حوار

الشاعر جليل خزعل والإعلامية الأديبة نادية الدليمي.. وجهًا لوجه

عالم الثقافة | بغداد

  • أن تصبح كاتباً للأطفال يجب أن تكون طفلاً حقيقياً
  • أحرص كثيراً على إشاعة ثقافة المحبة والتسامح ونبذ العنف

 

       جليل خزعل شاعر وكاتب وباحث مختص في أدب وثقافة الطفل..ولد في بغداد عام ١٩٦٠، أصدر أكثر من 80 كتاباً للأطفال،كما كتب عشرات الأغاني والمسرحيات وأفلام الرسوم المتحركة والمسلسلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية للأطفال،بدأ اهتمامه منذ الصغر بأدب الطفل متلقياً شغوفاً لكل ما يقع في متناوله من كتب وقصص ومجلات ثم ما لبث أن دخل في ميدان الكتابة ليصبح اسماً لامعاً ومتفرداً فيه كرس جهده وعطاءه ليرى السعادة تغمر الأطفال حاملاً رسالته لتقديم كل ما يسعد ويفيد الطفل ويثري لغته وينمي لديه الحس الجمالي جاعلاً من الأدب الوسيلة للوصول بشخصية الطفل إلى التكامل الإنساني.


  • للاقتراب من تجربته الأدبية والإنسانية كان لنا معه هذا الحوار :

*كيف بدأت تجربتك في الكتابة، وما الذي دفعك للتخصص في أدب الطفل؟
ـ في الحقيقة لم أكن أخطط، لأن أصبح كاتباً للأطفال، على الرغم من ولعي بمطالعة مجلات الأطفال في طفولتي، المصادفة وحدها قادتني إلى هذا الميدان؛ ففي منتصف السبعينيات من القرن الماضي بدأت خطواتي الأولى في النشر، فكنت أكتب الخاطرة والقصيدة والقصة للكبار. ونشرت في أغلب الصحف والمجلات المحلية وقتها..كانت هناك مجلات وملاحق للأطفال في الصحف اليومية في سبعينيات القرن الماضي، وقد جربت أن أرسل إحدى القصائد، فكانت دهشتي كبيرة عندما نشرت سريعاً، وكان التلفزيون يخصص برنامجاً لقراءة الصحف اليومية، وقد تمت قراء قصيدتي ضمن البرنامج، وسمعها الكثيرون، ونالت استحسانهم، الأمر الذي شجعني على تكرار المحاولة مع قصيدة أخرى، ونشرت أيضاً، حتى أصبحتُ من الكتاب المتخصصين في هذا النوع من القصائد، ومن حسن حظي أنَّ الفنان الكبير حسين قدروي قد أعجب بإحدى قصائدي ولحنها للتلفزيون..ثم تم اختيار قصيدتين من قصائدي للأطفال، لتكونا ضمن المناهج المدرسية للمرحلة الابتدائية وبالتحديد في كتابي المطالعة للصف الثاني، والصف الخامس الابتدائيين. وصارت نصوصي تُدَرَّس وتلحن، ويرددها أطفال العراق من أعالي الشمال إلى أقصى الجنوب. الأمر الذي شجعني كثيراً، وجعلني أواصل الكتابة، وأتخصص شيئاً فشيئاً في الكتابة للأطفال..


*ما الذي تحرص على أن تقدمه للطفل في قصائدك وقصصك؟
ـ رسالتي هي أن أجعل الطفل سعيداً، وأن أقدم له كل ما يسعده ويفيده، ويثري لغته، وينمّي لديه الحس الجمالي. والشعور الوطني، ومبادئ التربية الصحيحة. أحرص كثيراً على إشاعة ثقافة المحبة، والتسامح، ونبذ العنف والكراهية. ولذا تعمدت أن تحمل كتبي العناوين الموحية والمشجعة على هذه المفاهيم ومنها (كلمات نحبها)، (أفعال نحبها)، (أحب وطني) (أحب مدرستي)، (أحب أسرتي). (أحلى نشيد)، (كرخ ورصافة)، (الأميرة بغداد).

* كيف توازن بين المتعة والتسلية والمعلومة في ما تكتبه للطفل؟
ـ أدب الأطفال أدب وظيفي يجب أن يقوم بوظيفة معينة ، ومنها ما ذكرت في سؤالك. أنا أقدّم المتعة والتسلية والمعلومة الصحية والنافعة بطرق غير مباشرة في أغلب نصوصي الشعرية والقصصية وحتى التعليمية الصرف، اللغة السهلة والأسلوب المناسب، والطرافة والتشويق مهارات يجب أن يمتلكها كاتب الأطفال لكي ينجح في هدفه. وهذا ما أحاول أن أنشده في عملي دائماً.
* هل تعتمد على الرسوم في دعم الفكرة لإثارة فكر الطفل وخياله وجذبه للتفاعل مع ما تكتبه؟
ـ الصورة قبل الكلمة في ثقافة الطفل، وهي تلعب دوراً مؤثراً في إغناء النص وتقديمه إلى الطفل. لكن ليس كل الرسوم تؤدي هذه الوظيفة، فبعض الرسامين للأسف يسيء للنص أو يقتله أحياناً. وبعض الرسوم تكون إضافة حقيقة وملهمة تساعد كثيراً، هذا الأمر يعتمد على ثقافة الرسام وموهبته. أتدخل كثيراً في الرسوم المصاحبة لنصوصي وأقترح على دور النشر بعض الرسامين المبدعين الذين أثق بقدراتهم من أجل نجاح المهمة في الحدود التي يسمح لي بذلك.، ولكن ليس في كل المرات يتاح لي هذا الأمر.. الرسم والتصميم والطباعة ونوعية الورق وحجم المطبوع كلها عوامل تساعد في نجاح العمل الموجه للطفل.


* مراعاة المرحلة العمرية للأطفال أثناء إنشاء النص واختيار المفردة التي تناسب مستواهم الفكري والمعرفي هل يعتبر قيدا يحد من حريتك في الكتابة؟
ـ كاتب الأطفال يجب أن يعرف خصائص الطفولة، وأن يكون موهوباً في هذا الميدان، له القدرة على مخاطبة الفئة العمرية التي ينوي الكتابة لها. يعرف القاموس اللغوي للطفل في كل مرحلة عمرية، يحترم ذكاء الطفل وخياله الواسع، لكي يكون نصه مقنعاً للطفل..هذه أمور من بديهيات العمل في ميدان ثقافة الطفل عموماً..لا تحد كثيراً من حرية الكاتب، وإنما ترسم له حدود المضمار الذي يتحرك فيه. والكاتب الماهر والموهوب هو الذي يبدع ضمن هذه الحدود المرسومة له بدقة.
* برأيك كيف ينجح أولياء الأمور في إقناع أولادهم بثيمة القراءة وأهمية الكتاب مع وجود الهواتف النقالة وألواح التابلت والآيباد وسواها؟
ـ أطفال اليوم مختلفون عن أطفال الأمس وهذا يوجب أن يكون الخطاب الموجه لهم مختلفاً عن خطاب أطفال الأمس، وكذلك الوسيط الذي ينقل لهم هذا الخطاب. على الرغم من احتفاظ الطفولة بسماتها العامة المشتركة.. اختيار الكتاب المناسب من أولى مهمات أولياء الأمور في هذا الجانب. ووجود مكتبة في البيت والمدرسة، واصطحابهم إلى معارض الكتب والفعاليات الثقافية يساعد كثيراً في هذا الأمر.

* حدثنا عن مشاركاتك الأخيرة في معارض الكتاب، ومدى التفاعل مع المنتج الورقي بالنسبة للأطفال بشكل خاص؟
ـ الحمد لله اشتركت في أكثر من معرض للكتب داخل العراق وخارجه هذا العام ومنها معرض الكتاب في اللاذقية في سورية، ومعرض بغداد الدولي للكتاب، ومعرض كربلاء لكتاب الطفل، ومعرض النجف. وأقمت أكثر من حفل توقيع لكتبي، ووجدت تفاعلاً كبيراً من قبل الأطفال وأولياء الأمور، وهذا مؤشر جيد على أهمية الكتاب الورقي وعدم انحسار دوره أو تراجعه أمام وسائل الاتصال الأخرى كما يشاع. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الصور والأفلام والتغطية الإعلامية لهذه النشاطات.
* ما هي الروافد التي تستقي منها أفكارك في الكتابة؟
ـ الأطفال أنفسهم وعوالمهم المدهشة أكبر مصادري للكتابة، بعدها تأتي الطبيعة بما تحويه من كنوز غنية، ومادة خصبة لإلهام كل كاتب. وفي الأعمال التراثية أستعين بالمورث الشعبي، وحكايات الجدات بعد أن أشذبها من كل السلبيات وأقدمها بطريقة عصرية تناسب طفل اليوم. كم أعتمد على خلفيتي العلمية وتخصصي في دراسة علم الأحياء في تقديم المادة العلمية في كثير من الأحيان.
* فتحت الترجمة الأبواب أمام الثقافات للتلاقي والاندماج والتأثر، برأيك، هل ينجح ذلك في أدب الطفل؟
ـ بداية أدب الأطفال في الوطن العربي كانت مع الكتب المترجمة، وتأثر الرواد بأعمال الشاعر الفرنسي لافونتين..لقد اطلعنا على تجارب كثيرة متطورة بفضل الترجمة وهذا ما نفعنا كثيراً في مراحل لاحقة..وكان لدار ثقافة الأطفال دور مؤثر في هذا الجانب في العقد الثمانيني والتسعيني من القرن الماضي. كما أنَّ ترجمة الأعمال العربية إلى لغات العالم المختلفة مفيد جداً بالتعريف بما نقدمه للطفل.
* ما الذي يميز الكاتب المختص بأدب الطفل عن غيره من الكتاب، وما هي مقومات الكتابة الموجهة للطفل؟
ـ مقومات الكتابة الأدبية سواء كانت للكبار أو الأطفال تكاد تكون واحدة، لكن اختيار الموضوعات ورسم الشخصيات ، وخلق الأجواء وأسلوب التناول يختلف بعض الشيء، كونها تخضع لضوابط خاصة، تراعى فيها حاجات الطفل وقدراته ومستوى نموه. أدب الأطفال يمتاز بالبساطة والسهولة وهو أدب خيالي يعتمد على الخيال الذي يعد سلاح كاتب الأطفال الناجح، كما يمتاز بالطرافة والمرح والفكاهة المحببة..كاتب الأطفال يجب أن يعرف خصائص الطفولة، وأن يكون موهوباً في هذا الميدان، له القدرة على مخاطبة الفئة العمرية التي ينوي الكتابة لها. يعرف القاموس اللغوي للطفل في كل مرحلة عمرية، يحترم ذكاء الطفل وخياله الواسع، لكي يكون نصه مقنعاً للطفل

* لماذا يحجم الكثير من الأدباء عن الكتابة للطفل؟ والمرأة بشكل خاص؟ ـ ضمن أي حدود يجب أن نتحدث عن أدب الأطفال؟ هل كل من كتب نصاً – يعتقد هو نفسه أنه يصلح للأطفال- نعدّه أديباً للأطفال؟ و نحكم على مستوى أدب الأطفال في بلدنا على أساس ما قدم هذا الكاتب وأمثاله؟
هناك الكثير من الواهمين الذين يكتبون نصوصاً ساذجة جداُ، معتقدين أنهم يكتبون للأطفال، وقد حسبوا على لائحة أدباء الأطفال عندنا مع الأسف الشديد..كما حاول كثير من الأدباء الدخول إلى هذا الميدان دون أن تكون لديه الأسلحة المناسبة والمهارات الخاصة، لذلك لم ينجح، وبعضهم أصر على البقاء دون أن تكون له موهبة تسعفه فكان مجرد اسم بلا طعم ولا رائحة..أن تصبح كاتباً للأطفال يجب أن تكون طفلاً حقيقياً. تمتلك خيالاً واسعاً وأسلوبا مرحاً وبريئاً، وصفاء ذهن وصدق وبراءة في التعامل مع الظواهر وتفسير المواقف..لا توجد لدينا شاعرات مميزات للأطفال ، ولا أعرف السبب، لكن توجد كاتبات قصة ورواية.
* هل يعاني أدب الطفل من التهميش والانزواء في مكان قصي من المشهد الثقافي؟ وهل يشهد تراجعا في مكانته عما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات، ولماذا؟
ـ لقد تجاوز أدب الأطفال في العراق وفي بلدان عربية كثيرة مرحلة البدايات والتأسيس، وحصل على شهادة الاعتراف به بامتياز من قبل المتابعين، وقدم أسماء لامعة لفتت الانتباه إليها بقوة. فصار الدارسون يتناولون هذا النمط من الأدب بالبحث والدراسة وتخصص له مناهج ومفردات في الجامعات والمعاهد. ويحصل العشرات من الطلاب على شهادات الماجستير والدكتوراه فيه سنوياً. وتخصص له جوائز مرموقة في أكثر من بلد عربي .
لكن هذا الاهتمام لا يرقى إلى أهمية دور كاتب الأطفال في الحياة الثقافية. وما زال كاتب الأطفال منزوياً بعيداً عن المشاركات الحقيقية في الفعاليات الثقافية الكثيرة، ومحروماً من الشهرة والفرص التي يحصل عليه زميله كاتب الكبار.

* ما وظيفة أدب الأطفال اليوم بعد الاختلاف الذي أحدثته العولمة في تكوين الطفل ومفاهيمه؟
ـ ازداد الاهتمام بأدب الأطفال مؤخراً، ولكن المفارقة أننا لم نعد نقرأ أدباً حقيقياً، صرنا نقرأ كلاماً سطحياً ونصوصاً مقتبسة من هنا وهناك، صار الهم التجاري هو السائد، وليس الأدب الحقيقي. لذلك لم نعد نقرأ أعمالاً متميزةً إلا فيما ندر وسط هذا الركام من المطبوعات الصادرة في البلدان العربية، والتي لم تعد تخضع لرقابة وتدقيق جادين كما كان الوضع قبل عهدين أو أكثر، فصار أطفالنا يتلقون سيلاً من الإصدارات التي تتسم بالضعف أحياناً وبالركاكة وبالأخطاء الفادحة تربوياً وفنياً. النشر الإلكتروني، وكثرة دور النشر الخاصة، وازدياد أعداد الكتب والجوائز الخاصة بكتب الأطفال عوامل شجعت كثيراً من الطارئين على دخول الميدان بدون مؤهلات حقيقية. وأسهمت في تراجع مستوى أدب الطفل عربياً. وهذا ما قلته في أكثر من مناسبة ولقاء أجري معي.
* بصفتك المسؤول عن إدارة قسم أدب الطفل في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، هل تقوم المؤسسة بدورها في دعم أدب الطفل والحرص على ديمومة ازدهاره؟
ـ وجود نادي أدب الطفل في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق خطوة جيدة، لكنها ليست كل شيء، هناك تقصير كبير في هذا الجانب. وما زلنا بحاجة إلى دعم وتشجيع مستمر، لكي ننهض ونطور ثقافة الطفل..ما يقدم من دعم لأدب وثقافة الطفل لا يقارن أبداً بما هو عليه في الغرب، ثقافة الطفل مكلفة مادياً عادة، وتحتاج إلى مؤسسات رسمية راعية..كاتب الأطفال في الغرب يستفيد من دعم المجتمع مادياً ومعنوياً، ويحقّق شهرة تفوق كاتب الكبار في كثير من الأحيان. حيث توجد هناك لهذا النوع من الأدب مراكز بحوث متخصصة تقدم الدراسات الرصينة التي تعين الكاتب على معرفة جمهوره نفسيّاً وعضويّاً. وتضع بين يديه إحصائيات دقيقة تتعلق بالقواميس اللفظية لهذا الجمهور حسب المراحل العمرية.
* كلمة أخيرة.
ـ اهتموا بالطفل فهو ثروتكم الحقيقية. وهو مستقبلكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى