قميص الذكريات
رشاد جودة رداد | عمان _ الأردن
بينما كان نمل أصابعي يفلّي رأس ذكرياتي الموجعة ، تعثرت عيناي ببقايا قمر مكسور ، حاولت لملمته بين كفّي الراعشتين ، لكن الخسارة كانت فادحة ، واليوم أصبحت أكثر فداحة ، من قبل ، بعد هذا الانحسار المخيف للعلاقات بين البشر ، لقد جفّت حقول الصداقة ، واحترقت آخر سفن المحبة في بحر زائف .
كل هذا وأنا أتلمس شجرته المحببة الوحيدة ، التي كان يخشى عليها من رائحة الإسمنت ، ضحكاته امتصتها جدران الأزقة المنقوعة بالمياه ، لتؤنس المتعبين العائدين الى بيوتهم آخر الليل .
كانت له نجمة ، تضيء نافذته كل ليلة ، وفجأة غاب الضوء عن النافذة المرتبكة إذ قررت أن تسير في مدار آخر لتنكسر وتهوي في بئر الخطيئة .
لم نعرف سر توهجه فينا وموته ، لم نودّعه قبل أن ينام على خشب الغياب ، وفي صدره حصان وقمر وسيف ودفاتر خضراء .
سيبقى صداه في خواء رؤوسنا ، أتذكره ذات ظهيرة وهو يهتف في مظاهرة صغيرة ، كان صعلوكاً لطيفاً ، بشوشاً كأبي ذر ، وكم كانت ” أسماء ” تحبه قبل الطعنة المفاجئة ، أوقفتني ذات مرة وهي تسألني بصوت مرتجف . أين هو ؟ وكيف اختلط لجين دمعها بغبار الذكريات ، ألصقت بسمة باهتة على فمي وقلت لها : سيعود …سيعود
رغم الفقر ، أراك تزورني ، تمسكني من يدي كعادتك وتقودني نحو شجرتك ، التي أورثتني إياها . لكنها ماتت . أحزناً عليك أم قتلتها رائحة الإسمنت .
لم يترك لنا سوى أوراق وزجاجات عطر ، وصورة علّقتها على جدار الغرفة ، ومفتاح صندوق بريده ، ومقاهي لأزقة تحتفل به كل ليلة ، لكن الموتى لا يعودون ، كل ما بقي من ورده المقطوف على طاولة الألم أطفأ في قلبي كل رغبة للحياة ، ولا شيء غير حبر جريدة الذكريات المدلوق على طاولة الزمان ينزل نقطة نقطة راسماً على الأرض المتشققة ، لوحة تشكيلية يصعب تفسيرها .