أدب

غزة

رسالة من طفلة فلسطينية إلى أمها الشهيدة

شعر : فرحان الخطيب

شمسٌ ..
على شرفاتِ أرضِ الله إلّا ها هنا ..
شمسٌ تُخاصرُها القتامةُ والفتورْ ..
لمْ يبقَ يا أمّي سوى ..
أغصانِ داليةٍ ذوتْ من نزفِ أوردةِ الجذورْ ..
لم يبقً غيرُ قنابلِ الموتِ الرّهيبِ ..
وشهقةِ البيتِ المُهدّمِ من عُلَاهُ ..
وما تحطّمَ من جُسورْ ..
☆ ☆ ☆
هي ( غزّةُ ) الملأى جِرَارُ حياتها بدمٍ ..
يُعانقُ في تبرعمهِ الزّهورْ ..
عندي لِ( غَزّةَ ) من دموعِ الشّعرِ ما ملأَ المحاجرَ ..
ثمّ أطلقها إلى وجعِ البحورْ ..
في ( غزّةَ ) الأنوارُ تُطفأُ والنجّوم إلى خفوتٍ لا تشعُّ ..
تنوسُ مثلَ عرائسٍ فقدتْ بهاءَ حياتها بشهيدها ..
ويلفُّ نشوتَها الضُّمورْ ..
☆ ☆ ☆
لمْ يبقَ يا أمّي هنا ..
غيرُ التّعلّقِ في عناقيدِ الحياةِ ..
وبتُّ أخشى أن تصيرَ قضيّتىخجلى كأطفالِ الحصيرْ ..
ونموتُ يا أمّي هنا ..
لبسَتْ كنائسُنا الحدادَ ..
وأعلنتْ قببً المساجدِ حزْنَها ..
وبَدَتْ صلاةُ الخاشعينَ كأنّها ..
نًسِيتْجنانَ الخُلْدِ في كَنفِ العُلا ..
وتوجّهتْ صوبَ المعابرِ، للحياةِ ..
وأنّهمْ ..
فتحوا المعابرَ بالدّمِ المُرّ الغزيرْ ..
☆ ☆ ☆
لم يبقَ يا أمّي هنا ..
غيرُ العبُورِ إلى العُبورْ ..
☆ ☆☆
سَرقوا أساورَكِ التي خَشْخَشْتِ فيها ..
حينَ كان اللهُ ينشرُ في زوايا البيتِ ..
أجنحةِ البُخُورْ ..
سرقوا أغانيكِ التي غنّيتِها ..
” ياللهتنامي يا بنتْ .. يا مَغنّجي وَمْدلّعهْ ”
” وبكرةْ إذا قَدّكْ حلي ..لاطلبْمهيركْباربعهْ ”
سَرقُوا أغانيكِ التي غنّيتِها ..
سَرقُوا حنانَكِ من شقوقِ البيتِ ..
والعِقْدَ المُذَهّبَ والسَّريرْ ..
☆ ☆ ☆
سرقوا مَناديلَ الطّفولةِ مِنْ على حبْلِ الغسيلِ ..
وأطلقوا من فُوّهَاتِ عُيونهمْ ..
جيشَاً منَ الحقْدِ المُعلّبِ في دَهاليزِ الصُّدورْ ..
سَرقُوا صباحَ النّعنعِ البَرّيِّ والحَضَريِّ لمّا ..
ينشرُ العطرَ الزكيَّ ..
ويستريحُ على الخُصُورْ ..
☆ ☆ ☆
ومضيتُ يا أمّي أسيرُ ..
على خُطا درْبٍ تدورْ ..
وتركتُ يا أمّي المساكبَ والمشاتلَ والزّنابقَ ..
والحدائقَ والمدارسَ والدّفاترَ والعُطورْ..
وتركتُ خلفَ البابِ محفظتي وما ..
دوّنتُ فيها من سُطورْ ..
وحملتُ يا أمّي القصائدَ والمواجعَ والصّباحَ..
ولونَ أجنحةِ الحكايات الجميلةِ والطّيورْ ..
ومشيتُ يا أمّي، مشيتُ ..
يرفُّ فوقَ بكائنا سربُ السُّنونو ..
لا أسيرُ ..
ولا يطيرُ ..
كأنّنا نَذْرانِ نُدْرَجُ في سجلّاتِ النُّذورْ ..
☆ ☆ ☆
لمْ يبقَ يا أمّي سوى ..
صوتِ المعابرِ للعبورْ ..
والموتُ يصرخُها هُنا ..
إنَّ الغزاةَ يُهيّؤونَ الأرضَ للشهداءِ بيتاً ..
ما يُسمّى بالقُبُورْ ..
والآن تزدحم المشاعلُ بالقبورْ ..
☆ ☆ ☆
لم يبقَ يا أمّي سوى ..
رِجْسٍ منَ الأعرابِ يغتسلونَ في دِنٍّ
تفَاوَرَبالدّناءةِ والفُجُورْ ..
لمْ يبقَ يا أمّي هنا غيرُ المجازرِ والمذابحِ ..
علّقوها ..
بين أعمدة السّماءِ وبين أرضٍ لا تدورُ ..
بَلَى تمورُ كأنّها حُبلى بقيحِ العُهرِ ..
في زَمنٍ ضَريرْ ..
ونموتُ يا أمّي هنا ..
ويَحفُّ بالحقّ اليباسُ ويخفتُ الحُلُمُ النّضيرْ ..
لمْ يبقَ يا أمّي هنا غيرُ السُّيوفِ نُسِلُّها ..
للرقصِ في حلباتِ ذُلٍّ ..
نرفعُ الأنخابَلا سْتقبالِ طاغيةٍ حقيرْ ..
لم يبقَ يا أمّي من ” القطران ” جدوى ..
في مداواةِ البعيرْ ..
لم يبقَ يا أمّي هُنا غيرُ المذابح والمجازرِ
والقنابل فوق أشلاءِ الطّفولةِ والنساء ..
ونحنُ نصرخُ..
غيرَ أنّ الوقتَ أعلنَ ..
لا معينٌ أو مجيرْ ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى