فاطمة الزهراء بناني | تونس
إن نسيت فلن أنسى كلمات كانت تنبعث من شفاه والدي جالسا على سجادة الصلاة رافعا يديه إلى السماء،باسطا كفيه إلى الله..في خشوع وذلة .لا أخاله فيهما يشعر بمن حوله…من فرط تضرعه ..وأسماء بلدان عربية تتردد في دعائه أكثرها فلسطين…إسم حفظته من كثرة تكراره وتعاطفت معه رغم صغر سني وعدم فهمي لمغزاه…ومما زادني أهتماما به ذكره في كل الأخبار التي يحرص والدي على سماعها عبر موجات الراديو.. إذ يسود وسط الدار سكون قدسي إذا جاء موعد الأنباء..وقال المذيع هنا القاهرة…وتتحول كل حركة إلى جمود…وكأن القائمين بها تماثيل إلا من زفير وشهيق حذرين….
أمر أبي يحيرني…فأتابع ملامح وجهه التي تتغير..وتتجهم…ويقطب جبينه ويغلق الراديو لاعنا عروبتنا… وأشفق لحاله..وأشعر أنه يرزح تحت حمل ثقيل لا أعلمه..لكنني أحس به…وأراقب حركاته وسكناته…وهو يعود لصلاة العصر…مواضبا بعدها على الدعاء واسم القدس وفلسطين هما محور التضرع..
وطوى الزمن الأيام..وبين مقاعد الدراسة فهمت سبب وجوم والدي وحزنه وانكساره.. وعرفت أن فلسطين هي جرح الجميع ونزيف أفئدتهم الدائم… وسكنني همها أكثر… فاسمها في الكتب والدروس، وقصائد الشعر،ودروس التربية الإسلامية ..فتاة يعشقها الكل. وياسرها الطغاة في زنزانة من حديد ،لا أحد يجرؤ على الاقتراب من سجنها..ولا من تخليصها…والحراس لا يغفل لهم طرف عين .
عشقنا الخروج في مظاهرات المعهد والجامعة..والهتاف باسمها ..وكان هتافي أكثره ثأر لوالدي الذي رحل ولم يشهد عروس المدائن ترفل في أثواب الحرية…
قم يا والدي..انهض وبارك لفلسطين تكسيرها للأغلال…وانبعاثها من بين الركام ملكة يهتف لها العالم بالولاء…متع نظرك الذي ملأه الغبن..قم يا والدي فالأعراس في كل ميدان ودرب.