الهبل وثقافة الخوف من النّجاح

جميل السلحوت | فلسطين المحتلة

        يقول علماء النّفس أنّ المريض نفسيّا أو عقليّا، عندما يدرك أنّه مريض ويعترف بذلك، فهذا يعني بداية شفائه، وعندنا كثيرون من المثقّفين وأشباه المثقّفين ممّن باعوا أنفسهم لمصالح شخصيّة ضيّقة، جيّروا ثقافتهم لتزيين الهزائم التي نعيشها على مختلف الأصعدة، فزيّفوا الحقائق والوقائع وحوّلوها إلى انتصارات وهميّة، واستمرّوا في أكاذيبهم لخداع العامّة، ثم ما لبثوا أن صدّقوا هم أنفسهم هذه الأكاذيب، والنّتيجة هي تكريس هزائمنا واخفاقاتنا. لذلك فهم يخافون نجاح غيرهم من المخلصين الأوفياء، ولا يتردّدون في حصار النّاجحين، بل ومحاربتهم، لأنّهم يرون في نجاح الآخرين سقوطا لهم.

     والصّراع بين الخير والشّر في المجال الثّقافيّ أخذ مناحي عديدة، ووصل إلى تخريب وهدم مؤسّسات ثقافيّة، تمثّل في كثير من النّواحي، مثل تعيين أشخاص غير مناسبين وغير أكفياء في مناصب ثقافيّة رفيعة، ومنها وسائل الإعلام، ولكم أن تتصوّروا أنّ محرّرا في إحدى صحفنا المحليّة كان يفاخر بجبروته و”عبقريّته” بأنّه كان يمنع نشر عدد من الرّسومات الكاريكاتوريّة للمبدع الشّهيد ناجي العلي! وبما أنّ هؤلاء “العباقرة” يسخرّون صلاحيّاتهم الوظيفيّة لمحاربة وطمس أيّ نجاحات ثقافيّة محليّة، فإنّهم يتعمّدون مع سبق الإصرار والتّرصد عدم نشر أيّ خبر عن إبداعات النّاجحين ثقافيّا، ولو كان الخبر يتعلق بإصدار كتاب جديد، وممّا يدعو إلى الضّحك و- شرّ البلية ما يضحك- أن إحدى صحفنا المحليّة، وبناء على “عبقريّة” محرّرها الثّقافيّ رفض نشر وقائع أمسية ثقافيّة لندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة في المسرح الوطني الفلسطينيّ في القدس، أُرسلت للصّحيفة بعد الانتهاء منها مباشرة، واعتبرها- كلام فاضي- حسب رأيه! ثم نشرها بعد ثلاثة أشهر، وعلى صفحة كاملة، مذيّلة بـ “منقول عن صحيفة القدس العربيّ اللندنيّة” وبالتأكيد فإنّ نشره لها جاء لانبهاره بكلّ ما هو  خارجيّ، دون قراءته، ولو قرأها لما نشرها، لأنّه يعرف شخصيّا الأسماء التي تحدّثت في النّدوة، وهم من الموضوعين على قائمته السّوداء.

        ومن العمى الثّقافيّ والإعلاميّ الذي شاهدته في معرض فلسطين الدّولي العاشر للكتاب، أنّ أحد المواقع الثّقافيّة الذي يتخطّى اسمه حدود فلسطين، قد نشر على صفحته الأولى خبرا ممنتجا بطريقة لافتة، يدعو فيه الزّائرين لحضور حفل توقيع لكتاب شخصيّة قياديّة، وهذا أمر جميل، لكنّ العمى والهبل الإعلاميّ تجلّى في عدم النّشر عن الكتب الأخرى التي ستوّقع في اليوم نفسه والسّاعة نفسها، لذا فلا غرابة أن نجد أسماء بعينها هي التي تظهر على صفحات عدد من صحفنا وفي وكالات الأنباء المحلّيّة.

        أمّا عن نشر الكتب في المؤسّسات الرّسميّة والشّعبيّة، فالوضع لا يختلف كثيرا عن النّشر في الصّحافة إلا من رحم ربّي، وإذا ما كان المبدعون في الدّول المتقدّمة يحصلون على ثروات كبيرة كمردودات لمبيعات إبداعاتهم، كما يحظون بمكانة اجتماعيّة مرموقة، فإنّ الابداع في بلاد العربان، وفلسطين طبعا ليست استثناء، يشكّل نكبة مادّية لمبدعين كثيرين – خصوصا الشّباب منهم-، لأنّهم يطبعون ما يبدعونه على حسابهم الخاصّ، وهذا يقودنا إلى التّساؤل عن جدوى وجود ما يشبه “المافيا” الثّقافيّة بين ظهرانينا؟ وإلى أين ستصل بنا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى