جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تنتدي عن واقع الترجمة بين اللغتين العربية والصومالية
الدوحة |عالم الثقافة
نظمت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، ندوة عبر تقنية “زوم”، تناولت واقع الترجمة بين اللغتين العربية والصومالية، شارك فيها عدد من الأكاديميين والباحثين والمترجمين، وذلك بمناسبة اختيار الصومالية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز للموسم التاسع من الجائزة.
واستُهلت الندوة التي نسّق لها د.عبدالرزاق حسين أحمد، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية/ فرع جيبوتي، بمداخلة للمستشارة الإعلامية للجائزة د.حنان الفياض، أكدت فيها أهمية اختيار الصومالية ضمن لغات الجائزة لهذه الدورة، وتناولت دور الجائزة في مد جسور التواصل بين ثقافات العالم، ولفْت النظر لما تقوم به الترجمة من تعزيزٍ لثقافة السلام من خلال التقريب بين الحضارات، ونقل المعارف والعلوم، وتخفيف حدة الانغلاق التي تعاني منها بعض الثقافات.
وقالت الفياض إن الجائزة أسهمت في رفع مستوى الترجمة والتعريب، من خلال اعتماد معايير علمية صارمة وجادة للحكم على الأعمال المترشحة لها، فضلاً عن أنها أثْرت المكتبة العالمية بكثير من المؤلفات العربية القيّمة كما أثْرت المكتبة العربية بمؤلفات قيّمة من ثقافات العالم.
بدوره، قدم د.عمر أحمد وهليه، الأستاذ في جامعة أوروبا الإسلامية بمدينة روتردام بهولندا، ورقة استعرض فيها التجربة الصومالية في الترجمة إلى العربية ومنها، وطبيعة الجهود الرسمية والفردية في هذا المجال وتاريخها.
وقال وهليه إن الترجمة فن قديم قِدَمَ الحضارة الإنسانية، وهي ذات أهمية كبيرة في حفظ ونقل تراث الأمم وثقافاتها، وتأتي على صور متعددة؛ كالترجمة الحرفية، والشفوية، والتحريرية، والتفسيرية والفورية. مؤكداً وجوب إجادة المترجم اللغتين (المصدر والهدف) وفهم المصطلحات اللغوية وقواعد اللغتين.
وأوضح أن العربية والصومالية كلتَيهما من اللغات الإفروآسيوية، وأن تاريخ الترجمة من العربية إلى الصومالية يمتد إلى أزمان بعيدة ارتباطاً بالعلاقة التجارية والثقافية بين الشعبين العربي والصومالي.
وقال إن الترجمة الحرفية والشفوية سادت في السابق في سياق العلاقات التجارية وحركة الدعوة الإسلامية منذ ظهورها، فارتبطت بتعليم الإسلام واللغة العربية، أما الترجمة المكتوبة من العربية وإليها فظهرت بعد كتابة اللغة الصومالية في عام 1972، فكل ما كُتب من ترجمة من العربية إليها كان بعد ذلك العام.
ولفت إلى أن الجهود الفردية في الترجمة تشمل مجالات عدة، من أبرزها المجال الديني الذي يعد الأكثر حضوراً في الساحة الصومالية، إذ ترجم الشيخ محمود محمد عبده معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصومالية وأصدره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. كما أن هناك ترجمات لكتب ذات موضوعات مهمة، مثل “بلوغ المرام وعمدة الأحكام”، و”رياض الصالحين”، و”الأربعين النووية”، و”أركان الايمان”، وترجمات لكتب فكرية ظهرت في الثمانينيات وما بعدها، مثل “شبهات حول الإسلام” لمحمد قطب، وكتب سيد قطب (هذا الدين، ومعالم في الطريق، والمستقبل لهذا الدين، ومعركتنا مع اليهود)، و”الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه” للقاضي عبد القادر عودة، و”قصص الأنبياء”، “وحصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة”. ومن كتب الأدب التي تُرجمت إلى الصومالية: “كليلة ودمنة” لابن مقفع، و”من غريب ما سألوني” لابن عبد الله النوري، و”الموجز في قواعد اللغة”.
ورأى وهليه أن الجهود التي بُذلت لتعزيز حركة الترجمة المكتوبة، قليلة نسبياً، لأسباب منها قلة عدد القراء وضعف التمويل اللازم، مشيراً إلى جهود المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد في هذا الإطار، فقد أصدرت الحكومة بعض الوثائق والشهادات التعليمية مترجمة بالعربية إلى جانب الصومالية، كما أصدرت مجلات مترجمة إلى العربية بالإضافة إلى النشرات الإخبارية العربية، لكن الترجمة الفردية المكتوبة من العربية وإليها هي السائدة منذ ذلك العهد، وأكثرها في المجالين الديني واللغوي، إلى جانب الفكر والأدب، كالقصص والروايات والمقامات.
وتحدث وهليه عن الصعوبات التي تواجه المترجم بين اللغتين؛ وأبرزها ما يتصل بقواعد اللغة، لأن اللغة ليست مجرد كلمات لا يجمع بينها نظام، وإنما هي مجموعة من العلاقات التي تربط بين الكلمات داخل الجملة وتبيّن وظائفها، فينبغي للمترجم أن يكون حذراً عند قيامه بالترجمة.
واستعرض وهليه جهوده للتغلب على العقبات خلال الترجمة، إذ اختار لدراساته العليا مواضيع ذات صلة مباشرة بالترجمة من العربية وإليها، فتناول في رسالة الماجستير الألفاظ العربية التي دخلت الصومالية فخضعت للقواعد الصومالية صوتيةً وصرفيةً ودلالية، وخصص رسالة الدكتوراة لبناء الجملة بين اللغتين العربية والصومالية معتمداً المنهج التقابلي الذي يضطلع بأهمية خاصة في الترجمة وتعليم اللغات، فأظهر جوانب الاختلاف والاتفاق في بناء الجملة في اللغتين ليكون ذلك عوناً للمترجم من العربية وإليها.
أما المهندس منــير عبدالله الحاج عبده، الأستاذ في الجامعة الوطنية الصومالية، فتناول في ورقته تجربته الشخصية في الترجمة بين العربية والصومالية على مدار عشرين عاماً، إذ عمل في الترجمة الشفوية عند تدريس العلوم في الجامع والحلقات، أو في الجامعات والمؤتمرات العلمية، وذلك بقراءة سريعة للنص المكتوب بالحرف العربي، وترجمته فورياً إلى الصومالية بصيغة شفوية يفهمها المتلقي عند سماعه.
وقال عبده إن الترجمة في مجال الترجمة الدينية تحتاج إلى مجموعة من المعارف والمهارات، وإن الجهود الجماعية في هذا المضمار أقرب إلى الجودة إذا ما قورنت بالجهود الفردية في أغلب الحالات، وأوضح أنه يجمع بين تخصصَي التقنية والعلوم الشرعية، وعمل مع مؤسسات للترجمة، وترجم كتباً دينية من بينها: “العقيدة الميسرة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة” للدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي، و”صلاة المسافر” للدكتور سعيد بن على القحطاني، و”منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين” للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، و”تنبيه الساجد إلى أخطاء رواد المساجد” من إعداد أبي الطيب حسن بن علي.
وتحدث عبده عن ترجمة النصوص الأدبية، مشيراً إلى أنها تتطلب من المترجم أن يتمتع بذوق أدبي رفيع وحسّ بلاغي في نقل المعاني، مع أن ترجمة الشعر “قد تُفقد النص جماله وتعجز عن نقل مشاعر الشاعر وعاطفته”. وقال إنه ترجم عدداً من النصوص الأدبية من نثر ونظم إلى الصومالية، مثل المعلقات، ومقامات الحريري، ولامية الشنفري، وقصائد الزهد والحكمة، وقام بتسجيل ترجمة بعض القصائد ونشرها في الصومال ضمن مشروع “القصائد المختارة من الشعر العربي.. ترجمة وتحليل”، ومن القصائد المدونة: “بانت سعاد” لكعب بن زهير، و”ليس الغريب” للإمام زين الدين علي بن الحسين، و”السير إلى الله والدار الآخرة” للشيخ السعدي.
وختم عبده ورقته بتأكيده أن الترجمة الآلية بين اللغتين العربية والصومالية تتطلب تطوير معاجم إلكترونية وكنز ثنائي بين اللغتين، مما يسهل للأجهزة بعقد مقارنات بين اللغتين ونقل المعنى بصورة أدق وأكثر اكتمالاً.
أما د.عمر محمد ورسمه، الأستاذ في معهد اللغات بالدوحة، فاستعرض في ورقته مجالات الترجمة بين العربية والصومالية، متخذاً من الآداب والعلوم الإنسانية أنموذجاً. وقال في مستهلها إن الصومال بلد عربيّ ذو خصوصية ثقافية، إذ يتحدث كل أبنائه لغة واحدة هي الصومالية، وهي لغة السوق والخطابات الرسمية ووسائل الإعلام، وأضاف أن العربية تعدّ لغة ثقافية وعلمية للبلاد، وقد احتفظت بمكانتها في الدستور بصفتها اللغة الرسمية -إلى جانب اللغة الصومالية- منذ قيام الدولة الصومالية في عام 1960.
وأوضح ورسمه أن العربية استُخدمت في المنطقة الصومالية قبل ذلك التاريخ لغةً رسمية في مجالات التعليم والكتابة والتأليف والقضاء، وتوثيق المعاملات التجارية منذ انتشار الإسلام وتدفق المهاجرين العرب على الساحل الصومالي إبان الاضطرابات السياسية في الدول الإسلامية، وما تلاه من قيام سلطنات ودول إسلامية على طول سواحل القرن الإفريقي.
وبيّن أن الميدان اللغوي في الصومال يشهد ثنائية لغوية متجانسة يشكل طرفاها وجهَي العملية في الميدان الثقافي والتعليمي، وهما: الصومالية (اللغة الأم)، والعربية (لغة الثقافة والعلم). مستشهداً بما كتبه ابن بطوطة الذي زار الصومال في العقد الثالث من القرن الثامن للهجرة، إذ قال عن سلطان مقديشو: “سلّمت عليه مع القاضي فرحب وتكلم بلسانهم مع القاضي ثم قال باللسان العربي: قدمت خير مقدم، وشرفت بلادنا وآنستنا”.
وقال إن هذه الثنائية اللغوية نشّطت الترجمة في الميدان الثقافي والتعليمي في المنطقة الصومالية، حيث تترجَم العلوم الإسلامية بمختلف فنونها كالتفسير والحديث والفقه والسيرة والتاريخ وعلوم اللغة وغيرها من فنون العلم إلى الصومالية في المساجد ومراكز التعليم المختلفة بشكل يومي، فلا يكاد يخلو مسجد أو مركز تعليمي من مفسّر يترجم القرآن باللغة الصومالية، أو فقيه أو محدث يدرّس الطلبة العلم ويترجم لهم النصوص الشرعية.
وأكد ورسمه أن الترجمة التحريرية نشطت إلى جانب الترجمة الشفوية منذ منتصف القرن الماضي، فظهرت بعض الترجمات للقرآن الكريم، وتُرجمت كذلك بعض مصادر الحديث والعقيدة والرقائق، وظهرت في السنوات الأخيرة ترجمات أدبية لبعض القصص والروايات من العربية إلى الصومالية، ومن العربية إلى الصومالية، وظهرت كذلك ترجمات من العربية إلى الصومالية لبعض كتب التاريخ، وبعض مراجع التنمية البشرية المعاصرة.
وأوضح أن أول ترجمة تحريرية مطبوعة للقرآن الكريم باللغة الصومالية كانت في عام 1984 على يد الشيخ محمود محمد عبده، وأن ما يميّز هذه النسخة أنها حظيت بمراجعة عدد من العلماء الصوماليين. ثم ظهرت بعد ذلك ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى الصومالية على يد الشيخ عبد العزيز حسن يعقوب في عام 2010. أما الحديث الشريف فتُرجمت بعض مصادره إلى الصومالية على يد المترجم الصومالي المشهور الشيخ عبد العزيز حسن يعقوب، ومنها: “مختصر صحيح البخاري”، و”صحيح مسلم”، و”بلوغ المرام” للإمام ابن حجر العسقلاني، و”رياض الصالحين” للإمام النووي، و”عمدة الأحكام” للإمام عبد الغني المقدسي، و”الأربعون النووية”.
وبشأن السيرة والتاريخ، قال ورسمه إن بعض مصادرهما تُرجمت إلى الصومالية، مثل: “الرحيق المختوم” للمبارك فوري و”قصص الأنبياء” للإمام ابن كثير (كلاهما من ترجمة الشيخ عبد العزيز حسن يعقوب)، و”خلاصة نور اليقين” للخضري (ترجمة أحمد عبد اللطيف)، و”صور من حياة الصحابة” لعبد الرحمن رأفت باشا (ترجمة عبد الرزاق إسماعيل).
ومن الكتب الدينية الأخرى التي تُرجمت إلى الصومالية، ذكرَ ورسمه من الترجمات التي أنجزها المهندس منير عبدالله الحاج عبده: “العقيدة الميسرة”، و”منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين”، و”تنبيه الساجد إلى أخطاء رواد المساجد”. وكذلك “تربية الأولاد” و”مبادئ الاسلام” (ترجمة عبد الرزاق عقال).
ومما تُرجم شفوياً من نصوص أدبية أورد ورسمه: “المعلقات السبع”، و”لامية العرب” للشنفري، و”بانت سعاد” لكعب بن زهير، و”مقامات الحريري، و”تائية أبي إسحاق الألبيري (ت.460هـ) في الوصايا والزهد”.
من جهته، توقف الشيخ محمد إدريس أحمد، الذي يحمل درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية الأمريكية في فيرجينيا، في ورقته عند العقبات التي تواجه المترجم بين العربية والصومالية. وقال إن الترجمة تتخذ صيغتين؛ شفوية وتحريرية، وكلتاهما قديم قِدمَ اللغتين، فالشعب الصومالي شعب مسلم، لذا كانت العربية وما تزال تحظى في نفسه ومعاملاته وعلاقاته بمكانة دينية وثقافية مرموقة، إذ كانت لغةَ العلم والسياسة والتجارة التي يتعامل بها ويعبّر بها عن نفسه في أيّ موقع كان.
وأضاف أن المترجم الملمّ باللغتين كان يترجم تارةً ترجمة شفوية فورية بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص، أو في درس علمي من الكتب العلمية كالتفسير والحديث والفقه حرفاً بحرف لتفهيم الطلبة، أو يترجم معاني الرسائل التي تأتي باللغة العربية لأصحابها باللغة الصومالية، وحين يريد الصومالي مراسلة الآخرين لأي سبب من الأسباب ينادي الكاتبَ باللغة العربية فيملي عليه ما يريده باللغة الصومالية المحلية، فيترجمه الكاتب إلى العربية؛ يتلقى الكلام شفوياً ويدونه. أما الترجمة التحريرية من العربية إلى الصومالية فبدأت عام 1972.
واستعرض الشيخ الذي ترأس مجلس الأئمة الصوماليين في شمال أمريكا وانخرط في مجال الدعوة في مراكز الجاليات الصومالية في الخارج، الصعوبات التي تواجه المترجم بين العربية والصومالية، موضحاً أن أبرزها يتمثل في العقبة اللغوية والمصطلحات، لا سيما من العربية إلى الصومالية، حيث يجد المترجم صعوبة في إيجاد الكلمات المناسبة أو الأسماء والمصطلحات.
ومن هذه الصعوبات: حداثة كتابة اللغة الصومالية، إذ لم يُتَح لهذه اللغة أن تنضج وتتبلور في قواعدها وتعبيراتها، فلا يجد المترجم المصادر والمعاجم التي تعينه في مهمته. ومنها أيضاً: قلة المتضلعين باللغتين تحدثاً وكتابة، فقد يكون الشخص عارفاً باللغة العربية وقواعدها وبلاغتها وصرفها، لكن تعوزه المعرفة العميقة باللغة الصومالية الأدبية.
وأشار الشيخ إلى قلة القراء الصوماليين للإنتاج المكتوب، إذ يغلب الطابع الشفوي عليهم، فبإمكانهم التحدث والاستماع لساعات لكن يصعب عليهم كتابة صفحات قليلة أو قراءتها. يضاف إلى ذلك ضعف انتشار الطباعة والنشر وقلة الصحف والمجلات مع حداثة كتابة اللغة، مما يضعف صناعة الكتابة عموماً والترجمة خصوصاً، إلى جانب ضعف المردود المادي الذي يحفز المترجمين، وصعوبة وصول المترجم أحياناً إلى المؤلف للحصول على موافقته، وقلة التشجيع لحركة الترجمة، مؤكداً أن مبادرة جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في اختيار الصومالية ضمن لغات الإنجاز الخمس لدورتها التاسعة، هي الأولى من نوعها في تشجيع الترجمة بين الصومالية والعربية.
واقترح الشيخ لتجاوز العقبات السابقة، تشجيع الكتابة باللغة الصومالية ونشرها بالطرق المختلفة مما يعزز حركة الترجمة منها وإليها، وتفعيل حركة الترجمة من الصومالية وإليها، وتعزيز دور الدولة في إيجاد اللجان التي تضع القواميس والمصطلحات المحددة باللغة الصومالية مقابل اللغة العربية وعدم ترك هذه المهمة لاجتهادات المترجمين.
بدوره، قدم د.يوسف أحمد محمد، الذي حصل على درجة الدكتوراة في اللغة العربية من جامعة المدينة العالمية بماليزيا، ورقة بعنوان “تعليمنا بين (لقبا) ولغة الأصل”، أوضح فيها أن موضوع “اللَّقبة” أو اللَّقبَا” مهم للغاية؛ لتطوير التعليم، وتقريب العلوم الشرعية واللغوية والمعرفية لطلبة العلم، وضروري لإثراء اللغة الصومالية، وتفعيل اللغة العربية وتحديث وسائلها وتنويع أساليبها في بلد يعاني مستوى التعليم فيه تراجعاً ملحوظاً، ويشهد ابتعاداً تدريجياً عن لغة القرآن بسبب عوامل كثيرة، أهمها: صراع الحضارات، وفرض بعض الدول مناهجها على البلد، واستبدال الحرف اللاتيني بالعربي، وارتجال الترجمة من دون اعتمادٍ على معاهد ومؤسسات محترفة في هذا المجال.
وأكد أن اللغة الصومالية قُدِّر لها أن تصمد أمام محاولات الاستعمار لطمسها؛ وذلك بفضل جهود أبنائها المخلصين، وبسبب لغة القرآن والدِّين اللذين لعبا دوراً بارزاً لحمايتها؛ لأن الصوماليين ارتضوا بحفظ اللغة العربية بنصِّها في جميع مقرراتهم في الكتاتيب والمدراس والمساجد وحلقات العلم، إذ لم يقبلوا المسّ بالنص العربي، بل يترجمونه عن طريق (لقبا) شفهياً عند تفهيم الطلبة إذا اقتضى الأمر؛ وهذا مما منح اللغة الصومالية قوة وجزالة وجعلها كثيرة المفردات؛ لأنها تستمد ذلك من اللغة العربية الغنية بوفرة مفرداتها، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت انحساراً واضحاً للغة العربية عن المنطقة؛ لأسباب كثيرة.
وقال د.يوسف إنّ تتبُّع الجذر اللغوي لكلمة “لقبا” يبيّن أنها مأخوذة من “اللقب”، وهو اسم يوضع بعد الاسم الأول للتعريف. وكأن الترجمة بواسطة “اللقبة” تعطي الكلمة لقباً تتميز به عن غيرها ويجلي معانيها للطالب. أما اصطلاحاً فتُطلق الكلمة على نوع خاص من ترجمة الكتب الدينية للطلبة عند التعليم، فلا تسمى الترجمة “لقب” إلا إذا توفرت فيها أمور منها: أن يكون النص الأصلي باقياً على لغته كالعربية؛ وأن تكون الترجمة لفظية (فورية أو شفهية)، لا كتابية؛ وأن تكون الترجمة مطابقة للكلمة الأصلية معنىً وإعراباً، حيث يفهم الطالب عند الترجمة موقع الكلمة من الإعراب.
وعدّد د.يوسف الجوانب المفيدة للّقبة، ومنها: إبقاء النص الأصلي، وحماية اللغة العربية، وتقريب المعاني وتفهيمها، وتطوير اللغة الصومالية. أما سلبياتها فهي: عدم استيعاب المعاني والشعور، الاختلاف بالمصطلحات، الاختلاف بالتراكيب، الاهتمام بالظاهر والألفاظ، التصور بما يخالف الحقيقة، والإعاقة اللغوية.
وشهدت الندوة التي قدّمت لها د.امتنان الصمادي، مداخلة من المستشار الإعلامي في سفارة جيبوتي بالرياض زكريا حسين، قرأ فيها عدداً من القصائد المكتوبة بإحدى اللغتين (العربية والصومالية) مترجمةً إلى اللغة الأخرى.