حوار

حوار: الشاعرة نادية الدليمي مع المترجم والشاعر حسين نهابة

- المترجم هم المسؤول الأول عن إعلاء شأن المؤلف أو التقليل من شأنه أمام القارئ

– الترجمة تغلغلت في أعماقي وتسيدت على أعمالي الأدبية

– ترجمة النص بشكل حرفي يعني تجريده من كل روح وموسيقى

تعبر بنا الترجمة حدود بلداننا، تطأ بإدراكنا ضفاف معارف لم نكن ببالغيها لولاها ليصبح العالم بفضلها أكثر ألفة واندماجاً، وتصبح الشعوب أكثر تواصلاً والمترجم هو عراب هذه المهمة الإنسانية.. يقول الروائي الإسباني خافيير مارياس “المترجم كاتبٌ متميز يملك فرصة أن يعيد كتابة الروائع بلغته” وكذلك فهو إنسان متميز حمل على عاتقه مسؤولية نقل الثقافة والحضارة بإمانة وحرص من بلد لآخر مساهماً في انبعاث التكوين الفكري والثقافي للقارئ.


حسين نهابة مترجم وشاعر وأديب عراقي من محافظة بابل لمع اسمه في الشعر في ثمانية مؤلفات ثم ما لبثت الترجمة التي تغلغلت في أعماقه أن تجذبه إلى عالمها ممارساً تخصصه الذي تفوق فيه في اللغة الإسبانية لتتسيد أعماله الأدبية التي تجاوزت الـ56 كتاباً بين ترجمة وتأليف، بالإضافة إلى جهوده في الترجمة والتأليف فهو يعمل حالياً في إدارة مشروعه الثقافي (مؤسسة أبجد) للترجمة والنشر والتوزيع،وللاطلاع على جوانب من تجربته الإبداعية والثقافية كان لنا معه هذا الحوار :

    هل خططت لأن تكون مترجماً، أم أن هناك ما دفعك لخوض هذه التجربة والانخراطبها؟

ـ لم أتوقع في بداية حياتي الأدبية التي أخذت ملامحها ترتسم في سن الـ 16 عاما أنني سأكون مترجماً، لكن بعد أن دخلت كلية اللغات – قسم اللغة الاسبانية – جامعة بغداد وبدأت أتكلم الاسبانية متفوقاً على بعض زملائي، أدركت بأنني دخلت الميدان الذي سأنجح فيه، وبالفعل نُشر أول كتاب مُترجم لي وأنا ما زلت طالباً في الكلية بعد أن تبنته دار ثقافة الأطفال التابعة لوزارة الثقافة والاعلام العراقية آنذاك.

   أيهما أكثر قربًا منك وأكثر تأثيرًا فيك تجربتك في الكتابة كشاعر أم عملك في الترجمة؟

مؤكد بأن لكل جنس أدبي ذوق ونكهة. أعشق الشعر وطبعت ثمانية دواوين ولديّ أربع مخطوطات توقفت عن نشرها منذ سنوات، وما تزال في روحي شهقة للشعر وكتابته، لكن الترجمة تغلغلت في أعماقي وتسيدتعلى أعمالي الأدبية.

    في ترجمة الشعر من العربية والتي تعتمد غالباً على المفردة لفظاً ومضموناً، هل يفقد النص شيئاً من قيمته وتأثيره؟

ليست هناك ترجمة مفردة شكلاً ولفظاً في الشعر بشكل خاص. ترجمة الشعر ترجمة إحساس وروح نص وليست ترجمة حرفية. إن ترجمة النص بشكل حرفي يعني تجريده من كل روح وموسيقى.

ما هي السمات الأساسية والتكميلية الواجب توفرها في المترجم الناجح؟

إتقانه للغتين، اللغة الأصلية واللغة الهدف. إلمامه بالمفردات المحلية إضافة إلى قواعد اللغتين وكلماتهما. استيعابه لثقافة بلد اللغة الهدف استيعاباً كاملاً. القراءة غير المنقطعة للغتين لأجل الحفاظ على الثروة اللغوية وتطويرها.

ما الآلية التي تمكّن المترجم من الحفاظ على صوت المؤلف أعلى من صوته في النص المُترجَم؟

سواء في ترجمة الشعر او أي نوع آخر من الترجمة، فإن المترجم هم المسؤول الأول عن إعلاء شأن المؤلف أو التقليل من شأنه أمام القارئ. إذن لابد للمترجم من الإبحار باللغتين حتى يحافظ على وزن وقيمة الكاتب أمام الجمهور.

علامَ يعتمد المترجم للحفاظ على الحس الإبداعي في العمل المترجَم؛ الحرفية العالية، أم القدرة على التفاعل الوجداني؟
لابد من توفر الحس (المهني) لدى المترجم إضافة الى الحِرَفية العالية من خلال تمسكه بالأدوات الإبداعية لصنعته الترجمية. إن أية زيادة أو نقصان في النص، تُضعف من سمعة المترجم، ولابد أن يكون ضميره الأبيض رقيباً على كل كلمة وحرف في غير مكانه.

النص العربي المنقول إلى لغات أخرى هل يأخذ صداه وتأثيره؟ وهل لك تجارب في هذا المجال؟

لنأخذ مثلاً اللغة الإسبانية، بسبب قلة الكتب العربية المُترجَمة إلى هذه اللغة، فإن القارئ الإسباني ما زال مشوشاً لأنه لا يعرف هل وصلت إليه الكتب المبدعة أم الكتب التي يتذوقها المترجم بصورة فردية وقام بترجمتها. لكن إجمالاً مؤكد أن هناك بعض المتذوقين الإسبان للمؤلفات العربية وهم يتابعونها سواء عن طريق الترجمة التي وصلت إليهم أو عن طريق قنوات أخرى.

    ما هي آلية اشتغالك وهل تتبع نظاماً معيناً من حيث الانتقاء وطريقة التناول والبحث حول ما تنوي ترجمته؟

كلما ينضج الحس الذهني لدى المترجم، كلما تتراكم الخبرات لديه ويصبح أكثر تذوقاً للمواد السائدة في ميدان الثقافة. شخصياً، أنا أنتقي الكتب التي أراها رائجة في سوق الكتب، ولا يهم مؤلفها إن كان معروفاً أو مغموراً، لإن هناك الكثير من الكتاب ممن لم يُسلط عليهم الضوء بعد في مجتمعنا العربي. وحتى في حالة الكتب التي أُكلّف بترجمتها، فلابد من قراءتها أولاً والاطلاع على أسلوب الكاتب وأفكاره، إن كانت متماشية مع أفكار المجتمع.

هل يحدث أن تقرأ عملاً مترجماً كنت قد قرأته بلغته الأصلية وتتمنى لو أنك أنت من ترجمه؟

نعم. مسرحية “الإسكافية العجوز” للكاتب الإسباني فدريكوغارثيا لوركا. الحقيقة أنها أعجبتني كثيراً بلغتها الأم، لكنها مُترجَمة كثيراً.

ما الذي تحققه لك الترجمة، وهل هناك محفزات للمترجم لكي يبدع؟

منذ أن تولّد لديّ الوعي الترجمي، وأنا أسعى ليكون لي أسماً وسط هذا الكم الهائل من مترجمي اللغة الإسبانية. كثيراً ما أهديتُ ترجماتي إلى دور النشر والمؤسسات مجاناً، ولا يغيب عن بالك أننا مجتمع ما تزال تحكمه العلاقات الاجتماعية. السمعة الأدبية هي التي تهمني أكثر.

تتطلب الترجمة مهارات في الكتابة والقراءة والمحادثة والاستماع، هل ترى أن الدراسة الأكاديمية كافية لتأهيل المترجم في جميع هذه المهارات؟

الدراسة الاكاديمية لا تُخرِّج مترجماً، انما تُخرِّج (خريجاً) بعد أن تلقمه دراسة شاملة للغة على مدى سنوات وجوده في الكلية، لكنها على الورق فقط، وبالتالي لابد لهذا الخريج من تطوير نفسه في اللغة وشغله للحيز المناسب في المشهد الذي لابد أن يكون عليه المترجم الناجح و تطبيق اللغة على أرض الواقع هو العلاج الأنجع للإرتقاء بمترجم حقيقي.

    ما الفرق بين الترجمة البشرية والترجمة الآلية؟ وهل أثرت الترجمة الآلية على تقانات الترجمة البشرية؟

هناك فرق شاسع بين الترجمة البشرية وبين ما تسميه بالترجمة الآلية. لا أعتقد ان هناك ترجمة اسمها آلية، اعتقد ان المقصود من هذا المصطلح الفج هو (نسخ النص ثم لصقه) وليس ترجمة. القارئ الحاذق يستطيع بسهولة أن يميز الترجمة الآلية (الفضيحة) عن الترجمة البشرية (مهما كانت درجة إتقانها). لا وجود على الواقع لشيء أسمه ترجمة آلية.

هل تنحصر أعمالك الترجمية في الشعر والأعمال الروائية والقصص أم لديك أنشطة في مجالات أخرى؟

مؤكد أن الترجمة تخصصية، أي إن المترجم يجب أن يكون متخصصاً في نوع ما من الترجمة كالقانونية والأدبية والدينية والسياسية… الخ. أنا مترجم أدبي، وترجمتُ إضافة إلى الروايات والقصص والشعر والنقد، بعض كتب التاريخ، على اعتبار التاريخ أحد الأجناس الأدبية.

هل ترى أن على المترجم أن يثقف الخطاب المنقول ليناسب ثقافة الشعب الموجه إليه؟

الترجمة أمانة، وعلى المترجم الحقيقي أن يحافظ على هذه الأمانة، وكما قلنا سابقاً بأن عليه أن يقرأ النص قبل الشروع بترجمته وبذلك يكون قد مّيز صلاحيته من عدمها.

ما سمات النص الذي يدعوك إلى ترجمته؟

أنا أعتمد على إحساسي بالنص والمتأتي من الخبرة الترجمية التي أمتلكها. لذلك ليست هناك معايير معينة لاختيار النص سوى الإحساس به.

كيف استطعت الحفاظ على هويتك في الترجمة وبصمتك الواضحة رغم تنوع الأساليب في النصوص التي قمت بترجمتها؟

المترجم وأدواته ومعاييره واحد لا يتغير، لأن الهوية الترجمية تأخذ قالبها عند المترجم الناجح منذ البداية، ولا تتغير مهما تغيرت النصوص أو الأجناس الأدبية التي يقوم بترجمتها.

هل تتطلب ترجمة الشعر أن يكون المترجم شاعرا؟

إذا كان المترجم مُلماً بأدواته الترجمية، فلا خوف على النص منه، لكن يُفضل أن يكون المترجم شاعراً حتى يتمكن من الإمساك ببعض ما يغرب عن بال المترجمين الآخرين وإن يكن يسيراً.

كيف ترى واقع الترجمة في العراق قياسا إلى البلدان الأخرى؟

الترجمة بحر شاسع، ولا أمتلك المعيار المنهجي للحكم على الترجمة في العراق، لكن أعتقد أن الترجمة بخير لما أراه من تراجم تسرّ الناظرين.

حدثنا عن مشروعك الثقافي مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع

مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، مؤسسة ثقافية بحتة مقرها في العراق – محافظة بابل – ليس لها أي ارتباط سياسي أو عشائري أو ديني سوى للوطن والثقافة، تسعى المؤسسة منذ تأسيسها إلى نشر الثقافة والأدب والفن والوعي من خلال قنواتها في النشر والتوزيع وبدعم قدرات الشباب الكتابية عبر النشر المجاني للكتب التي تراها مناسبة. تشارك في جميع المعارض المحلية والعربية والدولية. كما سعت المؤسسة إلى احتضان التراجم العالمية المهمة بكافة صنوفها والتأطير لمنهج نقل الفكر والثقافة إلى اللغة العربية وبالعكس على اعتباري كاتبا ومترجماً عن اللغة الإسبانية، ولي شخصياً لغاية الآن 56 كتاباً بين ترجمة وتأليف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى