حوار

الشاعرة إسراء العكراوي في حوار مع الشاعرة والصحفية نادية الدليمي

هوية نصوصي أنا بكل ما أمثل من أمومة وعراقية وإنسانية وجنون وحزن أزلي

عالم الثقافة | بغداد

الشعر قدري ورفيق غربتي الوحيد

النجف تعني لي الأصالة والرصانة والفكر المنفتح والعقلانية والتراث

نضج في اللغة وتمرّس متفرد في الأسلوب هو ما يميز الشاعرة إسراء العكراوي مما جعل لها بصمة مميزة تضفي على نصوصها سمة تكاد تكون هوية ودليل انتماء كونها نتاج شغف خالص وحصيلة خبرة ودراسة، خاضت العكراوي وتخوض بحور الشعر ببراعة ومهارة واقتدار محملة ما تكتبه روح شفيفة وإيمان مطلق ونبض صادق فقد استحوذ ملاك الشعر على قلبها منذ يفاعتها ورافقها في رحلة التألق والإبداع، كل قصيدة من قصائدها تحمل جزءاً من روحها وتعكس تجربة من تجاربها الإنسانية فهي ترى أن الشعر رسالة الإنسانية والجمال في هذا العالم المضطرب.. ولدت إسراء العكراوي في كربلاء المقدسة وأقامت ودرست في النجف الأشرف، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث من جامعة الكوفة، صدر لها في الشعر (يحق لي) عام ٢٠١٣، و( لم تنكر خطيئتها) عن دار الشؤون الثقافية عام ٢٠٢٠. فضلاً عن العديد من البحوث والدراسات والمقالات والمشاركة في المؤتمرات والندوات البحثية بحكم عملها كتدريسية لمادة اللغة العربية في جامعة الكوفة، وللتقرب من تجربتها والاطلاع على آرائها ورؤاها كان لنا معها هذا الحوار :
كيف كانت البداية، ومتى أدركتِ أنَّ الشعر قدرك، وأنَّ عليك أن تؤسسي لمشروعك الأدبي؟
ـ استحوذ ملاك الشعر على قلبي وأحاط به صباح يوم ممطر، قرب شباك الصف السادس الابتدائي، أو الأول المتوسط لا أذكر بالضبط، يومها كنت في عالم منقطع عن ضجيج التلميذات أكتب أول خاطرة لي، حين أنجزتها أفقتُ على فرحة عارمة، أخذتُ دفتري ودرتُ لأُقرىء صديقاتي ما كتبتُ.. لم تعِ إحداهن ماذا يعني لي ذلك،وربما كان بعيداً عن مخيلتهن، حينها أدركتُ أنَّ الشعر قدري ورفيق غربتي الوحيد.
هل تعد قصيدتك نافذة تطل بقارئها على ذاتك الشاعرة؟ وهل على القصيدة أن تكون صوت الشاعر أم صوت الآخر؟
ـ يخطىء من يظن أنَّ القصيدة كيانٌ منفصلٌ عن الشاعر، كيف للوليد أن يخلو من أمه وهو الذي خُلقَ في رحمها وتغذى على دمها، وحمل جيناتها؟ كل قصيدة يكتبها الشاعر تحمل جزءاً من روحه، حتى وإنْ لم تكن قصيدة ذاتية، فعلى الرغم من أن الشاعر يتأثر بما حوله، وقد يكتب في أغراض عديدة، وفي قضايا عامة، قد لا يكون لها مساس بحياته الشخصية، لكن هذه الأغراض وهذه القضايا اخترقت قلب الشاعر ونقلها لنا حسب رؤيته الخاصة، تحت ضوء عدسته هو، فلا ريب أن تحمل رأيه وأسلوبه، وأن تأتي ملونةً بدم جراحه العميقة، لتكون مرآةً لتجربته الإنسانية والشعرية.
هناك من يقول :(إنَّ الشعر قادر على تغيير العالم)، هل على الشعر فعل ذلك حقاً؟ ما هي مهمة الشعر برأيك، وما هي رسالتك من خلاله؟
ـ ليس بهذا القدر الذي تدّعيه المقولة، خصوصاً في زماننا هذا، الذي أصبح للإعلام والسياسة السطوة الأكبر على توجهات الشعوب، لكن الشعر قادر على التغيير أيضاً ، فما زالت قوة الكلمات تؤثر على المشاعر والأفكار إذا تحقق لها الوصول، لقد استطاع الشعر تغيير الكثير من رؤى المجتمع وتقاليده، وميولاته، وأنا أعتقد أنَّه رسالة الإنسانية والجمال في هذا العالم المضطرب.
(الشعر لغة تخلق المشاعر): يقول إمبرتو إيكو.. هل اللغة في القصيدة العمودية غاية أم وسيلة؟ وهل تعد صعوبة ترجمة النصوص العمودية عائقاً أمام وصولها إلى العالمية؟
ـ اللغة هي المادة الأولية لصناعة الشعر، تشترك في ذلك كل الفنون الكتابية، فالأمر غير مقتصر على الشعر العمودي.
أما بالنسبة لترجمة الشعر ففيه صعوبة بشكل عام لأنَّ الدلالات التي تحملها لغة شاعر ما في بيئته، قد لا تتحقق في بيئة اللغة الأخرى ، وقد تعطي دلالات جديدة ليست من مقاصد الشاعر، ولا تقتصر هذه الصعوبة على ترجمة الشعر العمودي، ولكن ذلك لم يقف حاجزاً أمام ترجمة الكثير من القصائد إلى اللغات العالمية ومنها المعلقات السبع التي ترجمت لأكثر من لغة أجنبية.
لطالما حمل العمود مهمة مناهضة القضايا ودعم الحراك الجماهيري فكان له الدور الفاعل في الحياة، الآن وفي هذا الزمن المرتبك هل تراجع دور الشعر والشاعر برأيك؟
ـ نعم تراجع هذا الدور للأسف ، ولا سبيل لإنكار ذلك وله أسباب عديدة، منها غزو لغة الإعلام والصورة والفيديو للعالم، وتراجع المستوى الثقافي لجمهور الشعر، بإزاء ميل أغلب الشعراء إلى التحديث في لغة الشعر والمجاز وكسر النمطية، مما وسّع الفجوة بين الشاعر والمتلقي.
ما تثمينك للمهرجانات الشعرية في العراق؟ وهل كان لها الدور الفاعل في الحراك الثقافي؟
ـ يُعوّل على المهرجانات الشعرية كثيراً في الحراك الثقافي، وتبذل اللجان التنظيمية جهوداً في إنجاح هذه المهرجانات، لكنَّ العيب أنَّها تستهدف فئات محددة من المجتمع، ما جعلها في معزل عن الناس واهتماماتهم، فالأدب يجب أن يكون لعامة الناس لا للشعراء فقط، والمهرجانات على كثرتها لا تجد صدىً على أرض الواقع، ولا تصل القصائد الجيدة إلى عامة الجمهور كما ينبغي، وعلى من يتصدى لهذا الأمر أن يفكر في مد جسور الثقافة إلى مختلف شرائح المجتمع.
قصيدة النثر.. هناك من يراها خطأً فادحاً في مسار الشعرية العربية، وهناك من عدها منقذاً لها، كيف تراها إسراء العكراوي؟ وما هو موقفك من الجدل الأزلي حول شرعية انتمائها للشعر؟
ـ قصيدة النثر فن دقيق جداً ، وحدودها الشفافة سمحت للكثيرين باقتحام هذا المجال، جهلاً واستسهالاً، حتى بتنا نقرأ و نسمع نصوصاً نثريةً عاديةً وتقريريةً تُدعى شعراً بحجة قصيدة النثر، كما اقتحم النظّامون ميادين الشعراء من قبل، مشكلتنا اليوم أنَّ النفيس ضاع في زحمة الرخيص فلم نعد نميز القصيدة الحقيقية من سواها، ولذلك أنا محايدة معها فلا أرفضها تماماً ولا أقبلها كلها.
هل طرقتِ أبواب مجال أدبي آخر غير الشعر؟
ـ نعم، كتبت القصة القصيرة، والأناشيد، والمقالة الأدبية، ولي محاولة في كتابة المسرحية، لكن الشعر بقي المتربع على عرش الكتابة في دفتري وذاكرتي واهتمامي.
بماذا يفسر إحجام النقد عن تناول النص العمودي بالبحث والتحليل؟ وهل نالت تجربتك الشعرية حقها في الدراسة؟
ـ على العكس من ذلك أرى أنَّ الشعر العمودي والحر هو الأوفر حظاً في الدراسات النقدية والبحوث الأكاديمية، أما عن تجربتي فقد حظِيت قصائدي بالعديد من القراءات النقدية والمقالات، وكُتبت عن شعري مجموعة من بحوث التخرج لطلبة البكالوريوس، كما كانت قصائدي ضمن عينات بحثية لعدة رسائل ماجستير ودكتوراه نوقشت في الجامعات العراقية والعربية.
المكان مؤثر مهم في الشاعر وفي تشكيل ملامح شخصيته، فما الذي يمثله لك، وهل تلبس قصيدتك ثوب البيئة التي تولد فيها؟
ـ لا شك أنَّ الشاعر ابن بيئته، لذلك أسمع كثيراً حين أقرأ قصائدي من يقول (هذه لغة النجف.. وهذا اللون النجفي)
فالنجف تعني لي الأصالة والرصانة والفكر المنفتح والعقلانية والتراث، والقصيدة النجفية لها لون مميز وخاص.
هل ترسمين الحدود لنصوصك عند الكتابة؟ وما الأمور التي يكاد يكون لوجودها صفة الهوية في نصوصك؟
ـ إذا رسم الفنان حدوداً لفنه فهو يحكم عليه بالموت، الفن هو محاولة الخروج من الإطار ، وكسر النمط السائد، والشعر فن أحاول به أن أفتح أجنحتي لأسبر عوالم لا أصلها إلا على غيمة الخيال.
أما هوية نصوصي فهي أنا، بكل ما أمثل من أمومة وعراقية وإنسانيةٍ وجنونٍ وحزنٍ أزلي.
ما رأيك في المباريات والبرامج الشعرية هل شكّلت حافزاً في تنشيط الحراك الإبداعي والاندفاع للكتابة؟ وهل ساهمت في دعم جماهيرية الشاعر؟
ـ نعم، المسابقات الأدبية والبرامج التلفزيونية، تشكل حافزاً للشعراء، فهي إلى جانب كونها باباً للانتشار والكسب، مضمارٌ لتقييم الشاعر لنفسه ولتجربته أولاً ، وفرصة للتلاقح والتفاعل مع تجارب شعرية مجايلة، وتجربة حياتية ممتعة ونافعة للشاعر، ومن باب آخر هي جسر للناس فهي جاذبة للجمهور أيضاً .
ما رأيك في الصوت الشعري النسوي في المشهد الثقافي العراقي؟
ـ على الرغم من كل ما يحيط بالمرأة الشاعرة في مجتمعنا من ضغوطات وأقاويل ومضايقات وتغييب إلا أنَّ الشاعرة العراقية أثبتت بصمتها الجميلة في لوحة الثقافة العراقية، وقد ظهرت وتظهر يوماً بعد آخر مواهب ناضجة على مدى الخارطة العراقية تستحق الإشادة والتقدير والقراءة.
ما رأيك بتأثير التكنولوجيا ومواقع التواصل الإلكتروني على الشعر والشاعر، هل كان دورها سلبياً أم إيجابياً؟
ـ لن أضيف جديداً إذا قلت إنَّ مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدّين، لكنَّه في الغالب خدم الشعراء كثيراً، وقصّر المسافات البعيدة، وأتاح للشاعر فرصة التواصل مع المؤسسات الثقافية، والشعراء الآخرين، والأهم الوصول إلى القراء والمتذوقين.
لكني في أحيان كثيرة أشكر الله على عدم إتاحة هذا الباب لنا في البدايات، حين كانت النصوص غِرة، تشوبها الهفوات، ويعتريها الضعف والركة، فالبدايات البسيطة أو الأولى غالباً ما تكون غير صالحة للنشر، وسهولة النشر هذه فخ كثيراً ما تسقط فيه المواهب الشابة، وعليهم الحذر منها.
كلمة أخيرة..
ـ للقارئ الذي بلغ هذا السطر من حوارنا تحية كبيرة، فقليل في زماننا من يتقصى الشيء حتى آخره ولا يكتفي بالعناوين، ولك سيدتي الشكر الجزيل لاستضافتي في هذه المساحة.
****
الشاعرة في سطور
إسراء محمد رضا العكراوي
ولدت عام ١٩٨٤ في مدينة كربلاء المقدسة، وتقيم في محافظة النجف الأشرف.
حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من كلية الآداب/ جامعة الكوفة.
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.
شاركت في العديد من المهرجانات والفعاليات والمسابقات الأدبية، وحاصلة على جوائز وشهادات تقديرية.
-عملت محررة ومصححة لغوية ومعدة برامج ومقدمة في عدة صحف ومجلات محلية وقنوات إذاعية وتلفزيونية.
– كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة والتقارير الصحفية وساهمت في عدد من المجلات والصحف داخل العراق وخارجه.
كتبت مجموعة من البحوث نشر بعضها في مجلات محكمة، وشاركت في عدة ندوات ومؤتمرات بحثية.
تعمل الآن تدريسية لمادة اللغة العربية في كلية اللغات/ جامعة الكوفة.
– صدر لها :
* (شعر أبي المجد النجفي الأصفهاني دراسة موضوعية فنية)، إصدارات العتبة العلوية المقدسة/ النجف الأشرف، ٢٠١٢م
* (يحق لي) مجموعة شعرية، دار فضاءات للنشر والتوزيع / عمّان ، عام ٢٠١٣م.
*(لم تُنكر خطيئتها) دار الشؤون الثقافية/بغداد ، عام ٢٠٢٠م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى