بقلم: علي جبار عطية | رئيس تحرير جريدة أوروك
فُتح لي كنزٌ من الحكايات اختلط فيها الواقع بالأوهام خلال زيارتي الأسبوع الماضي إلى مدينة الناصرية جنوبي العراق على مسافة نحو ٣٨٠ كيلومتراً من بغداد. جاء ذلك بالتزامن مع حصول عدة حرائق في قريتين من قرى المدينة نُسبت إلى قوى غير مرئية هي الجن، أو بالتعبير العراقي (الطناطل) !
كانت الزيارة وحوادث الحرق فرصة كشفت مستوى التفكير عند شريحة واسعة من الناس الذين يتجاوز عددهم المليون وخمس مئة ألف نسمة يسكنون في تلك البقعة من الأرض التي شهدت أولى الحضارات القديمة، ونشوء الدولة السومرية وعاصمتها أور، وتقوم حالياً عشر بعثات آثارية عالمية بالتنقيب فيها عن ألف ومئتي موقع آثاري تحت الأرض .
أما ملخص الحكاية ـ حسبما أوردتها وكالة (شفق نيوز) ـ فقد شهدت قرية آل شجان بقضاء الغراف، وقرية آل نياز وسط مدينة الناصرية في محافظة ذي قار الأسبوع الماضي حوادث حرائق نُسبت إلى الجن فيما قال مدير الدفاع المدني في ذي قار العميد صلاح مهدي :إنَّ التحقيقات الأولية للجنة التحقيقية المشكلة بالتنسيق مع مركز شرطة الإصلاح رجحت أن تكون جميع تلك الحوادث دُبرت بفعل فاعل !
وقد شهدت قرية آل شجان اندلاع سبعة عشر حريقاً خلال أقل من عشرين يوماً بظروف غامضة، فيما بقيت فرق الدفاع المدني عاجزة عن تفسير هذه الحرائق، إذ بقيت مناوبة هناك عدةُ أيامٍ، وهي تشاهد الحرائق تشتعل دون أي سبب يذكر.
ويقول أحد وجهاء القرية، وهو الشيخ نزار آل شجان : إنَّ ما حصل لدينا لم نستوعبه لغاية الآن، فإنَّ قريتنا التي يسكنها نحو ألفي نسمة، شهدت الفترة الماضية وخصوصاً في شهر محرم الحرام حرائق بالجملة، وأثارت الهلع لدينا، وأنَّ الاهالي استعانوا بأحد الأشخاص الروحانيين لتفسير الحالة،فطلب منهم دفع مبلغ خمسة ملايين دينار عراقي (نحو ثلاثة آلاف وثلاث مئة دولار أمريكي) لتخليصهم من الجن المنتقم منهم؛ لأنَّ بعض الأهالي أحرق مكان الجن الخاص به في المنطقة.
رفض الأهالي دفع أي مبلغ، وتطوع عدد من السادة من أهالي قضاء الشطرة بالقيام بالمطلوب، وردوا شر الطناطل ، وتوقفت الحرائق.
أما قرية آل نياز وسط مدينة الناصرية فقد شهدت هي الأخرى عدة حرائق دون معرفة أسبابها، وبعد زيارة أحد الروحانيين لها، أكد لهم أنَّ شيخ عشيرة الجن، يطالب بتعويض هو شراء مكان له في محافظة كربلاء المقدسة، مقابل إنهاء ملف الحرائق في القرية، بعد تعريض مكانه الحالي في القرية للاعتداء من قبل أهلها .
وقد استنفرت مديرية الدفاع المدني جميع كوادرها، ونصبت مفرزة مرابطة في داخل القضاء استعداداً لأي طارىء.
السيناريو نفسه حصل قبل خمس سنوات فقد حدثت حرائق مماثلة في قضاء الإصلاح شرقي محافظة ذي قار.
وقال قائم مقام قضاء الإصلاح علي حسن رداد وقتها: إنَّ إدارته أعلنت استنفاراً تاماً خلال ٢٤ ساعة الماضية بسبب ٢١ حريقاً مجهولة الفاعل وقعت بأحد المناطق التي تبعد عن مركز القضاء ثلاثة كيلومترات وتسببت بإصابة ثلاثة أشخاص أحدهم بحالة خطرة جداً، وقد أستدعيت فرق من الدفاع المدني بمركز المحافظة، والقوات الأمنية التي نشرت مفارزها بحثاً عن الفاعلين.
وأضاف: إنَّ مديرية البيئة حضرت إلى مكان الحادث لإجراء الكشوفات اللازمة على الموقع الذي يُرجح أن يكون سببه وقوع المنطقة على بؤرة نفطية !
أما التفسير غير العلمي فنسب الحرائق إلى عشيرة من الطناطل انتقاماً من مقتل زعيمهم !
وقيل وقتها: إنَّ مفاوضات جرت بين أهالي قرية الرويمي وعشيرة الجن أفضت إلى مهلة (عطوة) أمدها خمسة أيام، وحين انتهت رفضت عشيرة الجن تمديد (العطوة) .
ويقال: إنَّ الانتقام بالحرائق يعود إلى أنَّ كلباً ميتاً أُحرقه بعض الأهالي تسبب بوفاة زعيم الطناطل، وأنَّ بعض الروحانيين الذين جاءوا إلى القرية لاذوا بالفرار بعد تجمع نحو ألف طنطل، مدعين أنهم سيحترقون بعملهم، وأنهم غير قادرين على السيطرة على هذا العدد الكبير، وما عليهم سوى هو انتظار ما ستسفر عنه مباحثات عشيرة الجن في ما بينهم لاختيار زعيم جديد لهم، وهو من سيأمر بإيقاف عملية الحرائق أو استمرارها !
لكنَّ الحرائق لن تتوقف وستتكرر؛ لأنَّ المنطقة غنية بما تحتها من الذهب الأسود والذهب الأبيض، فضلاً عن اللقى الآثارية، وقد يكون هناك مَنْ يدفع الأهالي إلى ترك أراضيهم أو بيعها بأبخس الأثمان ليظفر بها، ويضرب ضربة العمر في الثراء، ولو على حساب وجود الناس وممتلكاتهم،وإنْ صح ذلك فهذا هو قمة السقوط والانحطاط الذي لا يعالج بمرابطة فرق الدفاع المدني، ولا بانتشار القوات الأمنية إنّما بتكثيف الحملات التوعوية والتثقيفية فنور المعرفة الحقيقية كفيل بطرد أشباح الظلام، ومَنْ يقف خلفهم