حديث المجتمع

 

د. بشار عيسى | سوريا

الأبناء صهيل الآباء الآتي من خيل الأيام و خميرة العُمر السائر في دروب الحياة ، و منذ لحظة خلق الإنسان في مشواره من المهد إلى اللحد وبدء رضاعة الوليد تنمو الفطرة السليمة بالوضع الطبيعي وتكتمل المعارف ويتبلور الوعي وتتشكل لوحة المجتمع بكل أجياله و شرائحه العمرية .

يَتوجب التفكير العميق في ماهية العلاقة بين الأجيال الصاعدة التي أصبحت مختلف ميادين العلوم و مجالات التعبير و المعرفة متاحة لها في زمن انتشرت فيه وسائط الإعلام المتعددة ووسائل التواصل المختلفة وآليات التعلم والتعليم عبر الإنترنت و الفضائيات و بين عموم الأجيال التي قبلها والتي لم تتابع مجمل هذه الطفرة الهائلة من المعلومات و فُرص إقامة شتى العلاقات و شبكات التواصل السريع ، و لذلك من الطبيعي في هذه الأيام محاولة إزالة هذه الفجوة بين الأجيال من خلال تقريب كل جيل من الجيل الآخر بأساليب مقبولة و طرق معقولة و ليس عبر تمرد الجيل الجديد على الجيل الذي سبقه أو عبر الهيمنة والسطوة التي كان يفوضها المجتمع للآباء على الأبناء .

يتمتع جيل الشباب بالنشاط و الحيوية والاندفاع و لديه أمل و شغف في مستقبل يضمن له حياة كريمة و عيشاً رغيداً ولدى الجيل الذي قبله تراكم الخبرة و عُمق التجربة و ميزة الحكمة في معالجة الأمور و لذلك من الجميل أن تمتزج كل تلك الخصال في نواة المجتمع المعروفة باسم الأسرة و ما أروع اجتماع أفراد الأسرة لمناقشة كل القضايا بهدوء واتزان والتشاور في مختلف الأمور المعيشية والاجتماعية والمادية حيث يُدلي الأبناء بآرائهم التي قد تكون أكثر انسجاماً مع واقع الحياة الراهنة من آراء الأبوين دون حرج ويَعرض الوالدان وجهة نظرهما بكل محبة دون محاولة فرض الرأي .

لقد آن الأوان للاعتراف بحق الجيل الجديد في التعبير عن آماله و أحلامه و مشاركة أفراد عائلته في التخطيط لمستقبله و استبدال لغة الفرض والإجبار بلغة المناقشة و الإقناع و اختيار جو الوئام والاحترام عوضاً عن جو الترهيب والاستبداد و ليعلم الجيل الأكبر سناً أنه لم يعد يملك حق فرض وجهة النظر على جيل تغيرت قناعاته ومفاهيمه في عصر يتسم بطابع التطور العلمي المتسارع وتداخل و تمازج الثقافات بشكل لم يسبق له مثيل و لكن في نفس الوقت يجب الانتباه إلى أنه ليس للجيل الجديد مطلق الحرية في كل ما يفعل فلا حرية مطلقة لأي إنسان على وجه البسيطة لأن مفهوم الحرية مرتبط دوماً بأُسس الحق والعدالة والحرية مقيدة بواجب الإنسان تجاه الآخرين و مرتبطة بأعراف و تقاليد و معتقدات المجتمع التي لا بد أن تُحترم لأن للمجتمع كرامة يجب أن تُصان وهوية من الضروري أن تُحفظ و تَتميز عن سواها .

من واجب الجيل القديم استلام زمام المبادرة الأولى للتقريب بين الأجيال فعليه تقع مسؤولية استيعاب الجيل اليافع وخلق الأجواء الودية للتواصل الصادق و المحبب بين الجميع و لعل من أنسب و أجمل ما قيل في هذا المقام قول جبران خليل جبران : أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها ، بكم يأتون إلى العالم و لكن ليس منكم ، مع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم ، أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم و لكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم لأن لهم أفكاراً خاصة بهم ، إن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم و لكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم ، أنتم الأقواس و أولادكم سهام حية رمت بها الحياة عن أقواسكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى