العلامة سعد مصلوح غواص في بحر الأدب

طاهر العلواني | كاتب وأديب مصري

كتب أستاذنا العلاّمة النحويُّ الأديبُ الشاعرُ Saad Maslouh قصيدةً أحكمَ نظمَها وأبدع، واحتبى فيها وتربّع، وزفَّها لقارئي أدبِه كعروس أخذتْ زخرفَها وازّيّنتْ؛ فلا ترى لنظمِها إلا وشيًا منمَّقا، وحليًا مؤنَّقا، وبالغَ في انتقاء الألفاظِ حتى ترى كلَّ تركيبٍ آخذًا بحُجزةِ أخيه، ولو أنني ذهبتُ في التقصّي لكلّتِ الأناملُ، ولكن بينا أنا أسير على ضفافِ بيانها إذ بي أقف على قوله:

تلك الجروحُ. قِصاصٌ**والدَّيْنُ بالدَّيْنِ يُقْضَى.

فبهرني حسنُه الوافر، وأخذني رونقُه الظاهر، فما من تركيبٍ إلا دلَّك على بهائه بادئ ذي بدء، من دون كدِّ للقريحة وإدآب للذهن؛ وإن شئت فتأمل قوله (تلك الجروح)، وكيف جعلهما مبتدأ وخبرا، دون الطريقة العامّية بإبدال المحلى بأل، وجعلِ قصاص خبرَ اسم الإشارة، تقف على أول نكت البيت، وهي أنه صيّر ذلك عادة مستمرة للجروح؛ كما حكى سيبويه: الناس الناس، أي هم كما عهدتهم، فكأنه قيل: الجروح على عادتها، فأجملَ ثم فصّل

فإن قلت: إن كان (قصاص)، خبرا لمحذوف، فما وجه الفصل بين الجملتَين، هلا قيل: تلك الجروح، وهي قصاص؟

قلت: إن هذا الفصلَ مما أعطى البيت هذا الرونق والماء الذي ترى؛ ففي الكلام سؤال مقدر؛ كأنه لما قال: تلك الجروح، قيل له: ما عادتُها؟ فقال: هي قصاص، وما كانت هذه سبيلَه لم يجز الوصل البتة. ثم زاد الأمر تفصيلا بقوله: والدينُ بالدينِ يُقضى، كأنه لمّا فصّل العادة بالقصاص ألمح إلى أنها مداينة؛ كما قال شهل:

. **….. دنّاهم كما دانوا.

وكقولهم: كما تدين تدان، فكأن المقتَصَّ منه صار مدينا بجرح قد ارتكبه، فلما اقتصّ منه وفّى الدين، وهي توضيح لمعنى (قصاص)، فكان العطف بالواو أحسن من العطف بالفاء؛ إذ العلاقة ههنا ليست بتعقيب ولا تسبيب كما يظهر للناظر من أول وهلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى