تأملات في أحلام البابا
علي جبار عطية| كاتب عراقي ورئيس تحرير جريدة أوروك العراقية
منذ انتخابه في سنة ٢٠١٣ كأول بابا غير أوربي خلال ثلاثة عشر قرناً لم يتخلَ بابا الفاتيكان عن أحلامه مع أنَّه تخلى عن الشقق البابوية الواسعة، واكتفى بجناح صغير في دار الضيافة بالفاتيكان مؤكداً رغبته في أن تكون الكنيسة الكاثوليكية فقيرة وللفقراء،حاثاً قيادات الكنيسة على عيش حياة بسيطة.
لا يتحدث البابا عن مشكلات المجتمع الذي نشأ فيه، وهو الاًرجنتين، بل تشمل نظرته المشكلات التي تعاني منها المجتمعات كافة ففي خطابه بروما في مؤتمر حول الأزمة الديموغرافية في إيطاليا (حسب بي بي سي نيوز في ٢٠٢٣/٥/١٢) قال البابا فرنسيس: إنَّ انخفاض معدل المواليد يدل على فقدان الأمل بالمستقبل إذ تشعر الأجيال الشابة بعدم اليقين والهشاشة، وعدم الاستقرار.
مشيراً إلى أنَّ تأسيس أسرة في إيطاليا (التي توصف بأنها بلد أسرة الأطفال الفارغة) أصبح مجهودا جباراً لا يستطيع سوى الأغنياء تحمل تكاليفه.
وقال: إنَّ اختيار الحيوانات بدلاً من الأطفال أنانية محذراً من حلول الحيوانات الأليفة محل الأطفال في بعض المنازل، وروى كيف فتحت امرأة حقيبتها وطلبت منه أن يبارك طفلها إلا أنَّه لم يكن طفلاً بل كلب صغير !
ورد عليها بعد أن نفد صبره: هناك الكثير من الأطفال الجياع، وأنت تحضرين لي كلباً !
في آخر لقاء معه قال البابا: (لا توجد طريقة لتعلم صنع السلام. فالسلام يحصل بالقلب واليد الممدودة).قال ذلك في لقائه قبل أيام مع سبعة آلاف طفل جاءوا من أربع وثمانين دولة حسبما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية (أ. ف. ب).
وقف البابا دقيقة صمت على أرواح الأطفال الذين قضوا نحبهم خلال النزاعات والحروب، وجعل الحاضرين يرددون معه: (إذا دمّرنا الأرض، فإننا ندمر أنفسنا)، داعياً إلى عدم إهدار الطعام.
لقاء البابا بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة لم يخلُ من طرائف فقد سألته فتاة فيليبينية تدعى صوفيا عن علاج الغضب فرد البابا بنصيحة تلقاها عندما كان طفلاً، موصياً بشرب كوب من الماء قبل أن يقوم الشخص بأي رد عندما يكون غاضباً !
وقال البابا مازحاً: صحيح أنني أحياناً أغضب … ولكنني لا أعض !
وسأله أحد الأطفال: بماذا تحلم؟وأجاب البابا:لا أعرف ما أحلم به؛ لأنني أنام في الليل، مضيفاً :أحياناً تراودني بعض الأحلام، وبعض ذكريات الصغر عندما كنت طفلاً ! صحيفة (ستراتنيوز) الهولندية كانت قد كشفت سنة ٢٠١٥ عن حلمٍ للبابا عندما كان في الرابعة من عمره.
وبحسب موقع (روسيا اليوم) فإنَّ البابا قال:سأبوح بسر، كنتُ صغيراً جداً، وكنتُ في الرابعة من العمر، وذات مرة سألوني ماذا أريد أن أكون عندما أكبر. فقلت: قصاباً!
أحلام البابا كانت محور حوار سابق أجرته معه مجلة Vida Nueva (الحياة الجديدة) الكاثوليكية الإسبانية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وقبل مغادرته الفاتيكان متوجهاً إلى لشبونة لمناسبة اليوم العالمي للشباب. نشرت المجلة المقابلة في الرابع من شهر آب / ٢٠٢٣ بعنوان جذاب هو : (بِماذا يحلم البابا فرنسيس؟). وقال البابا في هذه المقابلة: إنَّ هناك دائماً ما يمكن الحلم به، وقد تكون هذه الأحلام خططاً أو تطلعات. فالإنسان حين يحلم يفتح الأبواب والنوافذ، ومَن لا يحلم لا مستقبل له بل سيكون مستقبله مطبوعاً بالتكرار والملل.
وأضاف: إنَّه كمُعرِّف وحين كان بعضهم يأتون إليه للاعتراف، ويتحدثون عن مشكلاتهم، كان يسألهم: إنْ كانوا يحلمون، وإنْ كانوا يتخيلون أشياء جميلة، وفي حال كان لديهم أبناء يسألهم: إنْ كانوا يفكرون في مستقبل أبنائهم.مشدداً على ضرورة دعوة الجميع إلى فتح الأبواب والنوافذ، وإلا فسنسقط فيما وصفه بآلية النشاطات التجارية، أي النظر إلى الخارج انطلاقاً من المصالح فقط، لا للتأمل في أحلامنا.
وسئل عن صعوبة الحلم في عالم مثل عالم اليوم فوصفه بالبعد المأساوي الحالي. مشيراً إلى أنَّه، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت هناك نزاعات في مناطق مختلفة، واليوم نشهد حرباً في أوكرانيا. وأنَّ هذه حرب تقلقنا لأنَّها قريبة منا، وتساءل: مَن يفكر اليوم في اليمن وسوريا وكل تلك الحروب في أفريقيا، كما وأشار إلى ما تعاني منه الروهينغا (الأقلية العرقية المسلمة التي عدتها الأمم المتحدة أكثر الأقليات التي تعرضت للاضطهاد) الذين يطوفون العالم لأنَّه لا أحد يستقبلهم.
وإلى أن تتحقق أحلام البابا التي هي أحلام إنسانية نبيلة ما علينا سوى أن نستمر في الحلم.
يقول الكاتب البرازيلي باولو كويلو:(لا يستطيع الإنسانُ مطلقاً أنْ يتوقف عن الحلم. الحلم غذاءُ الروح كما أنَّ الأطعمة غذاء الجسم. نرى غالباً خلال وجودنا أحلامنا تخيب، ورغباتنا تحبط، لكن يجب الاستمرار في الحلم وإلّا ماتِت الروح فينا).