درب الأماني

عمر حمش / فلسطين 

رمق شرخَ المرآة، وهو يسرّحُ بأصابعِه بقايا شعرِه، عدّل ياقتَه، ثمِّ غافل زوجتّه …
في الشارع عاودته الحياة، السيارات تعدو بكلّ الأصناف .. كهولا ، وصبيانا ، ونسوة .. يلقون بعيونهم، ثم يمضون .. الدربُ الطويلُ يتعرّجُ، ويعودُ؛ يستقيم .. زمّ شفتيه، وأطلق صفيرا .. يجبُ أن يحيا كما يشاء، ألا يعبأ بمتاعبِ العمر .. لن يكون مثل جارِه أبي حمزة .. ما الذي يجنيه أبو حمزة من صراعِه اليومي .. لا شيء سوى الفضائح .. صوتُ أمّ حمزة يجري من فوق الحيطان .. وأبو حمزة دوما يفرّ؛ وهو يشهرُ باطني جيبيه الفارغين .. وعلى صراخِها يردُّ بصراخٍ:
من أين آتي لكِ بالنقود؟
.. سيمضي أين شاء ..يمتّعُ عينيه أين شاء .. هذه المعارض كلّها قد يملكها .. يخطو قرب الزجاج .. يدقّق في المعروضات .. يدخل هنا .. هناك .. أهلا وسهلا .. يردّ التحيّة كأي محترمٍ من العباد .. يقلّبُ القمصان .. البدل الرسميّة .. يخبرهم بمقاساته .. بكم هذا .. بكم هذه؟ … يوميء برأسِه .. يهمهم .. يخرجُ .. ليدخلَ المحلاتِ .. محلا … محلا .. بكم؟ … بكم؟ .. أها .. جميل .. يصلُ سوق العملات .. يرى الدولار .. هذا هو الدولار .. بكم الدولار .. يخمن كم يمتلك هذا الصّرافُ .. وهذا .. كم مليونا في السوق .. يدسّ كفّه في جيبه … أها . .. هنا اللحم المعلّق زهريّ طازج .. بكم؟ … تلك الفخذُ قديمة .. لا لا .. هذا أفضل .. وأنت يا هذا بكم هذا؟ ما ألذ رائحة الشواء .. سيقفُ؛ ليمضغَ كما شاء .. هذه هي الفراخ .. هذا الديكُ الروميُّ .. أعشقك أيهّا الرومي مع الملوخيّة .. يوما سأقتنصك .. قبل ذبحك سنلعب .. ستردد من خلفي الأصوات .. قرقر أيّها البديع .. سآتيك … يتعمق في الزحام .. يدسُّ جسده .. يرى حسناواتٍ .. وقبيحات .. ممتلئاتٍ .. وفارعات .. يتخيل أزواجهن .. يعبسُ تارةً .. وأخرى يبتسم .. دفعته واحدة .. فكاد يقع .. التفت .. رآها تتنقل مثل دبٍّ .. هذه أنثى ؟ ضحك بصوتٍ عالٍ ، وهو يشتمُ بعلها …. السوق مجمّع الغرائبِ.. النقائض .. الجمال، والبؤس .. هنا متسولة أسدلت على وجهها ستارة .. مدّت كفّا .. نعم … نعم .. لم لا؟ .. مالُ اللهِ لله .. مدّ قبضته إلى عميق جيبّه .. لم يخرج شيئا .. مشى .. عاودته رغبةُ الترنم بالصفير .. يلتفتون إليه .. فليقولوا ما طاب .. سأعيش حياتي .. لن أقضي العمر مستمتعا بفضائح أبي حمزة .. ها هي العرباتُ عادت .. لا لن يركبُ .. المشيّ حياة .. المشيّ صحة .. رياضة الكهول .. سيمرّ ثانيّة قرب واجهات الزجاج .. ليت في هذه المونيكان الروح .. هل في هذه المدينة أنثى؟ يمضي على الرصيف .. يترنّحُ حتى باب بيتِه .. يعبرُ الفناء .. يجدها في الانتظار .. تصيحُ .. فيصيحُ .. يهرول إلى الزقاق .. يتحصن بظهر أبي حمزة .. يستخرجان معا بواطن جيوبهما .. وزوجتاهما على العتبتين .. تلوّحان، وتنوحان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى