تاريخ

” سلطان دولة الفلبين الإسلامية” (لابو لابو)

الكاتبة – شيرين أبو خيشة | القاهرة 

” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”

من سلطان المسلمين في الفلبين لابو لابو إلى القس البرتغالي ماجلان وصلني تحذيرك الذي تطلب فيه منا باسم المسيح أن نسلمك أرضنا لزعمك بأن العرق الأبيض أحق وأولى بأرضنا منا أما أنا فأقول لك باسم اللَّه. . . إن الدين للَّه وإن الإله الذي نعبده نحن المسلمون هو إله جميع البشر على اختلاف أعراقهم وألوانهم فتقدَّم إلينا يا كلب الصليب
قرأت كتابًا تاريخيًا وأنا في مرحلة الصِّغر يتحدث عن المستكشف البرتغالي فرديناندو ماجلان الذي كان أول من اكتشف أن الأرض كروية فاستطاع أن يعبر بسفنه مضيقًا يقع بين أمريكا الجنوبية وجزيرة أرض النار سمُّي بعدها باسمه ليصل بعدها للمحيط الهادي قبل أن يقتله فلبيني من آكلي لحوم البشر في جزر الفلبين لتنتهي بذلك حياة ذلك الرحالة البرتغالي أذكر حينها جيدًا أنني تأثرت بقصة هذا المستكشف البرتغالي أما الآن وبعد هذه السنين أدركت جيدًا كم كنت أحمقًا في حينها. 
فالذي لم تذكره كتب التاريخ العربية والغربية على حد سواء أن ذلك المستكشف البرتغالي الشجاع لم يكن سوى قسيسٍ صليبيٍ لص هرب من كنيسته في البرتغال بعد أن اكتشف الناس هناك سرقاته الهائلة من فقراء النصارى ليتوجه إلى الملك الإسباني الذي كان عدوًا للبرتغال ليصبح ماجلان جاسوسًا على بلده البرتغال قبل أن يساهم في سفك دماء المسلمين في محاكم التفتيش الإسبانية ومن ثم يتوجه للمغرب لقتل الفارين من المسلمين المدنيين وفي سنة ١٥١٩م قام هذا القسيس اللص بعقد صفقة خبيثة مع ملك إسبانيا يقوم ماجلان بموجبها بالهجوم على ديار المسلمين الآمنة عن طريق الشرق ليعمل على تنصير المسلمين بقوة النار في الفلبين
وفعلًا وصل هذا المنصر المسيحي إلى الفلبين سنة ١٥٢١ م ليسرق أموال الأهالي الآمنين فيها وليغتصب جنود هذا القسيس المسيحي نساء الفلبين عندها قاومهم الأهالي بأسلحتهم البدائية فأضرم الإسبان النار في أكواخ السكان ليفرَّ الفيلبينيون المسلمون منهم وغير المسلمين إلى جزيرة “ماكتان” التي يحكمها حاكمٌ مسلم اسمه لابو لابو رفض التسليم لماجلان على الرغم من أن ملوك الجزر الفلبينية الأخرى استسلموا لهذا القس الصليبي فأدرك ماجلان أنه أمام نوعية أخرى من البشر هذه النوعية هي نوعية المسلمين الذين نضالوا جيدًا في الأندلس والمغرب، كان ماجلان قادرا على مخاطبة القبائل الأصلية بواسطة خادمه انريك الملايو الأصل القادر على فهم تلك اللغات فأصبح راجا هومابون سيبو حليفًا لماجلان والإسبان الذين معه واعتنق المسيحية هو وزوجته الملكة أميهان وبعد ذلك أقنع كلا من راجا سيبو وحليفه داتو زولا ماجلان بقتال عدوهما لابو لابو في ماكتان وقد كان ماجلان يرغب بتحويل لابو لابو إلى المسيحية كما فعل هومابون سيبو فاقترح على لابو لابو ذلك ولكنه رفض.
فبعث له برسالة يتوعده فيها ويقول: “إنني باسم المسيح أطلب إليك التسليم لأننا العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولى منكم بهذه البلاد فنظر هذا القائد الإسلامي البطل إلى هذه الرسالة التي تطفح بالعنصرية القذرة وقارنها برسالة السلام التي جاء بها المسلمون قبل ذلك على يد التجار العرب والدعاة القادمين من الصين وسومطرة قبل أن يسلم أهل الفلبين طواعية وليس بقوة النار كما أراد لهم الصليبيون ربما كان عداء لابولابو نتيجة فرضية لماجلان فقد اعتقد أن بنية المجتمع الفلبيني القديم هي نفسها في المجتمع الأوروبي وقد يكون هذا الكلام صحيحا في السلطات الإسلامية فى مينداناو أما هيكلة مجتمع البيسايا هو اتحاد فضفاض من  دولة مدنية  أكثر دقة وأقوى داتو في هذا الاتحاد ليست لديه إلا قوة محدودة على داتو الأخرين وإن لم تكن لديه السيطرة المباشرة على أراضي الداتو الآخرين وقد اعتقد ماجلان أن هيومابون بما أنه ملك سيبو  حسب ظنه أنه ملك ماكتان أيضا وهذا خطأ فموقع ماكتان المقسمة بين لابولابو وزولا كانت لها أهمية بحيث يمكنها اعتراض السفن التجارية التي تدخل ميناء سيبو الخاضعة لهيومابون
لذا يكون لابولابو بالواقع أقوى من هومابون نفسه أو على الأقل حاكم ماكتان بلا منازع بالإضافة إلى أن هيومابون نفسه كان متزوجا من ابنة اخ لابولابو لذلك فعندما طالب ماجلان لابولابو بالخضوع كما فعل ملكه هيومابون كان مضمون رد ه أنه غير مستعد بأن يقدم فروض الولاء والطاعة لشخص كان بالسابق قائد، هيومابون كان يهدف لدفع الأسبان لقتال عدوه لابو لابو وإن لم يشارك رجاله الذين رافقوا ماجلان تلك المعركة ولكن ساهموا في استعادة الجرحى الأسبان فأعلن لابو لابو الثورة الكبرى على ماجلان في الجزر الفلبينية. 
قام هذا القائد الإسلامي بتشكيل جيشٍ قوامه من المدنين المسلحين بالأسلحة البدائية ليحارب به أقوى جيشٍ في العالم حينها جيش الإمبراطورية الإسبانية وماأن التقى الجيشان في جزيرة “ماكنتان” الفليبينية حتى علت صيحات اللَّه أكبر من أفواه المسلمين الفلبينين هناك قبل أن يتقدم القائد لابو لابو بنفسه في ميدان المعركة.
قاد ماجلان قوة مكونة من سته آلاف جنديا إسبانيا ومابين ثلاثون من سفن الهومابون تحمل مقاتلين آتين من سيبو فوصلوا ماكتان قبل الفجر بثلاث ساعات لكن بسبب النتوءات الصخرية ووجود الشعاب المرجانية لم تتمكن السفن من الوصول إلى ساحل الماكتان بل استطاع الرسو بصعوبة على مسافة بعيدة عن الشاطئ لم تتمكن القوارب من الوصول أكثر بسبب الصخور الحادة في الماء وبقي أحدى عشر شخصاً بجوار القوارب لحراستها فاضطروا ان يواجهوا قوة من ١٥٠٠ من مقاتلي لابولابو مسلحين بالسيوف والسهام ورماح البامبووعندما وصل الجزيرة كان الأهالي قد قسموا أنفسهم على ثلاث مجاميع فعندما رأوه صاحوا صيحات مدوية مشحونة بالازدراء أعاد ماجلان عرضه على لابولابو بأنه لن يمسه بسوء إن أقسم بالولاء إلى راجا هومابون ويخضع لملك إسبانيا ويدفع الجزية ولكن لابولابو رفضها مرة أخرى وطالب لابولابو ماجلان بالقتال إلا أن المعركة لم تبدأ إلى الصباح حيث حاول ماجلان اقناع مقاتلي الهومابون بالبقاء في سفنهم وأن جنوده بأسلحتهم المتطورة ودروعهم كفيلون بإنهاء المعركة اجتاز ماجلان الشاطئ بصعوبة ومعه جنوده المدرعون ومسلحون بالحراب والسيوف والسهام وبنادق المسكيت لمجابهة رجال لابولابو وبدأ بإضرام النار في بعض المنازل القريبة من الشاطئ لتخويفهم ولكن ذلك أثار هياج وغضب المحاربون فقتلوا اثنين من الإسبان عند بدء الاشتباك وأصيب ماجلان في ساقه بسهم مسموم فطلب من رجاله التراجع فعاد أكثرهم إلا قلة بقيت لحمايته فاثار ذلك انتباه الأهالي بأنه قائد المهاجمين فتعرض لهجوم مركز وتكاثر عليه المهاجمون ،حاول أن يخرج سيفه ولكنه لم يتمكن أن يخرج نصفه بسبب إصابة ذراعه برمح خيزران فعندما رأى الأهالي هذا المشهد رموا أنفسهم جميعا عليه فضربه أحدهم رجله اليسرى بسيفه المقوس مما سبب بسقوط القائد على وجهه ثم وبسرعة تناوشوه برماح الحديد والخيزران وبسيوفهم المقوسة ولم يبرحوا حتى قتلوه، وناح جنود ماجلان قائلون “لقد قتلوا مرآتنا ونورنا وراحتنا ومرشدنا فعندما طعنوه كان يلتفت إلينا ليتأكد من ركوبنا جميعا القوارب عندئذ كانوا ينظرون إليه وهو ميت وهم جرحى وهاربين إلى القوارب التي ابتعدت عن الساحل وذلك أفضل ماستطعوا فعله حتى قتل ومعه عدد من حمايته أما الباقي فقد هرب إلى السفن التي تنتظرهم.
” وقد حاول الإسبان مقايضة جثة ماجلان ببعض مما لديهم من البضائع مع الأهالي ولكنهم رفضوا ذلك ولم يتم العثور على جثته وعندما استعاد المحاربين جثة ماجلان أمر هومابون لابو لابو بإعادة جثة ماجلان مع جثث بعض أعضاء طاقمه الذين قتلوا واعدًا بإعطائه بضاعة بقدر ما يريد مقابل الجثث ولكن لابو لابو رفض، ليقتل كل الحرس الإسباني المحيطين بالصليبي الجبان ماجلان ليقوم برفع سيفه في علياء السماء فيطيح برأس ماجلان من عنقه لينتصر المسلمون على الإسبان الغزاة وليهرب من استطاع منهم الهرب بأرواحهم على سفينة واحدة بقيت لهم ليبلغوا الملك الإسباني بخيبتهم التي حلت عليهم على يدي القائد الإسلامي الأسطورة لابو لابو، تسمم بعض الجنود الذين نجوا من المعركة وعادوا إلى سيبو في أثناء مشاركتهم في وليمة قدمها هومابون ،وقد قام هيومابون بعدها بقتل سبعا وعشرين إسبانيا عن طريق تسميمهم في مأدبة دعاهم إليهاوسبب ذلك وفقا لوقائع أجنيد أن الإسبان قاموا باغتصاب نساء الأهالي وربما يكون أيضا لمساعدة خادم ماجلان ومترجمه الملاوي إنريكي الملاكي في الحصول على حريته لأن الإسبان يرفضون إطلاق سراحه بالرغم من أن ماجلان عبر بصراحة انه سيكون حرا بعد وفاته حذر رئيس السوبوث أن الإسبان يتآمرون للقبض على الملك وتلك المعلومة أدت إلى قتلهم في المأدبة وقد بقي إنريكي في سيبو مع هيومابون في حين فر الإسبان إلى جزيرة بوهول عادت المياه إلى مجاريها بين لابولابو وهيومابون ثم قرر لابولابو العودة إلى بورنيو ومعه أحد عشر من أبنائه وزوجاته الثلاث وسبعة عشر من رجاله ولم يعرف عنه بعد ذلك شيئا خلف ماجلان خوان سيباستيان إلكانو قائدًا للرحلة وقد أمر بالمغادرة الفورية بعد خيانة هيومابون أبحر إلكانو وأسطوله غربًا وعادوا إلى إسبانيا مكملين أول استدارة كاملة حول العالم أبحرت ثلاث سفن وعليها عدد غير كاف من الرجال، مما اجبرهم على التخلى عن كونسيبسيون اما السفن المتبقية ترينيداد و فيكتوريا فقد أبحرت إلى جزر التوابل إندونيسيا حاليا من هناك انقسمت البعثة إلى مجموعتين طاقم ترينيداد بقيادة غونزالو غوميز دي اسبينوزا حاول الإبحار شرقا عبر المحيط الهادئ إلى برزخ بنما إلا أن الماء بدا بالتسرب في السفينة فخلصوا إلى أنها بحاجة إلى وقت لإصلاح الخلل وبعد إصلاحها غادرت السفينة إلى إسبانيا عبر المحيط الهادئ ولكنها وقعت في أيدي البرتغاليين وبعد ذلك دمر إعصار تلك السفينة عندما كانت راسية تحت قبضتهم أما السفينة فكتوريا فإنها أبحرت غربا إلى إسبانيا بقيادة خوان سباستيان إلكانو حتى وصلت شلوقه  في إسبانيا  تخلى كارلوس الخامس ملك إسبانيا عن جميع مطالباته بجزر الملوك إلى البرتغال في معاهدة سرقسطة ولكن مع هذا استمر استعمار إسبانيا الجديدة في الأرخبيل الفلبيني ،بعد المعركة وخروج الجيش الإسباني ، استمرت في إيفاد الحملات العسكرية إلى الجزر وكانت خمس رحلات لواسيا  وكابوت وسافيدرا  وفيلالوبوس ولجازبى وكانت حملة لجازبى الأكثر نجاحا لأنها أدت إلى استعمار الجزر إلا أن الإسبان عادوا مرة أخرى بجيوشهم الجرارة إلى شعب الفليبين المسلم لينصِّروهم بقوة النار وبالفعل تم لهم ذلك بعد ملايين الأرواح التي أزهقوها ليحوِّلوا عاصمتها من “أمان اللَّه” إلى “مانيلا” فتحولت الفليبين بذلك إلى الدولة الكاثوليكية الوحيدة في آسيا ولكنها تحولت أيضًا إلى عاصمة الدعارة العالمية ولعل الفلبينين وجدوا ما يدفعهم إلى ذلك من القصص الجنسية الفاضحة وجرائم البرتغاليين في البرازيل وجرائم الإسبان في الفليبين أبشع حكايةٍ عرفتها الإنسانية حكاية العبودية كتب حروفها بمدادٍ أحمر من الدم.  إلا أننا حتى وقتنا هذا تقول أساطير الأهالي أن لابولابو لم يمت ولكن تحول إلى حجر وهو منذ ذلك الحين يحرس بحر ماكتان ويرمي الصيادين في الجزيرة النقود على حجر بهيئة رجل كوسيلة لطلب الإذن لصيد السمك بمنطقة الزعيم ويتداول الأهالي أسطورة أخرى تتعلق بتمثال لابولابو المقام في وسط ساحة البلدة مقابل مبنى قاعة المدينة القديم حيث يقع مكاتب رؤساء البلديات مجهزا قوسه بوضع جاهز لرمي سهمه للعدو واقترح بعض الأهالي المؤمني بالخرافات بتغيير القوس والنشاب بالسيف بعد وفاة ثلاثة رؤساء بلديات سابقين بسبب الأزمة القلبية،يحترم الفلبينيون لابو لابو باعتباره أول أبطال الفلبين فقد أقامت الحكومة الفلبينية تمثال تكريما له هو في جزيرة ماكتان،ينتصب تمثال لابولابو بارتفاع ٢٠متر (٦٦ قدم) على قاعدة من  البرونز في مدينة لابو لابو تكريما له وتم نقل اسم مدينة أوبون في سيبو إلى مدينة لابو لابو ووضع تمثال له في حديقة ريزال في العاصمة مانيلا، وأيضا وضعت صورته على الختم الرسمي للشرطة الوطنية الفلبينية وقد تم وضع صورته على نقد واحد سنتافو عملة الفلبين سنوات ١٩٦٧-١٩٧٤م خلال انعقاد الدورة الأولى للمؤتمر ال١٤ للكونغرس الفلبيي اقترح السناتور ريتشارد جوردون مشروع بقانون أن يعلن يوم ٢٧ أبريل عطلة رسمية للفلبين تعرف باسم «يوم لابولابو» ويوجد شارع في حي بسان فرانسيسكو بالولايات المتحدة يسمى باسم شارع لابو لابو نسبة إليه وفي الإعلام فقد تم إنتاج فيلمين عن حياة لابولابو الأول سنة ١٩٥٥‏ والآخر سنة ٢٠٠٢

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى