حوار

الشاعرة آمنة محمود في حوار مع الشاعرة والصحفية نادية الدليمي

أشاد بتجربتها الشعرية الكثير من النقاد والباحثين

حوار : نادية الدليمي

  • الشعرُ قُبّعتي السحرية أُخرِجُ منها الأرانب والحمامات
  • كركوك سماءٌ خصبةٌ بالإبداع وفيها علامات شعرية
  • المرأة في نصوصي ليست الأنثى العاشقة التي تدور في أفلاك الفساتين وأحمر الشفاه والكعوب العالية
  • العداوة الثقافية أكثر إيغالاً بالأذى لأنها تنبع من أرباب فكر وكلام وهم أقدرُ على الأذى على حقٍ كانوا أم على باطل

في البدء كانت القراءة نافذتها الوحيدة لعالم الدهشة ما لبثت أن فتحت أمام ذائقتها ووعيها مكامن الجمال لتحلق روحها بجناح الخيال باحثة عن موطئ أمان لموهبتها التي جذبتها أقاحي الشعر فكانت فراشته الآمنة، وأصبح لها طقساً روحانياً وسماء رحبة.. آمنة محمود شاعرة من محافظة كركوك صدرت لها ثلاث مجاميع شعرية المجموعة الأولى كانت بعنوان: (فراشات آمنة) عن دار الينابيع سوريا 2010م،والثانية: (كتاب الحب) صادرة عن وزارة الثقافة العراقية ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013م، والثالثة:(ممتلكات لاتخصّني) عن دار تلوين 2019م،جميعها قصائد نثر تحاكي قضايا المرأة والوطن.. ولمواكبة هذه التجربة كان لنا معها هذا الحوار :

• حدثينا عن الخطوات الأولى في طريق الكتابة وما الظروف التي نمت في ظلها موهبة الشعر لدى آمنة محمود؟

ــ في البدء كانت الدهشة وانثيال الأسئلة ورحلة البحث في اللغة عن إجابات، الدهشةُ أمام الموسيقى والسينما والألوان عالمٌ من الجمال في الخيال تقابله الحرب بكل بشاعتها في الواقع كانت تتسع كل لحظة وتمدُّ أذرعها في التلفزيون والسينما والمسرح والأغاني من أجل ذلك كانت القراءة هي النافذة الوحيدة لعالم الدهشة الذي أبحث عنه، وحين بدأت الروح (اللائبة ) بوجود مهبط أمان لها كان الشعر .

• ما الذي دفع بك إلى كتابة الشِعر، وما هي التحديات التي واجهتها؟

ــ بَحَثَت الروحُ عن نورِها فوجدَتهُ في الشعر.. إنهُ منطقةُ التوهّجِ والدهشة، عالَمٌ من التأمّل والخَلق .. كتابة الشعر طَقسٌ روحانيّ عال وتحليقٌ في سماء رحبة .. إنهُ الثورةُ وصوتُ الضمير فحين يشخّصُ الشعرُ آفات المجتمع ويُشيرُ بسبابته الناقدة لكل المثالب التي يواجهها على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي فلن يكون مُرحَّباً به ممن أشارَ إليهم .من هنا ينشأ التحدي وتبدأ رحلة إثبات الذات التي لا يكون الأسوأ فيها الدفاع عن أصالة النص وأن أقلاماً أخرى لم تتدخل في كتابته وهي تهمة جاهزة القالب لكل أنثى تجيد الشعر واللغة ولو بشكل محدود.

• يحدث أن يستقطب النجاح في مجال ما الأعداء، هل يصدق ذلك في الوسط الثقافي؟ و هل واجهت آمنة في رحلتها الإبداعية أعداء نجاح؟

ــ الحياة بشكل عام قائمة على الصراعات بغضّ النظر عن كون المستعدَى ناجحاً أم لا ، والوسط الثقافي لا يختلف عن باقي الأوساط بل بالعكس أرى أن العداوة الثقافية إن جاز التعبير هي أكثر إيغالاً بالأذى لأنها تنبع من أرباب فكر وكلام وهم أقدرُ على الأذى على حقٍ كانوا أم على باطل .وأحياناً ليس بالضرورة أن تكون ناجحا لتجني الأعداء فَهُم موجودون في كل وقت ومكان ولأيّ سبب .. والبعض قد يكون صديقاً سابقاً لكنه يعيشُ بألم دفين تجاه نجاحك أو تقدمك ألمٌ لا تشعر به حتى يتحول هو إلى منطقة أكثر راحةٍ بالنسبة له وهي منطقة الاستعداء حينها تعيدُ اكتشافه من جديد وتشفق عليه كم كان يتعذب وهو في منطقة الصداقة. هذه الجزئية أثرت في أحد نصوصي الذي أقولُ فيه:

(لا شيء يستحقّ البكاء
الأصدقاءُ .. الأصدقاء
الذين غيّبهم حُزنهم بأنهم يتصاغرون
والذين جرّحهم مِشرطُ الشعر في يدك
من دون حتى أن تُشيرَ به اليهم
بينما تذبحُ لهم نفسك كلما أتوا
فيشربون.. ويأكلون
ومن دون حتى أن تفهم لماذا .. يغدرون).

لقد جرّبتُ كل أنواع العداوات واكتشفتُ أنّ أسوأها وأمرّها هي معاداة الأحبة

• أقلام نقدية بارزة تناولت تجربتك بالبحث والدراسة، ما موقفك من النقد، وهل بإمكان موجة نقدية أن تغير مسارك الشعري؟

ــ تزخر الساحة النقدية بثلاثة أنواع من النقد: الانطباعي والاحترافي والأكاديمي وقد تناول نصوصي الأنواع الثلاثة من النقّاد ومعظم ما كُتِب يُحسب في خانة الإشادة بالنص وتناول الثيمة والتناص والقضايا التي أثّر وتأثّر بها . أما بالنسبة للبحوث الأكاديمة فهنالك تواصل بشكل مستمر بخصوص تناول مجاميعي الشعرية ضمن الحديث عن الشعر النسوي والعراقي، كل ذلك لا يمنحني الأمان ولا يدلّ على أفضلية ما للنص الذي أكتب بل يجعلني أمام مسؤولية أكبر وبمواجهة مستمرة مع (سؤال المرآة): وماذا بعد؟
وهل بإمكان موجة نقدية أن تغير مسارك الشعري؟وظيفة النقد هي إعلاء الذوق العام وهو الحارس الأمين على الأدب وموجِّه دقيق للذائقة العامة والنخبوية بشكل خاص وأنا مستمعة جيّدة لكل الآراء النقدية حتى وإن بدرَت ممن ليسوا نقّاداً مع ذلك للآن لم يتدخل النقد بتوجيه مسار القصيدة التي أكتب . لكن ما أتمناه هو أن يُفعَّل دور النقد بشكل أكبر وأن يتناول النقّاد التجارب الشعرية الحديثة بإقامة ندوات خاصّة بالنقد فالمحاور النقدية التي تقام خلال المهرجانات لاتمتلك قوة التأثير أو الشعبية المبتغاة .بالإضافة إلى تحاشي الانحياز الضمني للمكتوب والمكتوب عنه الذي يحدث عند البعض مما يسيء للنقد ويكسر هيبته .

• موقعك الحالي في المشهد الشعري النسوي هل لبى ما تطمحين إليه في مشروعك أم مازالت في المشوار ثمة خطى؟

ــ الرضا عن الذات هو بداية النهاية . الشعور بالوصول للغاية هو انطفاء الدهشة لكن بالمقابل أن تتمكن من أدوات اللعبة وتمسكها بيديك تحرّكها كيف تشاء فإن في ذلك متعةً جديدةً تجعلك تكتشف مهارات أكبر . تتخللها مهارة إثراء النص التي تتأتى من القراءة المستفيضة والمتنوعة . الشاعر قنّاصُ المشهد والصورة لذلك عليه أن يصوّب بصره باستمرار إزاء ما حوله وهو لا يكلّ ولا يهدأ بحثاً عن اكتشافٍ جديد وخَلقٍ جديد فمازال الطريق طويلاً ووعراً .

• كتبتِ في معظم أنماط الشعر وأشكاله، أيها كان الأقرب إلى مزاجك النفسي؟

ــ الشعرُ قُبّعتي السحرية أُخرِجُ منها الأرانب والحمامات مرّة ، وأختفي حين ارتدائها (عن الكون) مرّات ومرّات.الشعر زهوي ومجدي وإرثي الثمين ، لنتفق أولاً بأن الشعر لم يعد منبريّاً بشكل تام بوجود قصيدة النثر التأمليّة .كتبت قصيدة النثر لسنوات عدة وهي الأقرب والأحبّ ، لكنّ الموسيقى في الوزن والبحور تجربة لطالما أغرتني فخضت غمارها مجرّبة ثم عاشقة وها أنا لا أستطيع الإفلات من هذا العشق.

• هل تحاولين خلق ألفة وتوافق بين عملك في مجال التربية والتعليم و اشتغالاتك الأدبية ومهامك الثقافية؟ أم أن لكل مجال خصوصيته؟

ــ سابقاً كنت أعمل في مجال التعليم وما حاولته قدر جهدي هو غرس حب اللغة العربية في نفوس تلاميذ معظمهم ليسوا عرباً . والآن أعمل في جهة تربوية مهمتها اكتشاف مواهب الشعر والخطابة لدى المراحل الدراسية وهو ما جعلني أكثر قرباً من الشعر .

• البيئة الاجتماعية في كركوك هل هي بيئة حاضنة وداعمة للمرأة عامة والمرأة الشاعرة بشكل خاص ؟

ــ كركوك مدينة متنوعة الأطياف والقوميات وهذا ما يجعلها أكثر مدنية وانفتاحاً على الثقافات يسهم ذلك بزيادة الوعي بدور المرأة وأهميتها في المجتمع بشكل عام والمرأة الشاعرة لاتختلف عن سواها في هذه المدينة العريقة بل ربما تحظى برعاية واهتمام أكبر .

• حدثينا عن دواوينك الشعرية، النشأة والتكوين باعتبارها كائنات حية نابضة بالجمال؟
ــ المجموعة الأولى كانت بعنوان (فراشات آمنة) عن دار الينابيع سوريا م2010م، أمّا الثانية: (كتاب الحب):صادرة عن وزارة الثقافة العراقية ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2010م، وأمّا (ممتلكات لا تخصّني): دار تلوين 2019
جميعها قصائد نثر تحاكي قضايا المرأة والوطن، المرأة في نصوصي هي ليست الأنثى العاشقة التي تدور في أفلاك الفساتين وأحمر الشفاه والكعوب العالية. بل هي المرأة التي تصادفني صباحاً وهي ذاهبة للعمل ومن توصل أولادها للمدرسة حاملة لهم المظلة أيام المطر، مَنْ ترتدي الحداد بنظرتها الثاقبة ووجهها الشاحب الخالي من مساحيق التجميل التي تكسر القلب بشكل دائم إنها قضيتي وموضوعي ومشكلتي.. بالمقابل فلا أنكر بأني أنطلق من الخاص الى العام في الكثير من الأحيان من أجل المعالجة الإنسانية أو التشافي الذاتي بالشعر .. فالشعر هو الدواءُ المُرّ، هو زهوي ومجدي، إن إنجاز مجموعة شعرية يتطلب قدرة تأملية عالية وطاقة كبيرة من الإبداع للوصول نحو الغاية المنشودة لأنه عمل فرديّ. على عكس الموسيقى والمسرح والسينما التي تتضافر فيها الجهود والطاقات من أجل الخروج بعمل متقن .

• ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال في كسر طوق العزلة الأدبية واختزال طريق وصول المبدع العراقي للمتلقي محلياً وعربياً، كيف تصفين ذلك من خلال تجربتك؟

ــ كل تطوّر تقني هو سلاح ذو حدّين فبمقدار ما يساهم في سرعة انتشار الكاتب أو الفنان أو أي مجال إبداعي آخر بالمقابل قد يكون الأداة التي توقع به من عليائه . إن ما يحصل في وسائل التواصل من اعجابات وتعليقات هي ليست المعيار الحقيقي لتقييم مستوى الابداع فالبعض يتصرّف ببهلوانية من أجل الشهرة بالمقابل هنالك حالات من إبداع حقيقي لا يحقق حضوراً وترحاباً قد يحظى به نصّ متواضع لاعتبارات كثيرة . أما بالنسبة لتجربتي الشخصية في هذا المضمار فأرى أن الشاعر يحتاج إلى قليل من الحرفية في تصدير نصّه وأن لا تكون الغاية الرئسية من نشر النص هو جمع أكبر عدد من الإعجابات ، أتعامل مع الشعر على إنه مهنتي وعائلتي بالتالي فكل ما يخصّه هو أمر جاد ومصيري بالنسبة لي وبعض ذلك طريقة تصدير النص وصاحبته في وسائل التواصل.

• رغم ما تدل عليه كثرة المهرجانات والنشاطات الأدبية من عافية ثقافية إلا أنها لا تلبث أن تقام حتى صاحبها أو تلاها عاصفة من اللغط والانتقاد، إلامَ تعزو ذلك آمنة من خلال مواكبتها لهذه الفعاليات؟

ــ كل فعالية ثقافية هي منجز يُحسَب للجهة المنظِّمة أولاً وكل حراك ثقافي قد يقع ببعض الهفوات غير المقصودة أما عن الرضا فلم أسمع بمهرجان أقيم دون أن تتصدَّى له الأقلام باللوم والعتب وأحيانا يُحاط الأمر بسوء الفهم . أما إذا كان في ذلك خطأ واضح أو تجاهل متعمَّد لأسماء معيّنة فأرى أن النقد حينها أمرٌ حتميّ وظاهرة صحيّة الغاية منها الخروج من دائرة المجاملات والمحاصصة الشعرية للإرتقاء بالواقع الثقافي .

• هل كتبتِ في مجال أدبي آخر غير الشعر؟

ـ كتبت في مجال النقد لكن يمكن إدراجه ضمن النقد الانطباعي ولديّ مجموعة مقالات نشرت معظمها في جريدة (العرب) اللندنية واشتركت بمسابقة للنقد وتم قبول الدراسة التي قدمتها وطُبعَت في كتاب بعنوان (فضاء الكون الشعري) بإشراف الأستاذ الدكتور محمد صابر عبيد وبمعيّة نخبة من الأكاديميين .

• كركوك منبع إنساني متنوع اللون لعل ذلك ما أسس لانبثاق أسماء بارزة أسست ركناً مهماً في الحركة الشعرية الحديثة ،هل مازال أثر هذا التنوع فاعلاً في الزمن الحاضر؟ وكيف تقيمين المشهد الشعري في كركوك؟

ــ كركوك سماءٌ خصبةٌ بالإبداع وهنالك علامات شعرية من هذه المدينة أثرّت وانتشرت عربياً كما وأن موجةً جديدةً من الشعراء الشباب ظهروا من سنوات وهم يمثلون الوجه المشرق لكركوك.


شهرزاد تقلب الطاولة على شهريار
شهرزادُ إذ تتمرد

-1-
أحزُ وريدَ الكلامِ المباح .
لعلي نجوتُ ،
بما ظلَ مني
وما قيلَ عني !
لمَن غادروني
وما عذروني
اقولُ : لهم إنَّ مَن راحَ ..
راح
-2-
كتمتُكَ سراً
وأملكُ نفسي ..
وأنتَ مليكٌ
على الوهمِ
يملأُ كفكَ خُسراً
وها أنا ذي الآنَ
أصبحتُ بئراً
يوشوشُهُ عاشقٌ ما استراح .
(3)
فيا أنتَ ..
إنّي
كتبتُ كثيرا
وصُلتُ وجُلتُ
وآنَ لكَ الآنَ دورُ التجلّي
على مسرحٍ فارهٍ فيهِ،
كلّكَ
لكن .
ستخلعُ عنكَ رداءَ التخلّي
وتلبسُ قبلَ بزوغِكَ كلّي
لتُدرِكَ يا شهريارُ الصباح

-4-
ستحكي لهم قصةً جاحدة .
بلا جبروتٍ،
بلا عنجهيتِكَ السائدة .
عن الحبِّ، عن لسعِ نارِ الغرام ..
عن الضحِكاتِ بطعمِ الفتورِ،
بآخرِ ليلٍ يمدُّ جدائلَهُ في متونِ السهر .
فيُطفِئُني كلُّ هذا الخَدَر.
شِفاهيّ فضيةٌ مثلَ لونِ القمر .
ودورُ البطولةِ فيها وحيدٌ ،
تجسدهُ امرأةٌ واحدة
أنا هيَ تلكَ
أميرتك الفذّة الخالدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى