مقال

عندما تتوه روح الجامع

د. إلهام الدسوقي | القاهرة

كنت صغيرة لم اتعد الخمس سنوات عندما أمرني والدي وبلغة صارمة لا تقبل رفض الأمر أن أتوجه لأقرب جامع اذا تهت في الطريق اعتبرتها مزحة فالبيت قريب من مكان اللعب فلما اذهب للجامع ولم يحدث أن تهت وانا صغيرة ونسيت جملة والدي. وسافرت إلى بلد أوربي ومع اول خروج من البيت المكتظ بالطلاب تهت ولم استطع التمييز بين الشوارع في مركز المدينة. افتقدت لغة الحوار مع أهل البلدة وذهبت أحدث هذا وذاك ولم يفهمني أحد لتغيير لكنات اللغة من مكان لمكان، فلجأت إلى لغة الإشارة للتفاهم. وتذكرت أنه في لحظة استقبالنا في المطار تمت الاشارة إلى مكان الجامع الوحيد في البلدة للصلاة يوم الجمعة. استغليت لغة الجسد ليفهم أهل البلدة أنني اريد الذهاب للجامع الكبير. واخيرا دلني أحدهم للطريق ولم انتبه لمقولة والدي، لما تتوه روح الجامع.

مرت السنوات فتزوجت ورزقت بأبنة وككل ام ترى ابنتها جميلة الجميلات وتحاول بكل الطرق حمايتها وتوعيتها حتى وصلت ابنتي سن الخامسة. وفي موقف صعب ولحظة انشغال عنها تاهت في الشوارع فانطلق أفراد العائلة كل يبحث في اتجاه ولم نجد لها أثر وبدأ الرعب يتسرب إلى قلوبنا والتفكير في المصير المظلم الذي ينتظرها اذا وقعت في أيدي الاشرار أو عديمي الضمير وصرت اجلد نفسي كيف تركتها من يدي وانشغلت لثواني استغلها الصغيرة لتلهوا في مكان بعيد عن عيني واستمر البحث من العشاء حتى منتصف الليل دون جدوى. انهالت الدموع واغرقت ملابسي مختلطة بصوت نحيبي وانا أعود الطريق الطويل إلى بيتي في الظلام الدامس. فلاحت لي إشارة في نهاية الطريق تشع نورا تقترب مني. واذا بأمام الجامع يقبض بقوة على يد ابنتي ويلاعبها فكاد أن يغشى على من شدة الفرحة برد روحي لجسدي وتهلل وجه أمام الجامع أن وجدت الصغيرة أهلها وتوجه إلى بالحديث قائلا لما تتوه روح الجامع. ولم اتذكر أيضا مقولة والدي المغفور له.

اما الان وبعد أن بدأ العمر في التسارع تذكرتها وبدأت في تنفيذ الأمر الذي اعتبرته مزحة بكل ثقة في أثره وتيقنت الان انها لم تكن مزحة وكانت الحل الأمن، فكلما تهت في الدنيا اذهب إلى الجامع……….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى