البطل خالد بن الوليد.. قائد موقعة “اليرموك”
الكاتبة شيرين أبوخيشة | القاهرة
” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”
من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فالحمد للَّه الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم ووهن بأسكم وسلب ملككم، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي بالرهن، واعتقدوا مني الذمة، وأجيبوا إلي الجزية فإن لم تفعلوا. . . . فواللَّه الذي لا إله إلا هو. . . لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كحبكم الحياة!
(خالد بن الوليد)
أستاذ العسكرية الإسلامية والقائد الأعلى لقوات المسلمين المقاتلة ضد إمبراطورية فارس على الجناح الشرقي والقائد الأعلى للقوات المجاهدة
ضد إمبراطورية الروم على الجناح الغربي والقائد الأعلى للجيوش الإسلامية الموحدة في حروب الردة
قائد معركة “اليرموك” الخالدة وقائد معركة “اليمامة” الباسلة وقائد معركة “ذات السلاسل” التاريخية وقاهر صحراء “الأنبار” القاحلة وقائد معركة “مؤتة” المجيدة التي انتصر فيها بثلاثة آلاف مجاهد فقط ضد جيوش الروم وحلفائهم إنه سيف اللَّه المسلول إنه صاحب الذكر الحميد والنصر المجيد إنه البطل الإسلامي الصنديد خالد بن الوليد
قبل أن اخوض في بطولات هذا البطل العظيم أرى أنه من الأهمية أن أذكر شيئًا عن تاريخه قبل الإسلام لنرى كيف يغير الإسلام الإنسان تغييرًا جذريًا فيحوله من أكبر حاقد على الإسلام إلى سيف من سيوف اللَّه ينشر راية التوحيد في سائر الأرض.
خالد هو ابن الوليد ابن المغيرة أعظم رجل في قريش والوليد هذا هو أحد الرجلين العظيمين الذين تمنى المشركون أن لو كان هو النبي في قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )ورغم أن الوليد كان من أغنى أغنياء العرب إلّا أن ابنه خالد لم يركن لثراء أبيه فكان يذهب إلى الصحراء القاحلة يدرب نفسه على القتال والصلابة فقد كانت عشيرة “بني مخزوم” التي ينتمي إليها خالد هي المسئولة عن الأمور العسكرية في مكة هذا ما دعا خالدَ ليقود جيش المشركين إلى الانتصار في غزوة أحد بل إن خالد أراد قتل الرسول صل اللَّه عليه وسلم شخصيًا عند “الحديبية” إلا أن اللَّه عصم رسوله من سيف خالد يوم أن شرع صلاة الخوف وبعد إسلامه شارك هذا البطل العربي كجندي بسيط في معركة “مؤتة” تحت قيادة ثلاثة أبطالٍ أسطوريين، جاء الدور على “بيزنطة” ليلقنها ابن الوليد درسًا في فنون القتال الإسلامي فلقد قرر أبو بكر رضي اللَّه عنه وأرضاه أن يرعب الروم النصارى بخالد عندها صرح الصدِّيق التصريح الخطير الذي كان بداية ملحمة عسكرية خالدة (واللَّه لأنسين الروم وساوسَ الشيطان بخالد بن الوليد)ليصل هذا الأمر البكري إلى القائد خالد وهو في العراق وهناك من بلاد الرافدين يقطع خالد بجيشه صحراء الأنبار القاحلة في عملية عبور خيالية
لتبدأ العمليات القتالية في الجبهة الغربية للقوات الإسلامية المجاهدة. ليتسلم خالد بن الوليد القيادة بعد استشهاد “الفرسان الثلاثة” فقام خالد بوضع خطة حربية اعتبرت معجزة من المعجزات العسكرية هذه الخطة ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية في كل أنحاء العالم فلقد انتصر خالد بثلاثة آلاف مجاهد أمام مائتي ألف مقاتل نصراني من الروم وحلفائهم من نصارى الشام ولكي تدرك مدى براعة تلك الخطة وسبب اختيارها لتدرَّس في المعاهد العسكرية ينبغي عليك أن تذهب معي بخيالك إلى جنوب الأردن وبالتحديد إلى مؤتة على بعد ١٣٠ كم إلى الجنوب من العاصمة الأردنية “عمان”.
وجد المسلمون أنفسهم أمام جيش من مائتي ألف مقاتل نصفهم من الروم والنصف الآخر من الغساسنة. فوجئ المسلمون بالموقف وأقاموا لليلتين في معان يتشاورون أمرهم أشار البعض بأن يرسلوا للرسول ليشرحوا له الموقف وينتظروا إما المدد أو الأوامر الجديدة عارض ابن رواحة ذلك وأقنع المسلمين بالقتال بدأت المعركة وواجه المسلمون موقفًا عصيبًا حيث قتل القادة الثلاثة على التوالي عندئذ اختار المسلمون خالدًا ليقودهم في المعركة.
صمد الجيش بقية اليوم وفي الليل نقل خالد ميمنة جيشه إلى الميسرة والميسرة إلى الميمنة وجعل مقدمته موضع الساقة والساقة موضع المقدمة.
ثم أمر طائفة بأن تثير الغبار ويكثرون الجلبة خلف الجيش حتى الصباح فوجئ جيش الروم والغساسنة بتغيّر الوجوه والأعلام عن تلك التي واجهوهابالأمس إضافة إلى الجلبة فظنوا أن مددًا قد جاء للمسلمين عندئذ أمر بالانسحاب وخشي الروم أن يلاحقوهم خوفًا من أن يكون الانسحاب مكيدة. وبذلك نجح خالد في أن يحفظ الجيش من إبادة شاملة حارب خالد ببسالة في غزوة مؤتة
وكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف وبعد أن عاد إلى يثرب أثنى عليه الرسول صل الله عليه وسلم ولقّبه بسيف الله المسلول.
كان أمام خالد طريقان للوصول لقوات المسلمين في الشام الأول عبر دومة الجندل والثاني يمر بالرقة. ولما كانت حاجة قوات المسلمين في الشام ملحّة لمدده تجنب خالد طريق دومة الجندل لطوله وقد استغرق أسابيع للوصول إلى الشام.
كما قرر أن يتجنب الطريق الآخر لأنه سيمر على الحاميات الرومانية في شمال الشام اختيار خالد طريقًا وعرًا لكنه أقصر عبر بادية الشام
اتخذ خالد من رافع بن عميرة الطائي دليلاً له حيث نصحهم بالاستكثار من الماء لأنهم سيسيرون لخمس ليال دون أن يردوا بئرًا.
استخدم خالد بطون الإبل لتخزين الماء لشر الجياد وبذلك نجح خالد في اجتياز بادية الشام في أقصر وقت ممكن ثم أخضع الغساسنة بعد أن قاتلهم في مرج راهط ومنها انحدر إلى بصرى ففتحها.
وعندئذ جاءته الأنباء بأن جيشًا روميّا قد احتشد في أجنادين فأمر خالد جيشه بالتوجه إلى أجنادين وراسل قادة الجيوش الأخرى بموافاته في أجنادين. ولما تم اجتماعهم هناك جعل أبو عبيدة بن الجراح على المشاة في القلب ومعاذ بن جبل على الميمنة سعيد بن عامر بن جذيم القرشي على الميسرة وسعيد بن زيد على الخيل بدأت المعركة بمهاجمة ميسرة الروم لميمنة المسلمين ولكن معاذ بن جبل ورجاله صمدوا أمام الهجوم ثم شنت ميمنة الروم هجومًا على ميسرة المسلمين
فثبتوا أمر قائد الروم برمي الأسهم عندئذ بدأ هجوم المسلمين واستبسلوا ففر الروم منهزمين.
خالد على رأس جيش المسلمين في اليرموك رسم تخيُلي لخالد بن الوليد وهو يُقاتل الروم في اليرموك.
ثم بلغ خالدا أن الروم قد حشدوا جيشًا آخر يشرف على مائتان واربعون ألف جندي في اليرموك فتوجهت جيوش المسلمين إليهم.
وأظهر خالد أحد تكتيكاته الجديدة فقسم جيشه فرقًا كل منها ألف رجل وجعل على ميمنته عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان وعلى القلب أبا عبيدة
وجعل على رأس كل فرقة بطلاً من أبطال المسلمين أمثال القعقاع وعكرمة وصفوان بن أميه ثم رسم خالد خطة لاستدراج الروم بعيدًا عن مواقعهم التي حفروا أمامها الخنادق فكلف عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو التميمي الهجوم بفرقتيهما فجرًا حتى يبلغا خنادق الروم وبعد ذلك يتظاهران بالانهزام ويتقهقران. ونفذ القائدان المهمة بنجاح فلما رآهم الروم يتراجعون هاجموهم وأظهر المسلمون بسالة في القتال الذي استمر إلى الغروب.
وأخيرًا تمكن المسلمون من الفصل بين فرسان الروم ومشاتهم فأمر خالد بمحاصرة الفرسان فلما ضاق فرسان الروم بالقتال وأصابهم التعب فتح المسلمون أمامهم ثغرة أغرتهم بالخروج منها طالبين النجاة تاركين المشاة لمصيرهم ،اقتحم المسلمون عليهم الخنادق وقتلوا منهم ألوفا كان انتصار اليرموك بداية نهاية سيطرة الروم على الشام.
تفرقت الجيوش بعد ذلك فتوجه كلٌ إلى وجهته التي كان أبو بكر قد وجهه إليهافتوجه خالد مع أبي عبيدة إلى دمشق ففتحوها بعد حاصروها وصالحوا أهلها على الجزيةوبينما هم هناك إذ أقبل رسول يحمل خبر وفاة أبي بكر وتولي عمر بن الخطاب الخلافه ومعه كتاب إلى أبي عبيدة يولّيه إمارة الجيش ويعزل خالدا إلا أنه ظل تحت قيادة أبي عبيدة كأحد قادته. وبعد أن إطمأن أبو عبيدة إلى مقام المسلمين
تقدم بقواته ومعه خالد إلى فحل، وقد كان قد أرسل بعض جنده لحصارها خلال محاصرته لدمشق
فهزم حاميتها ومن لجأ إليهم من جند الروم الفارين من أجنادين وقد أظهر خالد بن الوليد، وضرار بن الأزور ،يوم فحل بطولات ذكرها لهم المؤرخون.
كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة يأمره بفتح حمص انتهز هرقل قيصر الروم انشغال المسلمين فأرسل جيشًا بقيادة توذر (تيودوروس) لاستعادة دمشق وبينما كان جيش المسلمين في طريقهم إلى حمص التقى الجيش البيزنطي في منتصف الطريق في مرج الروم خلال الليل أرسل توذر نصف جيشه إلى دمشق لشن هجوم مفاجئ على حامية المسلمين.
وفي الصباح وجد المسلمون أن جيش الروم قد قلّ عدده، فتوقع خالد أن يكون الروم قد وجهوا جزءاً من جيشهم لمهاجمة دمشق. استأذن خالد أبا عبيدة وانطلق في فرقة من الفرسان ليدرك جيش الروم المتوجّه لدمشق استطاع خالد أن يهزم هذا الجيش الرومي بعدما حُصر الروم بين قوات خالد وحامية المدينة عاد خالد لينضم لقوات أبي عبيدة وحاصر معه حمص إلى أن سلّم أهلها طالبين الصلح فصالحهم أبو عبيدة على شروط وخراج صلح دمشق ثم سلمت حماة واللاذقية وعلى نفس الشروط
واجه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة صعوبات في مواجهة الروم في فلسطين وجنوب الشام
لذا أرسلا إلى عمر فأمر أبا عبيدة وخالد بالتوجه إليهم للدعم واستطاعت قوات المسلمين تطهير البلاد ثم توجهوا إلى القدس آخر المعاقل البيزنطية في جنوب الشام التي فرّ إليها العديد من الناجين من معركة اليرموك وحاصروها.
لم تقبل المدينة بالتسليم إلا للخليفة شخصيًا بعد القدس توجه جيش أبو عبيدة وخالد لاستكمال فتح شمال الشام.
توجه أبو عبيدة خالد إلى قنسرين المدينة منيعة الحصون فوجد بها جيشًا روميًا عظيمًا
فقاتلهم خالد وهزمهم في معركة قنسرين وفرّت الفلول لتتحصن بالمدينة طالبين الصلح كصلح حمص إلا أن خالد رفض ورأى أن يعاقبهم لمقاومتهم للمسلمين لحق جيش أبوعبيدة بن الجراح بقوات خالد بن الوليد في قنسرين بعد فتحها ليتابعا زحفهما إلى حلب حيث استطاعا فتحها.
كان الهدف التالي للمسلمين أنطاكية عاصمة الجزء الآسيوي من الإمبراطورية البيزنطية وقبل أن يسيروا إليها قرر أبو عبيدة وخالد عزل المدينة عن الأناضول بالاستيلاء على جميع القلاع التي قد توفر الدعم الاستراتيجي إلى أنطاكية وأهمها أعزاز في الشمال الشرقي من أنطاكية.
وقد خاض الروم المدافعون عن أنطاكية معركة يائسة مع جيش المسلمين خارج المدينة بالقرب من نهر العاصي لكنها انتهت بهزيمتهم وتراجعهم إلى أنطاكية فحاصرها المسلمون.
فقد الروم الأمل في وصول المدد من الإمبراطور فاستسلمت أنطاكية على أن يُسمح لجند الروم بالمرور إلى القسطنطينيةبأمان. وجه أبو عبيدة خالد شمالا بينما توجّه جنوبًا وفتح اللاذقية وجبله وطرطوس والمناطق الساحلية الغربية من سلسلة جبال لبنان الشرقية استولى خالد على الأراضي حتى «نهر كيزيل» في الأناضول قبل وصول المسلمين إلى أنطاكية، كان الإمبراطور هرقل قد غادرها إلى الرها، لترتيب الدفاعات اللازمة في بلاد ما بين النهرين وأرمينيا ثم غادرها متوجها إلى عاصمته القسطنطينية.
وفي طريقه إلى القسطنطينيةنجا بصعوبة من قبضة خالد الذي كان في طريقه منصرفًا من حصار مرعش إلى منبج.
بعد الهزائم الساحقة المتتالية لقوات هرقل في تلك المعارك، أصبحت فُرصُه لتصحيح أوضاعه قليلة بعدما أصبحت موارده العسكرية المتبقية ضعيفة لذا لجأ إلى طلب مساعدة من المسيحيين العرب من بلاد ما بين النهرين الذين حشدوا جيشًا كبيرًا توجهوا به نحو حمص قاعدة أبو عبيدة في شمال الشام وأرسل
إليهم جندًا عبر البحر من الإسكندرية.
أمر أبو عبيدة كل قواته في شمال الشام بموافاته في حمص، بعدما حاصرتها القبائل العربية المسيحية
فضّل خالد خوض معركة مفتوحة خارج المدينة، إلا أن أبا عبيدة أرسل إلى عمر يطلب رأيه. بعث عمر إلى سعد بن أبي وقاص بأن يسيّر جندًا لغزو منازل تلك القبائل العربية المسيحية في بلادها، وأن يبعث القعقاع بن عمرو في أربعة آلاف فارس مددًا لأبي عبيدة. بل وسار عمر بنفسه من المدينة على رأس ألف جندي.دوت تلك الأنباء في العراق والشام فرأت تلك القبائل أن تسرع بالرجوع إلى منازلها تاركين جند الروم في مواجهة مصيرهم أمام قوات المسلمين الذين هزموا تلك القوات هزيمة نكراء قبل أن تصل قوات المدد من العراق أو المدينة. ثم أرسل أبو عبيدة خالد في قوة لمهاجمة القبائل من الخلف وكانت تلك آخر محاولات هرقل لإستعادة الشام.
هناك يتواجد مائتا ألف مقاتل من الروم ونصارى الشام المتحالفين معهم وفي وسط هذه المعمعة توجد مجموعة محاصرة من العرب لا تكاد ترى من كثرة الروم من حولهم والذين يقدرون بـ ٦٦ ضعفًا ليقاتل المسلمون الروم حتى جاءت عتمة الليل عندها جاءت ساعة الصفر لتنفيذ الخطه الخالديه
جعل خالد بن الوليد الخيلَ تجري في أرض المعركة طوال الليل لتثيرَ الغبار الكثيف لكي يتسنى له خداع الرومان بأن هناك مددًا قد جاء للمسلمين من المدينه
غير خالد من ترتيب الجيش فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة وحين رأى الرومان هذه الأمور
ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين فهبطت معنوياتهم تمامًا!
جعل خالد في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال منتشرين على مساحة عريضة ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار والتكبير بصوت عالٍ لإيهام الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين من المدينة
بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته
هناك قذف اللَّه الرعب في قلوب القوات النصرانية المتحالفة من روم ونصارى العرب فقد كانوا يحاربون ثلاثة آلاف بالأمس من دون أن يتغلبوا عليهم
فكيف إذا جاءت قوات إضافية إليهم من المدينه عندها انتصر المسلمون على الروم وفتح اللَّه على خالد وجنده هذا الفتح العظيم وغنم المسلمون مغانم كثيرة من هذا الفتح والغريب في الأمر أن عدد شهداء المسلمين في هذه المعركة هو ١٢ شهيدًا فقط من بينهم القادة الثلاث رحمهم اللَّه جميعًا بينما يكفى لكي تقدر ضخامة عدد ضحايا الروم أن تعلم أن تسعة أسياف قد انكسرت في يدي البطل خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه وحده من كثرة الجماجم التي دقها بسيوفه حتى انكسر السيف بعد السيف في زنديه آخذا في عين الاعتبار أن خالد بن الوليد كان يقاتل بسيفين في يديه تمامًا مثل الزبير بن العوام ولم يعرف ذلك عن أحد غيرهما من المسلمين
فهل لك أن تتخيل عدد الروم الصرعى تحت سيوف خالد التسعة قبل أن يقاتل بصفيحة خنجر
يماني بقي معه هذا بغض النظر عن العدد الذي قتله بقية الجيش المجاهد
ومن الأردن إلى نجد وبالتحديد إلى اليمامة هناك حيث ادَّعى مسيلمة الكذاب النبوة أصبح مستقبل الإسلام في خطر لولا أن سخر اللَّه للإنسانية أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه
استطاع مسيلمه أن يجمع حوله أربعين ألفًا من قومه بنى حنيفة وغيرهم ممن أقروا بنبوته وكان في شهادة الرجال بن عنفوه الذي كان الرسول قد بعثه مع وفد بني حنيفة حين وفدوا عليه ليعلنوا إسلامهم في عام الوفود ليعلمهم الدين بأن محمدًا قد أشركه في النبوة أكبر الدعم له في إدعائه مما زاد من خطورة فتنته على المسلمين. فقد وجّه له أبو بكر لواءً بقيادة عكرمه ابن أبي جهل ثم أردفه بلواء آخر بقيادة شرحبيل بن حسنة
تسرّع عكرمة في قراره بمواجهة جيش مسيلمة وحده قبل أن يدركه جيش شرحبيل بن حسنة
مما عرّضه لهزيمة نكراء حين وصل شرحبيل
أدرك صعوبة الموقف لذا أرسل للخليفة ليُعلمه
خالد قد فرغ من أمر بني تميم فأمره أبو بكر بالتوجه من البطاح إلى اليمامة لقتال مسيلمه الكذاب متنبي بني حنيفة. حين وصل خالد بجيشه إلى ثنية اليمامة، أدرك جيشه سرية من بني حنيفة فأمر بقتلهم واستبقى رئيسهم مجاعه بن مراره
لعله يخلُص منه بما ينفعه وقيّده بالحديد في خيمته وجعل على حراسته زوجته أم تميم
نزل مسيلمة بجيشه في عقرباء على أطراف اليمامة. ثم التقى الجمعان وكانت الغلبة في البداية لبني حنيفة فتراجع المسلمون حتى دخلوا فسطاط خالد وكادوا أن يبطشوا بأم تميم لولا أن أجارها مجاعة بن مرارة لما وجد منها من حسن معاملة.
حينئذ ثارت الحمية في قلوب المسلمين فأظهر المهاجرون والانصار بطولاتٍ قلبت دفة المعركة لصالحهم فتقهقرت بنو حنيفة يحتمون بحديقة مسوّرة منيعة الجدران تسمى بـ «حديقة الرحمن». أدرك المسلمون أنهم إن لم يسرعوا بالظفر بهم، فقد يطول الحصار فطلب البراء بن مالك من رفقائه أن يحملوه ليتسوّر الحديقة وتبعه بعض زملائه واستطاعوا فتح باب الحديقةوقتل وحشى بن حرب مسيلمة، مما فتّ في عضد بني حنيفة ومن يومها أصبحت الحديقة تسمى «بحديقة الموت».
بعد أن انتهت المعركة تحرك خالد بجيشه ليفتح حصون اليمامة وكان خالد قد وثق
<بمجاعة >لإجارته لأم تميم. وكان مجاعة قد أرسل للحصون التي لم يكن بها سوى النساء والأطفال والشيوخ ومن لا يستطيعون القتال بأن يلبسوا الدروع أقنع مجاعة خالدًا بأن الحصون مملوءة بالرجال ونظر خالد فوجد جيشه قد أنهكته الحروب، وقتل منه الكثير حتى أنه قُدر قتلى المسلمون يوم اليمامة بمائتين وألف منهم ٣٦٠من المهاجرين والأنصار لذا رأى خالد أن يصالحهم على أن يحتفظ المسلمون بنصف السبي والغنائم. عندئذ طلب منه مجاعة أن يذهب ليعرض على قومه الأمر، ثم عاد زاعمًا بأنهم لم يقبلوا العرض، فخفّضه خالد إلى الربع
وحين دخل المسلمون الحصون، لم يجد المسلمون سوى النساء والأطفال والعجزة غضب خالد لخداعه، إلا أنه وجدها شجاعة من مجاعة استطاع بها أن يحفظ بها من بقي من قومه فأجاز الصلح
بعد أن تم لخالد النصر طلب من مجاعة أن يزوجه ابنته فلبّى مجاعة طلبه تسبب ذلك في إثارة غضب الخليفة وكبار الصحابة، لأنه لم يختر الوقت المناسب لذلك فقد كانت المدينة في حالة حزن على فقدانهم لألف ومائتي شهيد بينهم ٣٩ من حفظة القرآن الكريم وهو ما استدعى جمعهم للقرآن أرسل أبو بكر لخالد فعنّفه أشد مما عنفه يوم زواجه من أم تميم فتألم خالد لغضب أبي بكر.بعد اليمامة انتهت مهمة خالد في حروب الردة فاتخذ له بيتًا في أحد أودية اليمامة عاش فيه مع زوجتيه.
حيث طلب أبو بكر من الجيوش الإسلامية أن تتحد في اليمامة تحت قيادة خالد ابن الوليد لينتصر المسلمون في موقعة اليمامة بقياده خالد بن الوليد
ومن نجد إلى العراق حيث الإمبراطورية الفارسية يشتبك خالد بن الوليد مع الفرس في ١٥ معركة كانت كلها انتصارات للمسلمين بقيادته كان من أعظمها معركة “ذات السلاسل” التي ربط فيها الفرس المجوس جنودهم بالسلاسل لكي لا يهربوا خوفًا من مجاهدي العرب وهناك بالعراق يأسر خالد صبيًا نصرانيًا قبل أن يحرره المسلمون هذا الصبي أسلم لما رأى سماحة الإسلام وعدله فتحول من طالب صغير في أحد الكنائس النائية إلى قائد عظيم من قادة الإسلام المجاهدين المفاجأة الكبرى تكمن في اسم هذا الغلام الذي أسلم بفضل خالد لقد كان اسمه نصير هذا أنجب ولدًا أصبح فيما بعد واحدًا من أعظم قادة المسلمين عبر التاريخ موسى ابن نصير
المستشرقين في حق هذا البطل لتشويه تاريخ هذه الأمة قبل تشويه تاريخه بالذات أما الفرس فلم يغفروا لخالد بن الوليد ما فعله بهم في سنة واحدة فقط، فبحثوا عن حادثة يمكن من خلالها إلقاء الشبه عليه فوقفوا مكتوفي الأيدي أمام التاريخ المشرق لهذا البطل فلقد مات خالد قبل الفتنة التي يستخدمها علماء الفرس الشيعة في خلق الخرافات للعن زوجات رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم وأصحابه عندها قام الصفويون الجدد في السنوات الأخيرة بالتحديد باختراع قصة غبية تزعم أن عمر ابن الخطاب وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم وأرضاهم أجمعين قاموا باقتحام منزل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه ليضربوا بنت الرسول السيدة فاطمة رضي اللَّه عنها وأرضاها ليسقطوا جنينها وليكسروا ضلعها الطريف في هذه الرواية المكذوبة التي تسمى عند الشيعة بـ مظلومية الزهراء ،أن بها أمرين يستحقان شيئا من
التأمل،أن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه وكما ورد في كتب الشيعة كان في البيت مختبئًا عندما كانت امرأته تُضرَب من ثلاثة رجال غرباء وحاشاه رضي اللَّه عنه أن يكون كذلك
فعلي بطل من أبطال المسلمين لا يقبل أن تُضرَب امرأته أمامه وهو ساكت يتفرج ناهيك أن العرب وحتى قبل الإسلام وإلى يومنا هذا لا يتركون نساءهم لكي يفتحن الأبواب لرجال غرباء مما يدل على أن راوي هذه الرواية المكذوبة ليس عربيًا أصلًا وأنه يظن أن نساء العرب كنسائهم الفاتحات أبوابهن ناهيك أن تلك السيدة الطاهرة التي يتحدث عنها أولئك الكذابون هي بنت أعز العرب ونبي الإسلام محمد رسول اللَّه وزوجة علي بن أبي طالب الفارس العربي الهاشمي القرشي الشهم.
أن الثلاثة عمر بن الخطاب، خالد بن الوليد ،سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم وأرضاهم هم نفس الثلاثة الذين أزالوا الإمبراطورية الفارسية الساسانية المجوسية من على وجه الأرض بتوفيق من اللَّه
فلا يحتاج العاقل لكثيرٍ من التفكير ليحدد هوية واضع خرافة “مظلومية الزهراء”.
إنهم الفرس المجوس وأحفادهم من الصفويين الذين دلسّوا بها على الشيعة العرب ولو علم أولئك العرب أن كلمة “المظلومية” من الأساس لا مكان لها في “لسان العرب” لـ (ابن منظور)، لغيروا رأيهم في تلك القصة التي وضعها الفرس ليثيروا بها الضغينة بين العرب شيعةً وسنة. والحق أقول أنني لا أستغرب أبدًا ذلك الحقد الصفوي على أبطال المسلمين فلقد حكم الفرس المجوس شعوبًا وبلدانًا لآلاف السنين قبل أن يدمرهم خالد بن الوليد ومن معه
ولكنني أعجب من الذين يبتلعون هذه الافتراءات ويصدقونها من المسلمين الموحدين فبدلًا من أن يكون خالد بن الوليد بطلا من الأبطال يجاهد لنشر دين اللَّه في الأرض يتحول بفعل كتابات الساقطين والعملاء المستشرقين إلى رجل ليس له دافع في القتال إلّا الجنس فينكسر بذلك تاريخنا ونتحول بذلك إلى أمة فاقدة للقدوة فنكون أمةً سهلة الكسر قبل أن نُسحق تمامًا وإلى الأبد
وعن سبب عزله تحدث الناس بفعال خالد في أرمينية وتحدثوا بانتصاراته في الشام والعراق فتغنّى الشعراء بفعاله فوهبهم خالد من ماله وأغدق
عليهم وكان ممن وهبهم خالد الأشعث بن قيس الذي وهبه خالد عشرة الآف درهم بلغ عمر في المدينة خبر جائزة خالد للأشعث فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يستقدم خالد مقيدًا بعمامته حتى يعلم أجاز الأشعث من ماله أم من مال المسلمين فإن زعم أنها من مال المسلمين فتلك خيانة للأمانة وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف وفي كلتا الحالتين يُعزل خالد من قيادته للجيوش تحيّر أبو عبيدة فترك تنفيذ تلك المهمة لبلال بن رباح رسول الخليفة بالكتاب.
أرسل أبو عبيدة يستدعي خالد من قنسرين ثم جمع الناس وسأل بلال خالدًا عما إذا كانت جائزته للأشعث من ماله أم من مال المسلمين؟ فأجاب خالد أنها من ماله الخاص فأعلنت براءته فاجأ أبو عبيدة خالدًا بأن الخليفة قد عزله وأنه مأمور بالتوجه للمدينة.
ذهب خالد للمدينة المنورة للقاء عمر محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره كثر اللغط في الأمصار حول عزل عمر لخالد
فصبر خالد بن الوليد وكانت اعظم انتصارات خالد بن الوليد هى انتصاره على نفسه يوم أن عزله عمر ابن الخطاب فقد خاف الفاروق أن يفتتن المسلمون بخالد لكثرة انتصاراته فيعتقد المسلمون بذلك أن النصر من عند خالد وليس من عند الرب الخالد
خالد بن الوليد إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة. ليتقبل خالد ابن الوليد ذلك القرار العمري بكل رحابة صدر فيتحول بذلك إلى جندي بسيط في جيش الإسلام بعد أن أدرك خالدٌ أن المهم أن تظل الراية مرفوعة دائمًا بغض النظر عمَّن يرفعها