هل هو فرحٌ، أم مرض اجتماعي؟
توفيق أبو شومر | فلسطين
عندما يحتفل كثيرون بنجاح أبنائهم، أو بزواجهم بإزعاج المحيطين بهم، والتشويش على حياتهم اليومية، ومضايقتهم إما بالمتفجرات، أو بإطلاق الرصاص، أو بإطلاق أبواق قاصفات الآذان، هل هذا فرحٌ وسرورٌ طبيعيٌ، عاديٌ، أم أنه مرضٌ نفسيٌ، يحتاج إلى علاجٍ تربوي وثقافي؟!
على الرغم مِن إشكالية هذا السؤال، إلا أنني أعتبر ما يفعلُه كثيرون، حين يوظفون فرحهم لإزعاج المحيطين بهم، هم بالفعل يسعدون، ولكن ليس بسعادة المحيطين بهم، وهي ذروة السعادة الصادقة الحقيقية، ولكنهم يفرحون بغضب المحيطين بهم، كأنهم يقولون لهم، نحن سعداء ومسرورون بإغاظتكم، لن يرتاح لنا بالٌ إلا بعد أن نسمعكم عن بعد وأنتم تلعنوننا في الخفاء!
لن أنسى ما قلتُه لأحدهم منذ سنوات، يوم وفاةِ والدِه: “أنتَ محظوظٌ لأنك تملك بيتا واسعا، فيه ساحةٌ كبيرة تتسع لمئات المعزين، وأخرى واسعة مسقوفة فارغة، أنت لا تحتاج إلى استئجار أحد مقاولي العزاء، ليبني لك خيمة للعزاء خارج منزلك، حينئذٍ قال بغضب: “لا معنى لأي عزاءٍ داخل البيت، سأقطع الشارع الرئيس أمام البيت ثلاثة أيام، وإلا، فلا يكون العزاءُ عزاءً مُحترما”!
كذلك قرَّر أحد الجيران منذ بضعة سنوات، أن يردَّ على جارِه حين احتفل بزواج ابنه، فاستأجر قاصفات الآذان ثلاثة أيام، لا تكفُّ عن قصف الآذان إلا في الساعات الأولى من الصباح، قال: “حين زوَّجَ ابنه لم أنم أربعة أيام كاملة، سأستأجر فرقةً تتولى الردَّ على إزعاجه، فليذُقْ ما أذاقني” استأجر قاصفات الآذان من نوع قاصفات بعيدة المدى، صوَّبها في اتجاه بيت الجيران، ودعا جمهورا من الشباب والأطفال جزاءً وفاقا!
هل هذا بالفعل فرحُ طبيعيٌ، كما يُردد كثيرون حين يقولون للمحتجين على الإزعاج: “دعهم يفرحوا، أم أنه مرضٌ نفسي؟! إنه مرضٌ نفسيُ، وصل إلى مرحلة الخطر، حين تكون غايةُ السعيد، أن يقول لهم: “أَفرَحُ على الرغم منكم، وأسعدُ بامتعاضكم، وينشرح صدري بضيقكم”!
قال أحدُ مَن يُجيدون فنَّ التبرير، هروبا من الحقيقة: ” لا يجب أن نعتبر زيادة جرعة الأفراح مرضا نفسيا اجتماعيا، بل هو فرحُ المكبوتٍ المقهور، حين يعدمُ الفرصة، ويُحاصر، ويُسام كل أنواع الظلم والقهر، فإن هذا المقهور يُضطر إلى أن يخرج عن المعتاد، فيلجأ إلى التعويض عن لحظات السعادة المفقودة بالكامل، ليقتنص لحظة ما، يخرج فيها عن طوره، ينفِّس فيها كُربتَه، سمِّها ما شئتَ، ولكنها، (سادية معتدلة)!
الحقيقةُ أنَّ هناك إجماعا على أن نقص الجرعات الثقافية والتربوية في المجتمعات، سببٌ رئيس لهذا المرض الاجتماعي، إذ أن غياب الثقافة والوعي مسؤولٌ عن انتعاش القبلية في بيئة الخواء الثقافي والفكري، يعود البُسطاءُ والعوام إلى شرانقهم القبلية، يحتمون بها، حين يعدمون الحماية، احتجاجا على واقعهم الأليم.
هناك أيضا علاجٌ فعَّال اكتشفتْه الدولُ المتحضرة منذ قرون، لكي تُهذِّبَ الأمراض الاجتماعية والنفسية، وتزيل القبلية بمفهومها الضيق، (التعصُّب) وتعيد صياغة الأجيال وفق القوانين، وتُلزمهم احترام الآخرين، وتعلمهم، أن الحريات يجب ألا تصل إلى انتهاكات حريات الآخرين، هذا العلاج الفعال الغائب في معظم دولنا العربية هو توظيف الفنون بمختلف أشكالها، المسرح، السينما، الغناء، الفنون التشكيلية، الرياضات، المسابقات، الاحتفالات، فقد ظلَّ المسرحُ مُعلما للشعوب زمنا طويلا، واستطاع المسرحُ صياغة ثقافة الأجيال!
إنَّ للفنون مفعولَ السحرِ في إعادة صقل التقاليد والعادات، إنَّ مقياس حضارة الأمم والدول هو أن يشعر الآخرون بشعور الآخرين، وهو قمة الرقي والتحضُّر!