حوار: الشاعر مهند ناطق الحديثي مع الكاتبة الصحفية نادية الدليمي
المشهد الثقافي يمتاز بعمق التجربة التاريخية فهو نتاج إبداعات وأفكار جيل متميز
عالم الثقافة | بغداد
الشعر والجمال سيبقيان وإنْ كثر شانئوه
الشعر فضاؤه الرحب الذي حلق فيه رغم عمله في مجال بعيد عنه وهو الهندسة المدنية، حفظه للقرآن وإتقانه فنون اللغة مع رهافة الشعور شكّلت منه بيئة خصبة للإبداع تجربته الشعرية غنية ومثمرة ومشروعه الأدبي مستمر بجدية يؤسس له بفاعليته الدؤوب في المشهد الثقافي ومواكبته للحراك الأدبي ليكون ضمن أهم الأصوات الشعرية في قضاء حديثة من محافظة الأنبار، له مجموعتان شعريتان (مزامير الليل) و( في بغداد لي قمر) وشارك في العديد من المهرجانات المحلية والعربية كما ساهم في إعداد وتقديم برامج إذاعية تهتم بالشعر والشعراء في محافظة الأنبار.
حدثنا عن البداية، من الذي وجّه بوصلة اهتمامك نحو الشعر؟ وما العوامل التي هيأتك للمضيّ في هذا المسار؟
– البداية مع الشعر كانت مبكرة في مرحلة الدراسة المتوسطة بمحاولات ما زالت تحتل مكاناً في الذاكرة رغم بعدها الزمني… أما التوجه فربما كان للكم الهائل من أمهات الكتب التاريخية والإسلامية التي كانت قراءاتي الأولى في أيام الدراستين الابتدائية والمتوسطة تجوب ساحاتها من مكتبة الوالد والخال في تلك الأيام وما تحفل به من أبيات الشعر العربي الخالدة… وهيأ لذلك معرفة واتقان لفنون اللغة جاءت حينها مع قراءة وحفظ القرآن الكريم بأسلوب (الكتّاب ) في سن مبكرة..
ما الأمور التي يكاد يكون لوجودها صفة الهوية في نصوصك؟
– إنْ كان من صفة هوية تقنية تكاد تلمح في نصوصي الشعرية على امتداد سنواتها فهي التناص بشكل عام والتناص القرآني بشكل خاص.. وللأديب الشاعر الباحث طلال سليم آل جعفر بحث ماتع في ذلك… أما الصفة المعنوية التي لا تكاد تفارق النصوص فهي الحزن… ولعلَّ للظروف التي عاناها ويعانيها هذا البلد الصابر أثراً في ذلك.
الشعر والشاعر أيهما يهيمن على الآخر؛ من منهما المالك ومن هو المملوك، كيف تصف لنا العلاقة بينك وبين نصك؟
ـ برأيي إذا هيمن الشعر على الشاعر ظهرت الشاعرية وإذا هيمن الشاعر على الشعر تغلب النظم… أما علاقتي مع النص فهي علاقة إرغام وضغط يمارسه النص عليَّ ليظهر ويكون.
للشعر مكانته العالية، ولكن يقال أحيانا (إنَّ هذا زمن الرواية)، برأيك؛ هل الشعر يحتاج إلى بيئة صالحة لوجوده، أم أنه قادر على استصلاح البيئة بوجوده؟
– بدايةً اختلف مع من يقول إنّ الزمن زمن الرواية بل إنني أرى أنَّ الرواية – على ما حازته من تطور وإبداعيات متفردة في التقنيات السردية – تمر بحالة مظلومية سوداء سببها الرئيس استسهال كل من هب ودب لكتابتها وإقحام بعض الفنون عنوة إلى ميدانها… أما مايخص بيئة الشعر فإني أرى أنَّ الشعر العربي قادر ومتمكن على خلق بيئته المناسبة والإبداع ضمنها رغم الصعوبات.
ما رأيك في شيوع ظاهرة التغميض والإيهام والترميز واللامباشرة في النظم؟ وهل يتحمل العمود هذه الخصائص؟
– ما زاد عن حده انقلب إلى ضده… غير أنَّ بقاء المباشرة والسطحية في الشعر عموماً والعمود خصوصاً يحرم النص جلاله والمتلقي لذة الاكتشاف والبحث.
بماذا تفسر إحجام النقد عن تناول النص العمودي بالبحث والتحليل ؟
– أزمة النقد أزمة عامة لا تقتصر على النص العمودي… غير أنَّ هذا الإحجام – إنْ كان عامداً البعد عن العمود – ناتج عن قصور اطلاع على المتجدد منه والمتميز فيه… ولدعاة الحداثة في النقد خوف اتهام بالكلاسيكية ينحو بهم بعيداً عن النصوص العمودية الرائعة التي تستوجب المزيد من الإنصاف والاهتمام.
كيف تقوّم المباريات الشعرية؟وهل تعود بالطائل المرتجى على الشعر والشاعر برأيك؟
– لست في محل تقويم هذه المسابقات وبرامجها غير أنَّ أغلبها تشوبها شوائب صارت مشهورة في الوسط الثقافي وقد أشبعها روادها قبل متابعيها نقداً وتمحيصاً. ولعلَّ من بعض فوائدها أنها أوصلت بعض الأصوات إلى المجتمع فكانت وسيلة للتعرف إليهم في زحمة الضجيج الإعلامي الحالي.
إلامَ تعزو تراجع دور الشعر والشاعر في المجتمع وتأثيره في قضاياه ؟
– يمكن أن نعزو ذلك إلى أمرين … أولهما… المسافة الشاسعة بين اللغة والمحكية… إذ إنَّ بوناً شاسعاً يقف بين اللغة العربية بمفرداتها وقواعدها وندرة استخداماتها التي باتت تقتصر على الرسمية أغلب الأحيان والمحكية ببساطتها وكثرة تداولها وانتشارها مما شكل عائقاً للتواصل والتأثير الفعال للشعر باللغة العربية الفصحى على المجتمع… والثاني… توسع وانتشار الأساليب الإعلامية الحديثة بدءاً بالتلفاز ومروراً بشبكات التواصل ووصولاً إلى أدوات الذكاء الصناعي الموجهة التي احتلت مكان الشعر في القبيلة قديماً وحدت من تأثيره في المجتمع ..
هل نالت تجربتك الشعرية حقها في التقويم ، وحظها في الدراسة والبحث؟
– أنا شخصياً راض تمام الرضا عما نالته وتناله تجربتي في الشعر من مكاسب. وأحسب أنَّ أغلى ما تبتغيه من الالتفات والاهتمام أن لا تغيب أو يغيب بعضها من ذاكرة صديق أديب .. وآمل أن يتكفل القادم بمزيد معاينة ودراسة لها إنْ شاء الله تعالى.
هل ساهمت الشبكات الإلكترونية في دعم المشهد الشعري وتأمين الرواج للمنتج الأدبي؟
– نعم… وبشيء من التفصيل فإنَّ هذه الشبكات والمواقع قربت ما كان بعيداً وأظهرت ما كان مخفياً، وجعلت التواصل والانتشار أكثر وأسهل للشاعر من ذي قبل… غير أنها – ما دامت تدار بأيد وعقول بشرية – ظلت محتفظة بطبائع وتطبع الإنسان وبدت فيها واضحة (عين الرضا) من (عين السوء)…وميزان ذلك أن تقيَّم تلك الشبكات والادارات بمديريها والقائمين عليها… لتصبح محل تمييز وترويج للمنتج الأجمل .
الإنسان جزء لا يتجزأ من البيئة، فهل أثرت البيئة التي نشأت فيها على تجربتك الشعرية؟ وهل انعكست ملامحها على نصك؟
– لاشك أنَّ للبيئة أثرها الواضح على النص الشعري… وأن تنشأ بين جنبات الفرات وعلى شواطىء جماله الأخاذ وأنين نواعيره التي تدور كأفلاك السماء أمرٌ يحفز حواسك ويطلق خيالك نحو الجمال والكمال… ولا يخلو نص من لمحة جمال للطبيعة أو صوت طائر يشدو وسط هذا الجمال فيعيد للروح وللقلب ذكريات طفولة وشباب طالما أدمنت فيها شاعرية طبيعية تطغى وتظهر على أديم النص الشعري…
كيف يمكن الحد من تأثير النكبات السياسية والأمنية على البيئة الثقافية وحمايتها من التلوث بمخلفات هذه الأزمات؟
– هذا أمر لابدَّ أن يؤخذ بنظر الاعتبار والاهتمام من المجتمع كافة… ولابدَّ من أن يتظافر جهد مؤسساتي لحماية المشهد الثقافي وأهله من هذه النكبات والأزمات … وعندما نقول ( مؤسساتي) فاننا لا نعني المؤسسات الرسمية فحسب – وإنْ كانت في مقدمة الجهد ورائدته – بل نتعدى بذلك إلى النقابات والهيئات الاجتماعية القومية والدينية وغيرها متحدة لايجاد النقاء والصفاء لهذه البيئة المهمة وإزالة أدرانها واظهارها بالمظهر الأمثل .
قصيدة النثر، هل ترى أنها تمكنت من تأسيس المكانة الفاعلة لنفسها في المشهد الشعري؟
– قصيدة النثر تطور طبيعي لخط إبداعي يبدأ من العمود مروراً بالتفعيلة… وقد نالها ما نال الرواية من حيف واستسهال كما ذكرت سابقاً …غير أنَّ النصوص الناضجة من قصيدة النثر تمكنت من أن تحتل مكانتها وتصل إلى المتلقي بأبهى صورة رغم أنها لاقت في ذلك مخاضاً عسيراً…
والقارىء الممحص للتراث العربي يجد في ثناياه نصوصاً نثرية بلغت من الشعرية ما بلغت وما مواقف ( النفري) عن المتتبع ببعيدة على سبيل المثال لا الحصر…
كيف تصف المشهد الثقافي والأدبي في حديثة؟
– المشهد الثقافي الحديثي يمتاز بعمق التجربة التاريخية فهو نتاج إبداعات وأفكار كانت لجيل متميز عاش القرن الميلادي الفائت، وأبدع فيه في شتى مجالات الثقافة والأدب، وأثبت نفسه على خارطة الإبداع العراقية.. غير أنَّ أكثر ما يقلقني ويؤرق ليالي ترقبه خلوه للأسف من المبدعين الشباب من شعراء وأدباء ولعله قد أصابه ما أصاب الكثير من المجتمعات من تأثيرات سلبية ديمغرافية واجتماعية حادت به عن طريق الابداع الى غيره..
كلمة أخيرة..
– اؤمن تمام الإيمان أنَّ الشعر والجمال سيبقى، وإنْ كثر شانئوه