احتفالية “جسور ثقافية” لتكريم “صائد المواهب” الكاتب مصطفي عبدالله
بمكتبة مصر الكبري علي ضفاف النيل
مجدي بكري | القاهرة
في احتفالية نبيلة لتكريم كاتب وناقد وأديب أثري الحياة الثقافية وهو الكاتب الصحفي المصري الكبير مصطفى عبدالله، شهدتها مكتبة مصر العامة بالجيزة مساء السبت 11/11.. كانت تظاهرة حب لإنسان فاض عطاءه على مئات المبدعين في ربوع وطننا العربي وأرسى قواعد إيجابية في الصحافة الثقافية العربية من خلال موهبته في كشف المواهب والاعتناء بها ومساندتها حتى بعد تقديمها للقارئ، فمصطفى عبدالله يتبنى الموهبة التي يكتشفها إلى أن تتبوأ مكانة مرموقة في الساحة الإبداعية، وربما تفوز بأرفع الجوائز.
هذا بالضبط ما حدث مع الروائي الكبير ناصر عراق الذي يشير دائمًا إلى إيمان مصطفى عبدالله بموهبته منذ دفع بروايته “العاطل” إلى الناشر فوصلت على الفور إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، وبعد سنوات توجت روايته “الأزبكية” بجائزتين من جوائز “كتارا” كأفضل رواية وكأفضل عمل يستحق أن يصبح عملًا مصورًا. ولذلك فقد حرص المخرج أحمد عبدالله في مستهل فيلم “صياد المواهب” على عرض تجربة ناصر عراق مع مصطفى عبدالله الذي أطلق عليه “صياد المواهب”.
وضم الفيلم شهادات عدد من المبدعين من مختلف أنحاء العالم حول المحتفى به، ومنهم: ريناتا بيومي من هامبورج، وزوجها الكاتب والمفكر عيسى بيومي، والدكتورة رانيا علي من مونتريال، والروائي العراقي محمد حياوي من هولندا، والروائي الدكتور شريف مليكة من الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى استدعاء الكاتب مصطفى عبدالله لذكريات العمر في بلاط صاحبة الجلالة مع الكبار: توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويحيى حقي، وعبدالوهاب البياتي، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس، والدكتور زكي نجيب محمود، وبنت الشاطئ، ومحمود المسعدي، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وصلاح جاهين، وفاروق حسني، والدكتور جابر عصفور، وعبدالله البرادوني، وعبدالعزيز المقالح، والدكتور صلاح الدين بوجاه، وعز الدين المدني، والدكتور محمد عبدالمطلب، وغيرهم.
وقد قوبل هذا الفيلم بتصفيق حاد من جمهور الحاضرين الذي ضجت به القاعة، والذي كان عدد الوقوف يتزايد لحظة بعد لحظة ومدة الاحتفالية تمتد من الخامسة مساءًا وحتى ما بعد الثامنة.
افتتح الاحتفالية الإذاعي الشاعر اللامع هشام محمود وطلب من الحضور الوقوف دقيقة حدادًا على أرواح الأشقاء في غزة الحبيبة، ثم رسم صورة لأهمية حضور مصطفى عبدالله في الساحة الثقافية العربية، وعلى الفور قدم السفير رضا الطايفي، مدير صندوق مكتبات مصر العامة وعضو مجلس إدارتها وسفير مصر الأسبق في الكوريتين الجنوبية والشمالية، الذي أحاط الحضور علمًا بتفاصيل مبادرات مصطفى عبدالله لضرورة الاتجاه شرقًا في وقت مبكر للغاية وإسهامه في تأسيس أول مركز كوري للثقافة العربية والإسلامية بكوريا الجنوبية في مطلع الألفية الثالثة، مؤكدًا أن هذه الدبلوماسية الناعمة أسهمت في تعميق العمل السياسي والدبلوماسي بين كوريا الجنوبية ومصر، وأكد أن مصطفى عبدالله صاحب مشروع ثقافي تنويري وهذا ما جعله يستحق أن يُمنح درعًا تقديريًا من مكتبة مصر العامة، وقد نوه السفير رضا الطايفي بأن هذه الاحتفالية تُقام استجابة لمقترح تقدمت به الروائية اللبنانية مريم هرموش مستندة إلى رغبات عدد من الكتاب والمثقفين من مصر والعالم العربي في مقدمتهم الكاتبة اللبنانية زينب عبدالباقي والكاتب والمترجم التونسي الكبير الدكتور محمد آيت ميهوب، والكاتب عيسى بيومي، والدكتور شريف مليكة.
ثم انتقلت الكلمة إلى مريم هرموش بعد أن قام مصطفى عبدالله بتقديم هدية تذكارية لها وللسفير تقديرًا لهذه المبادرة التي أثرت كثيرًا في وجدانه، وكانت الهدية عبارة عن مخطوطتين رسم حروفهما الخطاط الكبير سعيد محمود لقصيدة صلاح جاهين “ثوار ثوار” التي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم.
أما الفنان التشكيلي والروائي والشاعر البارز أحمد الجنايني، رئيس أتيليه القاهرة، فقد قدم إحدى لوحاته للسفير المثقف والأخرى البورتريه الذي رسمه بالألوان الزيتية على التوال للمُحتفى به.
ولم يفت هشام محمود وهرموش الإشادة بجودة فيلم “صياد المواهب” واستحقاقه للفوز بجوائز الأفلام الوثائقية.
وتوالى موكب أصحاب الشهادات وذكريات الأيام الجميلة في محطات العمر مع المُحتفى به، وكانت البداية مع الناقد الدكتور حسين حمودة، رئيس تحرير مجلة “فصول” و”دورية نجيب محفوظ” الأستاذ بجامعة القاهرة، وفاجأ المطرب الدكتور أحمد إبراهيم الحضور بتحية مصطفى عبدالله على طريقته بعد أن أكد أن للمُحتفى به الفضل في جعله وهو المطرب وأستاذ الموسيقى يصبح كاتبًا في المجلات الثقافية، حيث نشر له سلسلة من الدراسات حول محمد فوزي ومحمد عبدالوهاب والقصبجي والسنباطي والشيخ زكريا أحمد. وتحدث الكاتب الصحفي إيهاب الحضري، مدير تحرير “الأخبار” عن تلمذته على يد مصطفى عبدالله في جريدة “أخبار الأدب”. وأشارت الناقدة الدكتورة رشا صالح، وكيل كلية الآداب بجامعة حلوان، إلى حرص مصطفى عبدالله على المستوي الإنساني على من يرافقه في أي سفرة خارج مصر، واهتمامه بأدق التفاصيل، وهذا راجع إلى خبرته مع الترحال، وأكدت أنه يُعتبر قدوة ومثلًا يُحتذى به في مجال العمل الصحفي، وبدوره اعتبر الدكتور شريف الجيار، عميد كلية الألسن بجامعة بني سويف، أن مصطفى عبدالله حالة ثقافية مشهود بقدراتها ونزاهتها، وهذا ما جعل هذا الصرح الثقافي الشامخ يبادر إلى الاحتفاء بمنجزه وتفرده، وتمنى الجيار على مكتبة مصر أن ترسخ هذا التقليد، وهنا دُعي الروائي أيمن السميري للإدلاء بشهادته فتحدث عن مدرسة مصطفى عبدالله التي لا تبخل على الموهبة بالنصح أو التعهد بالاهتمام، وذكر أنه هو الذي جعله ينتصر على كسله ويقرر نشر روايته “شارع بن يهودا” بعد أن أجازها مصطفى عبدالله، بل ورشح له ناشرها، كما أشاد السميري إلى المشروع المشترك لمصطفى عبدالله وشريف مليكة في اصدار سِفر غير مسبوق ضم 21 رؤية حول “نجيب محفوظ شرقًا وغربًا” بأقلام مستعربين ومبدعين ونقاد وثيقي الصلة بمحفوظ وعالمه. وقد أدلى اثنان من الناشرين بشهادتيهما في هذه الاحتفالية: فاطمة البودي، وحسن غراب.
ومن محافظة الشرقية جاءت الكاتبة نجلاء محرم، صاحبة صالون “نهر النيل”، لتروي تجربتها مع هذا الكاتب النبيل الذي دعته للتكريم في صالونها في نفس هذا الشهر من عام 2014.
ومن الإسكندرية حضر مبدعان: الروائي وأستاذ الطب النفسي الدكتور ماجد موريس، صاحب صالون “التنوير”، والكاتبة منى عارف، واستدعى كل منهما ذكريات السنين مع المُكرم، ومن مطروح حضرت المبدعة منى ناصف، ونوهت عن مبادرات مصطفى عبدالله مع مبدعي مطروح وسيوة، والصداقة التي عُقدت بينه وبين الشاعر الراحل إسماعيل عُقاب والشعراء: إبراهيم عبدالسميع، وحسن عبدالجواد، وجمال الدربالي.
ومن جامعة عين شمس تحدث المؤرخ والمبدع الدكتور طارق منصور، وكيل كلية الآداب، عن اعتناء مصطفى عبدالله بالمواهب الأصيلة، بل وتنقيبه عنها كصياد لؤلؤ ماهر.
وعلى الرغم من أن الناقدة والصيدلانية الدكتورة بسمة الصقار كانت قد تلقت تحذيرًا من طبيبها بعدم المكوث على مقعد واحد لأكثر من ربع ساعة إلا أنها لم تستطع أن تتخلف عن احتفالية تكريم الإنسان الذي اكتشف موهبتها النقدية وأدمجها في مناقشة أعمال كبار المبدعين المصريين، مؤكدة أنه شخص نبيل وعملة نادرة.
ومن مؤسسة “روزاليوسف” تحدثت الكاتبة سهام ذهني عن تجربتها مع مصطفى عبدالله وقت أن كانت مديرة مكتب مجلة “سيدتي” في القاهرة.
وبعدها كان دور الكاتبة اللبنانية سونيا بوماد، فطالبته بمزيد من الاهتمام بمبدعي المهجر. تلتها الكاتبة السكندرية منى عارف فقالت إن مصطفى عبدالله كشاف ضوء ومنارة ثقافية تُهدي كل من حوله.
وفي كلمته تحدث الإذاعي والكاتب محمد إسماعيل، رئيس إذاعة البرنامج الثقافي، عن تجربته مع مصطفى عبدالله على الهواء، وكيف أن الرجل يمتلك وعيًا لافتًا بطبيعة العمل الإذاعي، فضلًا عن حضوره عبر الأثير.
وشارك الدكتور محسن فرجاني، أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن بجامعة عين شمس، عن الأدوار التي لعبها مصطفى عبدالله معه وكيف أنه هو الذي قدمه لمدير المركز القومي للترجمة الدكتور جابر عصفور لينشر ترجماته. وأشارت الدكتورة سماح الوكيل إلى أن مصطفى عبدالله، الذي لم يكن قد سمع بها من قبل، هو الذي قاتل من أجل فوز كتابها الأول “البناء السردي في روايات سعد مكاوي” بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل عامين.
وفي كلمة الختام حيا مصطفى عبدالله من كرموه وأشار إلى كثير من المبدعين الذين كان بودهم المشاركة في هذه الاحتفالية لكن ظروف الجغرافيا منعتهم مثل: الكاتبة اللبنانية زينب عبدالباقي، والكاتبين التونسيين الدكتور محمد آيت ميهوب وأبو بكر العيادي، والكاتب والمفكر عيسى بيومي المقيم في ألمانيا، والدكتور شريف مليكة، المهاجر إلى أمريكا.