” سيدة نساء أهل الجنة” (فاطمة بنت محمد)
الكاتبة شيرين أبو خيشة | القاهرة
” ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها”
(أم المؤمنين عائشة)
كاد فؤاد الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود يتفطر ألمًا وهو يرى بعينيه ما يحدث أمامه في باحة الحرم المكي زاد من ألمه تلك القهقهات التي انطلقت من المجرم أبي جهل ورفاقه من سفهاء مكة فلقد رأى المشركون رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم يصلي عند بيت اللَّه الحرام وذلك بعد موت عمه أبي طالب الذي كان يحميه من بطش الكفار فنظر عدو اللَّه أبو جهل إلى رفاقه وسألهم “أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمَّد إذا سجد ” وسلا الجزور هو أمعاء الشاه بما تحمله من أوساخ فانبعث المجرم عقبة بن أبي معيط فأخذه فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه.
عندها ارتفعت ضحكات أولئك المجرمين على رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم وهو ساجدٌ لربه لا يحرك ساكنًا فأصبح عبد اللَّه بن مسعود في حيرة من أمره فالرسول أمر المسلمين بالصبر على أذى المشركين ونهاهم عن القتال في تلك المرحلة المبكرة من الدعوة الإِسلامية وفي نفس الوقت عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وأرضاه من المستضعفين في مكة الذين ليس لهم منعة فلو قام ابن مسعود إلى الرسول ليحميه لنشب قتال بينه وبينهم بلا شك ولدخل المسلمون في دوامة هم في غنى عنها في تلك المرحلة المبكرة عند هذه اللحظة
رأى ابن مسعود طفلة صغيرة دون العاشرة من عمرها تجرى كالبرق من بعيد بين شوارع مكة متجهةً إلى رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم فلما اقترَبَت منه أزاحت الأوساخ عنه بيديها الصغيرتين ثم اتجهت نحو أبي جهل ومن معه من السفهاء فشتمتهم بصوتها الطفولي “أنا أنصرك يا أبتاه”وكأنها ملكة من ملوك الأرض فصُعق أبو جهلٍ ومن معه من شجاعة هذه الطفلة الجريئة وتساءل المشركون عن هويتها فجاءهم الجواب إن الجويرية البطلة فاطمة بنت محمد بن عبد اللَّه منذ طفولتها كانت ترعى أباها رعاية متميزة كرعاية الأم لولدها وكانت تضمّد جراح أبيها بعد الغزوات أو عند تعرض الكفار للنبي حيث كانوا يصيبونه بجروح فكانت له بمثابة الأم الرحيمة والعطوفة التي تغدق عليه حنانها ومحبتها بل كانت له أكثر حنانًا وعطفًا وشفقة من الأم
ذكرتنى قصه الزهراء وهى طفلة بقصة البطل الزبير ابن العوام عندما كان طفلا وهو رافعٌ سيفه الذي يكاد يفوقه طولًا في أزقة مكة وذلك لكي يدافع به عن رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم الجميل في الأمر أن هذه البطلة هي بنت عمة ذلك البطل فخديجة بنت خويلد أم فاطمة هي أخت العوام بن خويلد أبي الزبير فسبحان الذي خلق الزبير وسبحان الذي خلق فاطمة
والحقيقة أن السيدة العظيمة فاطمة لم تأتي بهذه العظمة من فراغ فهي وإن كانت بنت رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم فهي أيضًا بنت سيدةٍ عظيمةٍ من عظيمات أمة الإِسلام ،لقد كانت فاطمة بنت أعظم زوجةٍ عرفتها الإنسانية عبر جميع عصورها زوجة يتمنى كلُّ رجل في الدنيا أن يُرزق بامرأةٍ لها جزءٌ واحدٌ من مائة جزءٍ من الأجزاء المكونة لعظمتها
إن كان في صبرها أو حبها أو مساندتها لزوجها
وفاطمة بنت محمَّد رضي اللَّه عنها وأرضاها لم تكن بطلة فحسب بل كانت ابنة بطل وابنة بطلة وابنة عمة بطل وزوجة بطل وأم بطلين عظيمين وكأن البطولة تجسّدت وأرادت أن تختار لها اسمًا فلم تجد إلى اسم فاطمة وكيف لا وهي تلميذة بيت النبوة التي تربت في أحضان أشجع مخلوقٍ خلقة اللَّه في العالمين في أحضان والدها الذي كان يحبها حبًا ما أحبه أبٌ لابنته في تاريخ الدنيا بأسرها
لفاطمة بنت محمد مكانة عظيمة عند المسلمين بشتى طوائفهم فتجمع على أن لها شأن عند الله يفوق كل نساء العالم وأنها سيدة نساء العالمين وفقًا للمنظور الإسلامي ولا يشاركها تلك المكانة سوى القليل من النساء مثل مريم بنت عمران على سبيل المثال مع أنهم يؤمنون أيضا أن مريم من أفضل نساء العالمين وأتقاهن، كما ورد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النبيّ قال (حُسْبُكَ من نساءِ العالمينَ مَرْيَمُ ابنةُ عِمْرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحَمَّدٍ وآسِيَةُ امرأةُ فِرْعَوْنَ).
وتستمد فاطمة مكانتها عند الشيعة من أنها أم الأئمة المعصومين لديهم، ولديهم الكثير من الروايات التي تبين مكانتها وأفضليتها عن كل النساء فبعض الشيعة تروي أنها ولدت بعد أن أكل والدها تفاحة من الجنة فصارت نطفة في صلبه وكانت هي من هذة النطفة وروايات شيعية أخرى تذكر أن أفضل نساء العالم طبقًا للمنظور الإسلامي ويعتقد الشيعة كذلك بعصمتها وهي في المرتبة الثالثة من حيث المكانة بعد أبيها محمد وعلي بن أبي طالب أما من المنظور السني ففاطمة بنت نبيهم وسيدة نساء العالمين وترجع أفضليتها لأنها من أكثر من عانى وقاسى مع أبيها محمد وكانت هي الراعية له على الرغم من صغر سنها وقسوة الظروف المحيطة بها ولكنهم لا يعتقدون بعصمتها أو إمامة زوجها وذريتها وإن كانوا جميعًا ذوي مكانة عظيمة وفقًا لمعتقد أهل السنة والجماعة
وحكايات فاطمة رضي اللَّه عنها وأرضاها في البطولة والشرف لهي أكثر من أن تحصى وأعظم من أن تتسع لها الصفحات فالمواقف البطولية التي تصف عظمة فاطمة بنت محمَّد بن عبد اللَّه أكثر من أن تحصى في ألف كتاب فنحن لا نتكلم عن السيدة الأولى في بلد من البلدان العربية ولا نتحدث عن سيدة مجتمع من الطبقات الأرستقراطيه بل نتحدث عن سيدة نساء أهل الجنة شرفٌ جعل من قلمي عاجزًا أن يكتب أكثر من ذلك فماذا عساني أن أكتب عنها
و هي سيدة نساء أهل الجنة
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة زوج النبي ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب ولم يتزوج بأخرى في حياتها وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد معركة أحد وقد رُوي أن تزويج فاطمة من علي كان بأمر من الله حيث توالى الصحابة على محمد لخطبتها إلا أنه ردهم جميعا حتى أتى الأمر بتزويج فاطمة من علي فأصدقها علي درعه الحطمية ويقال أنه باع بعيرا له وأصدقها ثمنه الذي بلغ ٤٨٠ درهماً.
وشهد على زواجهما جمعٌ من الصحابة منهم أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وطلحة بن عُبيدالله والزُّبير من المهاجرين وغيرهم من أنصار الصحابة وكان الصدّيق والخطّاب قد تقدموا لخَطبه فاطمة قبل عليّ إلّا أنّ النبي ردّهما ردّاً جميلاً كأنّه أراد أن يخصّ عليّ بن أبي طالب بها.
وأنجب منها الحسن والحسين في السنة الرابعة من الهجرة كما أنجب زينب وأم كلثوم والمحسن والأخير حوله خلاف تاريخي حيث يروى أنه قتل وهو جنين يوم حرق الدار وفي روايات أخرى أنه ولد ومات في حياة النبي في حين ينكر بعض السنة وجوده من الأساس في أكثر من مناسبة صرح النبى محمد أن علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيته مثلما في حديث المباهلة وحديث الكساء، ويروى أنه كان يمر بدار علي لإيقاظهم لآداء صلاة الفجر ويتلو آية التطهير وقد روى الليث بن سعد: «تزوج علي فاطمة فولت له حسنًا، وحسينًا، ومحسنًا، وزينب، وأم كلثوم، ورقية، فماتت صغيرة ولم تبلغ»وينقل أبو إسحاق الإسفراييني ويضيف أن علي وفاطمة أنجبا سكينة.
والحقيقة التي لا تعرفها أغلب بناتنا ممن يطلبن لبن العصفور من خطابهن أن هذه السيدة بنت السيد كان مهرها درعًا حُطَمِية كانت بحوزة الفارس علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه والذي لا تعرفه كثيرٌ من بناتنا اللائي يعتقدن أنهن ملكات الدنيا أن رسول اللَّه لم يجد ما يهدي به بنته يوم زواجها سوى كوبٍ للشرب وجرتين للماء وخميلة ووسادة حشوها من الليف ورحاءين مثنى رحى وهي حجر الطحن
فكانت هذه السيدة العظيمة تجرُّ بالرحاء حتى أثَّرت في يدها وتستقي بالقربة حتى انحنى ظهرها وكانت تنظف بيت زوجها حتى تغير ثيابها
وتوقد تحت القدر بنفسها حتى تحترق ثيابها وكانت السيدة فاطمة رضي اللَّه عنها تشارك زوجها الفقر والتعب نتيجة للعمل الشاق الذي أثَّر في جسدها فأنّكم لن تكنَّ مثل فاطمة وهي أعظم منكنَّ وأبوها أعظم من آبائكنَّ .
كانت فاطمه من أكثر الناس صبراً على الرغم من عِظَم المصائب التي مرّت بها في حياتها
وفاة أمّها في حياتها عندما كانت صغيرةً وذلك في مكّة المُكرَّمة قبل الهجرة إلى المدينة فَقْدها لأخواتها حيث فقدت في حياتها رقيّة، فأمّ كلثوم، فزينب. صعوبة الحياة التي كانت تعيشها يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : “لقد تزوّجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار وما لي ولها خادم غيرها”.
وكان قد أرشدهما الرسول إلى ما يغنيهما عن مُرّ الحياة ومشقّتها فقال لهما: (ألَا أدُلُّكُما علَى خَيْرٍ ممَّا سَأَلْتُمَا إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما أوْ أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ وكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ)
وفاة أبيها محمدٍ صلّ الله عليه وسلّم في حياتها وفي تلك المصيبة يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (لَمَّا ثَقُلَ النبيُّ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ وا كَرْبَ أبَاهُ
فَقالَ لَهَا: ليسَ علَى أبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَومِ، فَلَمَّا مَاتَ قالَتْ يا أبَتَاهُ، أجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ،يا أبَتَاهْ مَن جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ ،يا أبَتَاهْ إلى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ فَلَمَّا دُفِنَ قالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: يا أنَسُ أطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ التُّرَابَ
رسولنا الكريم وهو على فراش الموت وفاطمة تدخل عليه حجرته ولا أعلم هل كانت وطأة الموت أشد على رسول اللَّه صل اللَّه عليه وسلم
أم إحساسه بالضعف لعدم قدرته على القيام لابنته الحبيبة لتقبيلها بين جبينها
فقد كان رسول الرحمة يقوم من مجلسه دائمًا إذا ما أقبلت عليه ابنته ليقبلها بين عينيها ثم يجلسها مكانه ولقد كانت هذه المرة الوحيدة التي يعجز فيها رسول اللَّه عن القيام لفاطمه
وكانت هذه المرة الوحيدة التي يعجز فيها أعظم إنسانٍ عرفته البشرية عن تقبيل جبين بنيته
فقد توفيت فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها وأرضاها في السنة الحادية عشرة بعد أبيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وهي أول أهل بيته لحوقا به
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صل الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته فسارّها فبكت ثم سارّها فضحكت فقالت عائشة فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول الله فبكيت ثم سارك فضحكت فقالت سارني فأخبرني بموته فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله، فضحكت.
وما نقل في صفة وفاتها مغلوط به ولا يصح وهو ما رواه أحمد في مسنده عن أبي رافع عن أمه سلمى قالت: “اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك قالت: وخرج عليٌ لبعض حاجته فقالت يا أمّه اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ثم قالت: يا أمه أعطني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت يا أمه إني مقبوضة الآن إني مقبوضة الآن
وقد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها قالت: فجاء علي فأخبرته”
وقد روى الشافعي والدار قطني وأبو نعيم والبيهقي وحسنه ابن حجر والشوكاني، عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن فاطمة رضي الله عنها أوصت أن يغسلها علي رضي الله عنه قال الشوكانى ولم يقع من سائر الصحابة إنكار على علي وأسماء فكان إجماعا