق مشتركة للغاز لكل المشاركين تضع امريكا نفسها فيه عنوة ومصلحة ايرانية بالحصول على حصة من سوق اوروبا عبر روسيا واوكرانيا وتنازل روسي عن الخط رقم 2 او تحويل الشركة الحكومية الروسية الى شركة متعددة الجنسيات تملكها الدول الكبرى المنتجة للغاز وقد تشارك بها بحصص اقل الدول الناقلة للغاز بما يضمن لها استمرار جزء من دخلها القومي لسنوات طويلة ويلغي التوتر في نقاط عديدة في العالم ومنها سوريا واليمن الى جانب اوكرانيا ودون ذلك فان الحرب على اوكرانيا ليست مصلحة روسية حقيقية وانما التهديد بالحرب فليس لروسيا مصلحة على الاطلاق بالهجوم العسكري على اوكرانيا وهي تدرك ان البدائل قائمة وان اخطر هذه البدائل قد تأتي من بعض الحلفاء. 

هل ستتمكن امريكا من حرف بوصلة الصراع بإنجاز الاتفاق النووي مع ايران ورفع العقوبات عنها والسماح لها بان تكون بديلا للغاز الروسي وان فعلت هل ستتحطم العلاقات والتحالفات القائمة بين روسيا وايران في سوريا وغيرها ام ان روسيا ستخوض حربا خاسرة في اوكرانيا تخسر فيها خطوط الغاز ومصالح كثيرة من سيتمكن من النصر على الارض قبل الحرب ومن سيدفع الثمن ويبدو ان امريكا لا تريد لروسيا تحقيق نصرها لا سلما ولا حربا خصوصا وانها تدرك جيدا ان النصر الحربي سيجر على روسيا ويلات لا حصر لها. 

حالة التعقيد والتقاء وتضارب المصالح الروسية الايرانية التركية يضع علاقات الحلفاء في ميزان التحالف والتناقض بشكل حاد قد تضع الحالة العالمية في مهب الريح وتجعل من امريكا الاقدر على اعادة رسم صورة التحالفات والتناقضات في العالم وستعري نتائج مفاوضات فيينا واجواء اوكرانيا الساخنة كل شيء امام شعوب العالم لتجعل من أي حديث عن المباديء ضربا من وهم لا وجود له مقابل المصالح الاقتصادية لاصحاب المال في العالم وهو ما سيجعلنا ندرك ان الانتظار سيد الموقف حين يقتتل اصحاب المصالح بنا لمصالحهم وان ترك شعوب العالم كيف تترك لهم سلاحهم ليقتتلوا به بدل ان يقتتلوا به عبر اجسادنا وبلادنا نحن الشعوب المقهورة عبر القارات جميعا.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى