حوار

حوار: الشاعرة العراقية كوكب البدري والإعلامية نادية الدليمي

عالم الثقافة | بغداد

  • برامج المسابقات الشعرية هي فخٌّ كبير من الوهم
  • لا يمكن للشّعر إلا أن يكون نافذة لقلب الشّاعر وهواجسه
  • رسالتي في الشّعر أن أكون مثالية وقدوة
  • لا أستطيع الكتابة بدون إيمانٍ بما أكتب
  • للشّعر فنونه وللنّثر جنونه وفي كلٍّ خير !

  • كوكب البدري حارسة الشعر، وثق بها وطناً فكانت له أهلاً وموطنا شاعرة من طراز نفيس، بريق الإخلاص للشعر والإيمان به يتلألأ في عيون قوافيها المتدفقة، حملت شعلته ومضت بعنفوان وسمو مؤمنة بدوره في بناء الإنسان وتبنّي قضاياه، التزمت في مسيرتها الحافلة بالإبداع نهجاً يوائم تكوينها الإنساني المرهف والنبيل، ثراؤها اللغوي وشعريتها العالية وشغفها الصادق والمسؤول بالشعر أهلها لتكون رائدة لفكرة إحياء فن الموشحات فخاضت التجربة بكل اقتدار.. وعن تجربتها وآرائها ورؤاها كان لنا معها هذا الحوار :

     كيف كانت البداية، ومتى أدركتِ أن الشعر قدرك وأن عليك أن تؤسسي لمشروعك الأدبي؟
ـ البداية كانت حصيلة مخزونٍ لفظي لما قرأت منذ نعومة أظفاري ، وصدى انبهار بالكلمات المتدفقة حياة التي مرّت على خاطري واستوطنته بدءاً من آيات القرآن الكريم وانتهاءً بكلمات القصائد والرّوايات، فبدأتُ بالخواطر ولا أبالغ إذا قلت:إنَّني تخرجتُ في مرحلة البكالوريوس بحصيلة خمسة دفاتر من الخواطر وبعض القصائد ورواية وسجّل من القصص القصيرة أتلفتها جميعاً عندما أخذتني مسيرة الشّعر في ليلة الثّاني من تشرين الأوّل عام 2000 بغتة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، واستشهاد الطّفل محمد الدرّة ، لقد كانت انتفاضة الأقصى فتيل جذوة الشّعر التي اجتاحت كياني وتغلّبت على فنون الأدب الأخرى وخلال عام واحد ملأت دفتراً كاملاً بقصائدي في انتفاضة الأقصى وكنت أرسلها لجرحى الانتفاضة الذين كانوا يتعالجون في بغداد فنشرت أحد هذه القصائد في مجلة طروس عام 2001. ثمّ توالت النّوائب على العراق بعد احتلاله عام 2003 وكان قلمي ودفاتري صدى تلك النّوائب وبدأت بالنّشر في منتدى palissue لكنّي لم أفكر بالإعلان عن مشروعي الأدبي إلا في العام 2010 بعد زواجي من الشّاعر إسماعيل حقّي الذي أصرّ على اعلاني لمشروعي الأدبي فقد وجد حسب قوله في نصوصي إيذاناً بمولد شاعرة يشار لها بالبنان فأصدرتُ دواوين (عشرون صيفاً لغيمة) و(مقتل حب بدوي) وحارسة النّهر وتحت الطّبع ديوان (على باب تمّوز).
هل تعد قصيدة كوكب البدري نافذة تطل بقارئها على ذاتها الشاعرة؟ وهل على القصيدة أن تكون صوت الشاعر أم صوت الآخر؟
بل وأكثر،فلا يمكن للشّعر إلا أن يكون نافذة لقلب الشّاعر وهواجسه، وإلا فسيخرج للقارئ شعراً متيبساً محنّطاً لا روح به ولا عاطفة. أنا لاأستطيع الكتابة بدون إيمانٍ بما أكتب ، لذلك تجدين قصائدي موزّعة بين الذّات والوطن والمدينة وحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ودجلة والأصدقاء وأمي وأبي وأغنيات صباح فخري … أرادوا منّي مرة رثاء شاعر ما لم أكن أتذوق شعره ففشلتُ .
   هناك من يقول: (إنَّ الشعر قادر على تغيير العالم)، هل على الشعر فعل ذلك حقاً؟ وما هي مهمة الشعر برأيك، وما هي رسالتك من خلاله؟


لطالما آمنتُ بأنّ الأدب يبني الإنسان الذي يبني الأوطان؛ فبناء الإنسان هو لبنة التّغيير الأولى للعالم . لكن ، ماهو الشّعر الذي سيساهم في بناء إنسان التّغيير ومن هو الشّاعر الذي سيحمل مشعل التّغيير ، سيحاربونه ويغتالونه في ظل نظام التّفاهة الذي نعيش، حتّى وإنْ كان اغتيالاً بالتّجاهل وغلق كل نافذة له ليحلق بعيداً .
تخيلي أنّ المأمون قال ذات مرة : إنّ الكُتّاب ملوك النّاس، وهذا وعي وإدراك لم يصل له وعينا ولم نبلغ مابلغوه فلم أقرأ وصيّةً لخليفة مسلم إلا ووصيته لبنيه أن يحفظوا الشّعر ويتعلموه. أمّا رسالتي في الشّعر فأحاول أن أكون مثاليّة وألتزم بمنهجي الوطني والدّيني في القصائد التي أنشرها خصوصاً وأنّ أغلب قرّائي هم من فئة الطّلبة والشّباب وطلبتي تحديداً؛ فلابدَّ من أن أكون قدوة لمن يعشق اللغة ولمن يحمل هماً وطنيّاً
 (الشعر لغة تخلق المشاعر).. كما يقول إمبرتو إيكو.. فهل اللغة في القصيدة العمودية غاية أم وسيلة؟ وهل تعد صعوبة ترجمة النصوص العمودية عائقاً أمام وصولها إلى العالمية؟
    اللغة هي وعاء الأدب وجسره الموصل للمتلقي؛ فهي وسيلة الشّاعر وغايته؛ وسيلته كي يحلّق بقصيدته، وغايته كي يرضيَها فتفتح له أسرارَ جمالها ومكنون معانيها. ولا أظن أنّ العزوف عن ترجمة القصيدة العمودية يعود لشكل القصيدة الصّعب ولكن أظنّ أنّ ثقافة الغالب في العالم هي الثّقافة الرّابحة والتي تجعلها هي الثقافة السّائدة والغالبة في العالم، فحتّى كبرى رواياتنا العربيّة لا تحقق العالميّة إذا تمّت ترجمتها لأنّها لاتحمل توجّهات ثقافة القوى الغالبة وشروطها التي لاتخفى علينا نحن المغلوبين .
    محاكاتك للموشحات، هل هي محاولة لمد جسور الوصل وإعادة الحياة لهذا الفن الشعري، أم هوى وميل نفسي؟
أوّل الأمر كان هوىً ورغبةً في التّجريب؛ أي كان تحديّاً لنفسي كشاعرة خصوصاً بعد فوز أنشودة (نحن صناع الجمال) بالمركز الأوّل في معهد الكوت للفنون الجميلة حيث كتبت كلماتها ولحنّها الفنان ماجد المدرّس وأدّاها طلبة المرحلة الرّابعة للمعهد. فاقتنيتُ كتاباً عن فنّ الموشّحات وقضيت شهرين أدرس هذا النّوع من الشّعر رافقت بها ابن زهر الحفيد ولسان الدّين الخطيب والأعمى التّطيلي وابن بقى الطليطي وتسامرت مع حفصة الرّكونية ودندنت مع ولادة بنت المستكفي حتى تكوّن لي الآن مايقارب الخمسين موشّحة مختلفة الأوزان منها الموشّحات الشّعرية التي التزمت ببحور الخليل ومنها الموشّحات اللاشعرية التي خرجت على بحور الخليل لكنّها محتفظة بوحدة الوزن وتعدد القافية. ولقد أصدرت ديوانين من الموشحات الأول وهو (تاج الياسمين) والثّاني (عقود النّور في موشّحات البدور). وأمنيتي أن يحظيا بالاهتمام المطلوب كي أحتفظ بحقي التّاريخي بتجديدي للموشّحات وبعثها للحياة من جديد .


    ما تقويمك للمهرجانات الشعرية في العراق؟ وهل كان لها الدور الفاعل في الحراك الثقافي؟
   إنَّ الفكرة سامية إذا تجرّدت من الأهواء والنّزاعات الأدبية وكل الملابسات التي تحيط بالمهرجانات، للأسف المهرجانات وقعت في المطب ذاته الذي وقع به البلد ككل وهو مطب المحاصصة والمحسوبية.
      قصيدة النثر.. هناك من يراها خطأ فادحاً في مسار الشعرية العربية، وهناك من اعتبرها منقذاً لها، كيف تراها كوكب البدري؟ وما هو موقفك من الجدل الأزلي حول شرعية انتمائها للشعر؟
   توجد نصوص في الوصف غاية في الجمال والبهاء في كتاب (زهر الآداب وثمر الألباب) للقيرواني لو تمّت كتابتها بشكل المقاطع كما يفعل شعراء النّثر لفاقت في سناها أبهى القصائد بفيض بلاغتها وجمال معانيها ، مع ذلك لم يصنّفها القيرواني في خانة الشّعر، بل أنّها لم تفقد بريقها الآخذ بالألباب حين وصفتها بالنّصوص الأدبية، فليبق للشّعر بحوره وللنّثر زهوره، وللشّعر أسبابه وللنّثر أطيابه، وليكن للشّعر فنونه وللنّثر جنونه؛ وفي كلٍّ خير .


هل طرقتِ أبواب مجال أدبي آخر غير الشعر؟
       طرقتُ باب الرّسائل الأدبيّة منذ العام 2005 وتراكمت عشرات الرّسائل في دفاتري وحاسوبي فغربلتها في العام الماضي وأصدرتها بمطبوع رقيق اسميته (عيناك والبريد)، وطرقتُ باب المقامة ونشرتُ مقامةً لي في مجلة حوار هامس اللندنيّة بعنوان (مقامة ظريف الطول)، وطرقت باب القصّة ولدي مجموعة لابأس بها من القصص التي تحتاج تفرّغا كي أجمعها بملف مناسب، وطرقت باب النّقد الذي أحمل به أسلوبي الخاص في قراءة الأعمال الإبداعيّة.

بماذا يفسر إحجام النقد عن تناول النص العمودي بالبحث والتحليل؟ وهل نالت تجربتك الشعرية حقها في الدراسة؟
صدقاً لاأملكُ تصوّراً دقيقاً عن نسبة القصائد العمودية التي خضعت للدراسات والنّقد مقارنة ببقية أشكال القصيدة. وإذا كانت هناك أفضليّة لدراسة الأشكال الأدبية الأخرى من قصّة ورواية ونثر فلربما يعود لأنّ محلل القصيدة العموديّة ودارسها يجب أن يكون ملماً بأوزان الشّعر وعارفاً بقوافيه ومطّلعاً على علم البلاغة والبديع والمعاني. أمّا تجربتي فقد حظيت بدراستين أكاديميتين إحداهما أطروحة دكتوراه للباحثة د. إسراء محمد رحيل حيث درست الأنساق الثّقافية في الشّعر النّسوي العراقي حيث تناولت قصائد مجموعة من الشّاعرات العراقيات ومن ضمنها قصائد لي والثّانية أيضاً أطروحة دكتوراه للباحثة السّعوديّة د.أروى الحكمي التي تناولت ثيمة الحب عن شاعرات العرب .وكذلك موشّحاتي خضعت ثلاثة موشحّات لدراسة الدّكتور أركان علي في جامعة ديالى أبان جائحة كورونا حيث كتبت ثلاثة موشّحات تصف الحالة العاطفية والدّينية تحت تأثير تلك الجائحة التي ألقت بظلالها الدّاكنة على الكرة الأرضيّة . إضافة لبعض المقالات في الصّحف العراقية مثلاً كتب عن ديوان (حارسة النّهر) الشّاعر عماد الدّعمي وخصّني النّاقد علوان السّلمان بمقال ضمن عموده الأسبوعي .
   المكان مؤثر مهم في الشاعر وفي تشكيل ملامح شخصيته، فما الذي يمثله لك، وهل تلبس قصيدتك ثوب البيئة التي تولد فيها؟
علاقتي بالمكان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالزّمان ؛ فلقد ولدتُ وترعرعتُ في مدينة سامرّاء لكنّي أحياناً حين أناجيها في قصائدي أو حتى بنصوصي النّثريّة يتلبسني أحساس امرأة من البلاط العبّاسي، وربما يرتديني كبرياء مطعون لأميرة عباسيّة أفلت دولتها وانهدّ ملكها؛ لقد كتبت قصيدة (دمعة في مكتوب محبوبة) وكنت أشعر بأنّي أنا شاعرة المتوكل وجاريته (محبوبة) فوصفت له الأمكنة بعد مقتله؛ و ربما يعود هذا لولعي بفرضية السّفر عبر الزّمن والأكوان المتوازية ، وكذلك لاحظت أنّ موشّحاتي ترتدي أزمنة مختلفة بلغتها ، مثلاً موشّح غريب الحيّ أكاد أشعر أنّ الأحداث تجري ببغداد في فترة الستينيّات وموشّح لا تتركيني وحيداً في زمن الألفيّة لكن المكان شعرت به كأنّه في كركوك… وهكذا .
  هل ترسمين الحدود لنصوصك عند الكتابة؟ وما الأمور التي يكاد يكون لوجودها صفة الهوية في نصوصك؟
حدود نصوصي تلقائية وطبيعية رسمتها هويتي العربيّة ووضعتها القيم التي نتمسك بها رغم كل ما تحاوله أميبيا التفاهة أن تجرّنا له. النّهر والجسر القديم بكل مايحملانه من معانٍ هما صفة الهويّة في نصوصي.


       ما رأيك في المباريات والبرامج الشعرية وهل شكّلت حافزاً في تنشيط الحراك الإبداعي والاندفاع للكتابة؟ وهل ساهمت في دعم جماهيرية الشاعر؟
البرامج الشّعريّة كظاهرة تحتاج لدراسات عن جدوى وهدف انبثاقها وعن دوافع الشّعراء وعن أحوالهم النّفسيّة والإبداعيّة قبل أن يصبحوا نجوماً وبعد أن ينالوا اللقب؛ فبعد تجربتين لي في برنامج (أمير الشّعراء) أيقنتُ أنّ مثل هذه البرامج هي فخٌّ كبير من الوهم ، ثلّة من الشّعراء لم يسقطوا بين براثن هدا الوهم وواصلوا حياتهم وإبداعهم بشكل طبيعي ويدركون الحدّ الفاصل بين كونهم فرداً عادياً من أفراد المجتمع وبين لقب حصل عليه بجهده وبحظّه الجميل وبالتّصويت ، وثلّة أخرى من الشّعراء ركبوا بساط ريح الغرور وظنّوا أن على العالمين أن يحنوا لهم الرّأس. والمشكلة أنّ هذا الغرور قد أخذهم بعيداً عن نقاء نصوصهم وتلقائيتها . ولابدَّ من القول: إنّ حاجة النّفس ورغبة الشّاعر بأن يقول للعالم بأنّه موجود وأموره الماديّة المتعثّرة في أغلب الأحيان هي التي تدفعه للمشاركة .

 ما رأيك في الصوت الشعري النسوي في المشهد الثقافي العراقي؟
أنا موقنة بوحدة صوت الشّعر والإبداع، فلا أضع تصنيفاً يصنّفُ الأصوات الشّعريّة إلى نسائية ورجاليّة ؛ لأنّه سيقودنا إلى المربع الأوّل وقول الفرزدق في امرأة قالت شعراً بأنّه (إِذَا صَاحَتِ الدَّجاجَةُ صِياحَ الدِّيكِ فَلْتُذْبَحْ.)!

   ما رأيك بتأثير التكنولوجيا ومواقع التواصل الإلكتروني على الشعر والشاعر، وهل كان دورها سلبياً أم إيجابياً؟
ـ التّكنولوجيا الإلكترونيّة كلها سلاح ذو حدّين، ففي الشّعر قد أتاحت النّشر المجّاني وكذلك الإحباط المجّاني، بكل الأحوال لقد جمعت مواقع التّواصل الشّعراء، وعرّفتهم على بعض؛ فتبادلوا المجاملات والمشاحنات وحتّى الشّتائم! وبعضهم وضع عدد الرّدود مقياساً للشّاعريّة والبعض الآخر قال: لا،وإنّما نوعية الرّدود هي المقياس. وأنا ياسيّدتي من جمهور المتفرّجين ولا أدري أخيرٌ أريد بنا من هذه التّكنولوجيا أم شر ؟


كلمة أخيرة..
ـ شكراً، ياشاعرتنا العذبة السّت نادية الدّليمي لصبركِ على طول أجوبتي، و شكراً لهذا الذّكاء المتّقد وأنت تطرحين أسئلتك، وأهديك آخر نص تفعيلة كتبته:
لأني أعاني انحسار الحضارة
لأنيَ أنثى؛ لأنّ مدادي خجولُ الحروفِ
وإن سطوري أطالت وقوفي
على منبرٍ بمقاسِ ظروفي
فلستُ منارةْ
ولستُ سوى دمع حبرٍ أضاع اصطبارَهْ
ولست سوى فيضِ شعرٍ شجيّ المعاني
تعذبني أغنيات القوافي فتغدو نشيداً يُشيدُ بياني
فكلّ مروج الآداب بلادي
وكلّ رويٍّ يباغت قلبي؛ سيغزو فؤادي
ويذكي انبهارَهْ
وإنّي أعاني
لأنّ زمان الحكاية ولّى،
وظلت رموز الكلام كسرٍّ عصيّ الملامحِ، كَلٍّ، ضعيفِ الكيانِ
وإنّي أعاني
لأنّ أديبَ الحقيقة صلّى وراء السّرابْ
لHنّ ظلال القصيدة تشقى بأرضٍ يبابْ
لأنّ نتاجي النّقيّ الشّفيف؛لدهرٍ ٍعلى الرّفِّ باقٍ…
فأبكي شعوري بكلِّ مرارةْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى