أدب

امتلاء الفضاءات بالأخيلة والصور في مجموعة مألوف لابتهال الشايب، مقاربة تداولية إدراكية

د. محمد سمير عبد السلام – مصر 

msameerster@gmail.com

تواصل الروائية المصرية المبدعة ابتهال الشايب مشروعها القصصي الطليعي في مجموعتها مألوف، وقد صدرت عن دار النسيم بالقاهرة 2019؛ إذ ترتكز على قراءة صوت الذات التجريبي عبر علاقته بالفراغ الإبداعي المملوء بالصور الحلمية، والخيالية، والسينمائية، والافتراضية، أو عبر تداخله الاستعاري مع فضاء ذاتي فانتازي آخر يحاكي بنية التجسد، ويتجاوزها باتجاه كتابة أدائية جديدة تتجلى في فعل المشي باتجاه مستقبل يجمع بين أثر الماضي، وصيرورة الكتابة، وإنتاج علاقات إدراكية – مكانية جديدة بذلك الفضاء المضاعف الذي يجمع بين خصوصية الحداثة، وتداخل المشهد اليومي مع الأثر الجمالي فيما بعد الحداثية، وكذلك استعادة العمق الروحي الداخلي في الممارسات الجمالية المعاصرة؛ فالذات تقع في مستويين من التجسد الداخلي، وتعيد تشكيل علامات العالم، والبيانات السمعية والبصرية عبر مستوى التجسد الثاني/ الجلد؛ وهو يشبه الزجاج؛ كما يحمل أثر الاحتجاب القديم؛ وكأنه يشير – في تضمينات الخطاب السردي – إلى الحضور الداخلي المضاعف ضمن المشهد اليومي؛ وإلى وجود شبكة واسعة لانهائية من العلاقات والخطوط المعقدة الإدراكية – المكانية النسبية في المشهد الاجتماعي الفانتازي؛ وقد تتصل الذات بالصورة الحلمية المضافة للتكوين، أو بالصوت السريالي؛ مثل استعارة الساردة لصوت الغراب الذي يحاكي الأثر الجمالي لمشهد الأوبرا، أو لرأسي الكلب، أو الأسد ضمن استعارة إدراكية تشير إلى تعددية تفاسير الكينونة، وتعددية الفضاء المدرك، ونظائره الخيالية – الحلمية الواسعة المحتملة ضمن المشهد اليومي نفسه؛ ومن ثم فالفضاء التجريبي –في خطاب ابتهال الشايب الطليعي في مألوف– يستنزف بنيته المرئية، أو الفيزيقية، ويدل –في مضمر الخطاب– على وفرة الحيوات الجمالية للصور الحلمية، والخيالية، والافتراضية، والسينمائية / المحولة ضمن فراغ واسع، أو فراغات إبداعية واسعة تتشكل من داخل المرئي وتتسع في التمثيلات الذهنية الداخلية للسارد في المشهد طبقا للإعلاء النسبي من أهمية أثر سياقي في الموقف الفعلي، أو في السياق الثقافي بمدلوله الواسع في نموذج التواصل الأول بين السارد، والمروي عليه.

يمكننا إذا قراءة ملامح التجريب – في خطاب ساردة ابتهال الشايب – من خلال بعض آليات المقاربة التداولية الإدراكية؛ للكشف عن مدى توسع الوعي في إنتاج تمثيلات، واستدلالات مفاهيمية انطلاقا من الإعلاء من أهمية أثر سياقي محدد طبقا لنظرية الصلة عند سبيربر، وويلسون، والبحث عن دلالات تسلسل الأفعال الكلامية المتضمنة، أو المضمرة في بنية الخطاب السردي طبقا لتصنيف جون سيرل؛ وسنعاين مجموعات من أفعال الكلام التعبيرية، أو التوجيهية تكمن خلف أفعال الكلام التمثيلية / السردية؛ فالساردة مثلا تطرح فعلا كلاميا توجيهيا مضمرا يتعلق بسؤال الرعب، والبهجة في العالم التصويري المناظر لفراغات الواقع؛ وكأنها تدفع المروي عليه لأن يحقق قوة فعل الكلام في إنتاج فعل كلامي تمثيلي آخر لتوصيف المشهد جماليا، أو يحقق لازم فعل الكلام في تكرار السؤال نفسه وفق واقع فانتازي آخر منتج في لحظة تلقي الخطاب.

ويرى كل من دان سبيربر، وديردري ويلسون في دراستهما المعنونة ب التداولية أنه لكي نؤول الكلام حدسيا، ندمجه مع معلومات السياق، والاستدلالات التي لا تتولد من السياق وحده، وإنما من الأهمية/ الصلة والتوسع في معالجة أثر سياقي يشكل أهمية بالنسبة للمتكلم، وكذلك في عملية بناء خبرات إدراكية مشتركة مع المستمع/ مستقبل الخطاب في موقف التواصل. (1)

لا تحيلنا دراسة سبيربر، وويلسون – إذا – إلى المدلول الثقافي، والاجتماعي فقط للسياق؛ وإنما إلى طرائق إدراك مؤشر سياقي ذي صلة في عالم المتكلم، وله دلالة في عملية بناء خبرات إدراكية مشتركة مع مستقبل الخطاب؛ ومن ثم يحددان الصلة بصورة نسبية، وبصورة موسعة إدراكيا، تضيف إلى ما قدمه بول غرايس في المبدأ التعاوني، وتضيف جوانب إدراكية لدراسة السياق تداوليا في مواقف التواصل المتنوعة، وما يتضمنه الخطاب من تضمينات، أو أفعال كلام مضمرة.

هكذا تختار ساردة ابتهال الشايب في مألوف / قصة خارج (2) مؤشرا سياقيا متضمنا في القصة المقدمة للمروي عليه في نموذج التواصل الأول؛ وهو الفراغ الذي يقبل الاتساع المكاني، والامتلاء بالأطياف، والصور المحتملة، والعلامات الفنية الكثيفة المحولة؛ وقد تولد هذا الفراغ المكاني الإبداعي من صورة لفجوة مظلمة محولة سيميائيا من بالوعة تنطوي على فراغ غامض مظلم؛ ومن ثم بدأت الساردة في بناء خبرات إدراكية تجريبية قد تكون مكانية أو قوطية موسعة من صورة الدائرة الصغيرة المظلمة في المشهد، وفي سياق موقف التواصل الفعلي في بنية القصة؛ فالدائرة المظلمة تتجلى ضمن حالة ذهنية تختزن مواقف الحياة اليومية بالإضافة إلى الصور الحلمية وأخلام اليقظة المحولة عن طفرة صور السينما، ومتاحف الفن التشكيلي، وأطياف الماضي الفني، والتاريخي؛ ومن ثم تستقبل الفجوة المظلمة وفق أثر الغموض، وقابلية التوسع في تخييل الفجوة المظلمة وفق اتساعها الممكن، أو استبدالها للفراغ المظلم، أو المضيء في موقف التواصل؛ الفجوة فراغ واسع إذا يتضمن علامات الواقع، وتجليها الحلمي الخاص ضمن الفراغ الواقعي نفسه، وإمكانية انفتاح ذلك الفراغ على الذاكرة الإبداعية المحملة بشخصيات الفن، وأطياف السينما والتاريخ، والتكنولوجيا، والعوالم الافتراضية؛ ومن ثم تجسدت الأصابع في الظلمة الحقيقية وفق غموض الأسود، ثم تجلت وفق تمثيلات ذهنية فائقة من خلال دمج الأسود بطيف الأصابع الخيالي المحول من العوالم الافتراضية والقوطية، ثم التوسع الطليعي في إنتاج علامات مشابهة في الفراغ الحقيقي / الجمالي الواسع، والمتجاوز للدائرة المظلمة الأولى، والتي تجسدت كبيان بصري يعاد تنظيمه بصورة دينامية تقاوم مركزية الفراغ من داخل إنتاجية الصور والأطياف في المشهد الواقعي، وفيما وراء الظلمة المؤقتة.

وللإحالات المرجعية المكانية المقدمة في خطاب الساردة دلالات تتعلق بقراءة الكينونة، والعودة على الحداثية بصورة جديدة مغايرة؛ فالبطل يقوم بالفعل داخل مرجع مكاني يدل على الخصوصية المضاعفة؛ وهو دورة المياه بمنزله؛ ومن ثم تدل الإحالة المرجعية على مواجهة الذات الفردية لصور الفراغ؛ وكون هذه الصور ضمن حالات ذهنية بالغة النسبية، ومختلفة ضمن شبكة علامات سيميائية معقدة في الفراغ المظلم؛ وهي شبكة دينامية تقوم على اختلاف رؤى الأفراد الإدراكية، وطرائق تجلي العلامات الواقعية، والفنية حسب بيانات الذاكرة السمعية، والبصرية لكل منهم؛ ومن ثم فحضور الذات المضاعف في ذلك المرجع المكاني الخاص، يسمح بانتشار لانهائي للأطياف بصورة إشكالية في بنية الحضور.

وأرى أن الإحالة المرجعية إلى البقعة المظلمة المملوءة بصور الأصابع في خطاب ساردة ابتهال الشايب تؤسس لتأشير عائدي / أنافورا – وفق صورتها المفاهيمية في وحدة الخطاب – يقوم على الربط بين البقعة السوداء الحية، والطبقات المكانية القديمة الأولى في العالم، والتي تسبق التجسد الصلب للمنزل، ودورة المياه؛ فهي تتصل مفاهيميا بفراغ حر مرن، وحلمي، ومتوافق بصورة بها درجة عالية من التوافقية / الهارموني مع حدس إدراك الذات في صورتها الداخلية؛ ومن ثم فالطبقة العميقة من البقة تستدعي عودة الأصابع بوصفها طيفا جماليا إشكاليا يتموضع في بنية الحضور في نوع من التنازع الكامن في الأثر القوطي، والتوافق الذاتي مع الفراغ القديم الإبداعي في آن.

أما الإحالة المرجعية إلى صورة الأصابع الفنية فتتضمن دلالة عودة الماضي، وتجسداته الطيفية بصورة إشكالية وفق مزج الفضاء الحقيقي / الفجوة المظلمة بالفجوة الفانتازية المتضمنة في التراث الفني القوطي، وأخيلته السينمائية؛ ومن ثم نستدل على وجود استعارة إدراكية متضمنة في الخطاب تقوم على التشابه المفاهيمي بين فضاء الإدخال الأول؛ وهو الفجوة المعتمة، وفضاء الإدخال الثاني / فضاء الفانتازيا الفنية؛ فكل منهما يتضمن دلالة الغموض، والاتصال بأطياف الشخصية وذكرياتها وتعقيد البيانات البصرية والسمعية واللسانية في عالمها الإدراكي، وإن كانت الفانتازيا تحقق بعض الصور التي تبدو مؤجلة في الفجوة المعتمة الأولى، كما يتصلان بالذات المدركة وحضورها الفردي، وتقدير الذاتية وفق منطق الحداثة المستعاد، كما أنهما يقبلان الاستبدال والتوسع وفق المشابهة المحتملة مع فضاءات حقيقية أو افتراضية أخرى؛ ومن ثم يتشكل فضاء المزج الثالث من المزج بين فضاءي الفجوة / البالوعة، والفراغ المنتج لصور الفن في تكوين استعاري جديد، ومركب؛ وتؤكد الاستعارة الإدراكية السابقة – إذا – تصورات فوكونير، ولاكوف حول الاستعارة المفاهيمية، وفضاء المزج المركب وفق تصور مارك تيرنر الإدراكي؛ ولا يمكن فهم استبدال الفجوة بالفراغ المكاني / الجمالي الواسع وفق مبدأ الصلة إلا بذلك المزج المفاهيمي بين الفضاءين في خطاب الساردة.

ويؤسس الخطاب لصحة فرضية الاتصال التصويري الحلمي بين الفجوة المظلمة، وتشكل العلامات الحلمية، والفنية؛ ومن ثم تقوم الحجة الاستدلالية على استنتاج الحياة الأخرى للصور ضمن الفجوات، والفراغات المحتملة وفق أصالة مشابهتها لفضاءات السينما والمتاحف، والفانتازيا، والفراغات القوطية القديمة؛ ومن ثم فهي تحيل دائما إلى مرجع مكاني تجريبي مناظر في العمق المظلم للفجوة نفسها، يستنزف مركزية الفراغ، ويستبدله بالحياة المتجددة للصورة الفنية المحولة.

وتتواتر أفعال الكلام التمثيلية / السردية عبر التبئير الداخلي على شخصية البطل؛ وهي أفعال كلامية تمثيلية تجريبية؛ لأنها تتضمن إحالات مرجعية مكانية وإدراكية موسعة حول امتلاء الفضاء بالصور، والأطياف الفنية في شبكة قابلة للتوسع؛ ومن ثم تتحقق قوة فعل الكلام في تحوير مستقبل الخطاب لمنظوره البصري باتجاه الفجوة السوداء، ومزجه لبنيتها مع فضاءات حلمية وفنية أخرى؛ بينما يتحقق لازم فعل الكلام التمثيلي حين ينتج مستقبل الخطاب شبكة تمثيلية مكانية أخرى من ذاكرته عبر الفجوة، أو عبر فراغاته الخاصة المحتملة.

ويضمر الخطاب فعلا كلاميا تعبيريا، يقوم على تفضيل الساردة للمزج الطليعي بين الفضاء اليومي، وتاريخ الفن الأسبق؛ والذي يتجلى كطيف من الماضي ينتظر التحقق في المزج الإدراكي بين الفجوة، وفراغات الأماكن المستدعاة من الحلم، والذاكرة الفنية، ويضمر فعلا كلاميا توجيهيا يتعلق بالسؤال المتجدد حول الاستبدالات الأخرى العلاماتية – الإدراكية الممكنة في فراغات أخرى أوسع؛ وهو ما يستلزم إضمار فعل كلامي وعدي آخر بإمكانية توليد صور، وأطياف أخرى فيما وراء الفجوة، والفراغات الأخرى المحتملة في المستقبل.

وتمزج الساردة بين الذات والفضاء في قصة عفوية (3)؛ فالذات ترتدي غرفة جلدية تسير بها في الشارع، وتنتظر قدوم الفراشات التي تحفر بعض النبوءات على حوائط الغرف؛ ويراوح خطاب الساردة بين استعادة الماضي، وفعل الصيرورة في المستقبل الممزوج هنا بتركيب (الذات – الفضاء الفانتازي) وبفعل الكتابة، وأهميته في تشكيل التمثيلات الذهنية، وقراءة الكينونة.

وإذا أعدنا قراءة الخطاب السردي وفق السياق، ومبدأ الصلة الإدراكي سنجد أن الساردة قد انتخبت بنية الاحتجاب الذاتي المضاعف؛ وأعلت من أهميتها في المشهد اليومي؛ ومن ثم تجلت داخل غرفة من الجلد؛ أي توسعت أيضا في التجريب في الإحالة المرجعية المكانية عبر استعارة إدراكية تجمع بين الذات، والمكان الفانتازي المتعلق بفعل الكتابة؛ وكأنها تطرح سؤالا، أو تؤسس خطابها على فعل كلامي توجيهي يتصل بالسؤال المتجدد عن الكينونة، أو عن مدلول الهوية السردية طبقا لريكور، أو عن أهمية قراءة الذات – في موقف التواصل – بوصفها فراغا فانتيزيا يقبل التشكيل بواسطة الحفر، أو الكتابة؛ وقد تتحقق قوة فعل الكلام التوجيهي عبر إدراك مستقبل الخطاب لعمقه الرمزي أو العلاماتي الداخلي الخاص، أو رؤيته لحالة الاحتجاب، أو شبكة الاحتجاب في بنية العلامات الواقعية في الشارع، أو في فضاءات الكتابة، والتي تستدعي مزجها بفضاءات فنية مشابهة عبر سلسلة من الاستعارات الإدراكية التأويلية؛ أما لازم فعل الكلام التوجيهي فقد يتجلى في الحالة الأدائية التي يتلقى فيها مستقبل الخطاب الإشارات الذاتية أو إشارات الفضاء، أو علامات تجلي الآخر بوصفها عوالم معرفية مضاعفة تشبه الغرفة الجلدية / الذاتية في خطاب ساردة ابتهال الشايب.

هكذا تنسج الساردة في الخطاب استعارة إدراكية بين الذات والمكان الفانتازي؛ فيصبح فضاء الإدخال الأول هو الذات بتجسدها الفيزيقي، وعالمها الداخلي، وطرائق تشكيلها للكينونة، ويصير فضاء الإدخال الثاني هو الغرفة الجلدية الفانتازية؛ وستقوم المشابهة على بنية الاحتجاب التي تستدعي العمق الداخلي، وتعدد الطبقات الداخلية للذات بوصفها مكانا استعاريا، وتجدد السؤال حول العودة الإشكالية لأطياف الذاكرة المحولة، أو كتابة رموز تشبه النبوءة، وتجدد السؤال الآخر عن الذات بوصفها مكانا للحفر الفني، والإبداعي الداخلي؛ والذي يوسع من دلالات المكان، والغرف، والقصور الواقعية وفق استعارات محتملة، أو مشابهات مع بنى العالم الداخلي وفق إنتاجية التمثيلات الذهنية التفسيرية الفائقة؛ وسيصير فضاء المزج المركب هو الذات الداخلية بوصفها فراغا استعاريا دينامية يتشكل وفق تغير السياق، ومراوحات الخطاب بين عودة أطياف الماضي، وكتابة لحظة الحضور بصورة رمزية أو فنية محتملة. 

وينسج الخطاب – إذا – حجة استدلالية ترتكز على فرضية تأويل الذات وفق احتجاب الفضاءات، والأماكن، والكهوف القديمة، وكذلك فرضية ثراء الغامض بالحياة المجازية للأطياف؛ ومن ثم تصير النتيجة هي مشابهة الذات للفضاءات الغامضة الأولى أو التباسها بالفضاءات الفانتازية أو الافتراضية التي وسعت من دلالات كل من الذات والمكان في سياقنا الثقافي الراهن؛ والذي صار الفضاء التجريبي فيه مختلطا بالفضاءات الأخرى ضمن دينامية التمثيلات الذهنية وتشابك خطوطها الإدراكية النسبية في المشهد العالمي؛ وبخاصة مع صعود جماليات  الحساسية المكانية الجديدة في السرد المعاصر، وكذلك صعود الدراسات النقدية المكانية والإدراكية في السياق الثقافي الواسع للتلقي.

وينتخب وعي الساردة – في قصة مألوف (4)- فكرة التشابه ما بعد الحداثي بين مؤثرات السياق وعلاماته، ومراجعه الشخصية والمكانية، وتعلي من أهميتها كمؤشر سياقي ذي صلة، ويقبل التوسع، وبناء الخبرات التداولية الإدراكية وفق نظرية الصلة لسبيربر، وويلسون؛ فالتشابه الكامن في غموض المرجع الشخصي، أو المكاني، يقبل التوسع الإدراكي التصويري عبر تشكيل صوت تمثيلي تجريبي جديد، ومركب من المزج الإدراكي بين صورة الذات، والصورة التأويلية الحلمية لحيوان، أو طائر، أو أحد الزواحف أو الصورة الفنية للمرجع المكاني؛ ومن ثم فالخطاب يتضمن حجة استدلالية نسبية تقوم على إدراك الساردة للتشابه الحلمي بين الذات، وصورها المتخيلة التي تنبع من ذلك الاحتجاب الذي ينطوي على الأداء التمثيلي الفني ضمن السياق اليومي المألوف نفسه؛ وتصير النتيجة إمكانية تخييل الصور، والأصوات التمثيلية والأدائية المولدة عن ذلك التشابه الملتبس بالاحتجاب، والبكارة، والحضور المؤقت الذي يشبه صور الحلم المقطعة وتداعياته.

 وأرى أن الخطاب يعزز من التناظر الجمالي والحلمي كثيمة متكررة، وتصل بين العلامات، وتكسب الخطاب تجانسه؛ فالذات تتشكل دائما في بدائلها الحلمية التصويرية، والأماكن تتقاطع مع الفضاءات الفنية المؤقتة التي تحتفي بالأداء التمثيلي، ولا تكتفي بالإحالة إلى مركزية الواقع؛ ففضاء العمل يبدو مثل خشبة لمسرح تجريبي سريالي، وتتقاطع الإحالة المرجعية إلى فضاء الأوبرا بالصوت التمثيلي / الحلمي الآخر للذات والذي يشبه الغراب، بينما يتأمل البطل / الأسد العجوز العمق الفلسفي الكامن فيما وراء اليومي.

وتتشكل الاستعارة الإدراكية – في خطاب ساردة ابتهال الشايب التجريبي هنا – عبر التشابه بين فضاء الإدخال الأول / الذات، أو المكان اليومي المتكرر، وفضاء الإدخال الثاني؛ وهو الصورة التمثيلية الحلمية المؤولة للذات في الفضاء الآخر المناظر للأول من داخله، وتتشكل مستويات التداخل بين الفضاءين الذهنيين من أصالة تشابه اليومي مع مشاهد الفن، وأخيلة الأدب، وصور الحلم، والحضور المؤقت الممزوج بفراغ إبداعي مملوء بالأصوات، والصور، ووفرة الاحتمالات المولدة عن وجود فضاء مفاهيمي مناظر في بنية الحقيقي نفسه؛ ومن ثم يصير فضاء المزج المركب صورة تمزج الحقيقي بالفني، أو الحلمي ضمن فضاء تجريبي متعدد الطبقات؛ مثل طبقة الواقع، وطبقة المسرح التجريبي، وطبقة الفرن الحلمي، والأوبرا الحلمية؛ وهو ما يتوافق مع الرؤى النقدية المكانية المعاصرة للأدب؛ مثل التوسع في إنشاء تفاصيل لفضاءات الفانتازيا والفضاءات الافتراضية لدى روبرت تاللي جي آر في كتابه عن إدراك المكان، والهامش الاستعاري الآخر للمدن، وفضاءات الحقيقي، وخرائطه لدى بيرتراند ويستفال؛ وسنعاين ذلك التوسع الفانتازي، وتلك الهوامش الاستعارية المكانية ضمن السرد التمثيلي الإخباري التجريبي في خطاب ساردة ابتهال الشايب؛ والذي ينطوي على فعل كلامي تعبيري مضمر يقوم على أفضلية وصف الذات، والمكان وفق النظائر التفسيرية، والمكانية الاستعارية المحتملة، وينطوي أيضا على فعل كلامي تمثيلي مضمر آخر ينشئ متواليات سردية جديدة يتم تأسيسها وفق المراجع الشخصية، والمكانية المركبة وفق سلسلة الاستعارات الإدراكية وفضاءات المزج التجريبية؛ والتي تحقق قوة فعل الكلام التمثيلي الآخر في تحوير إدراك الذات والآخر والفضاء وفق الصورة الحلمية الفنية الهجينة، وتحقق لازم فعل الكلام في إنشاء مستقبل الخطاب لمتواليات سردية تفسيرية أخرى مكملة، أو متواليات شبيهة ضمن فضاءاته التجريبية الخاصة.

*هوامش الدراسة:

(1) Read, Dan Sperber and Deirdre Wilson, Pragmatics, Cognition, 10, 1981, p-p 283, 284.

(2) راجع، ابتهال الشايب، مألوف، دار النسيم بالقاهرة، 2019، من ص 7: 14.

(3) راجع، ابتهال الشايب، السابق، من ص 15 : 24.

(4) راجع، السابق، من ص 45: 54.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى