ضمير مستتر تقديره: لست أنا
سليمان التمياط | السعودية
الإنسان المتسق مع حاله يقول لنفسه: لست محور الكون – بدون أن يثير ذلك لديه أي ردة فعل غاضبة أوحانقة أو أي مشاعر استياء – ولكنني محور ذاتي؛ ولكوني محور “كوني الذاتي” فلا أرى بأساً في نطق مفردة (أنا) حين أتحدث عن نفسي أو ذاتي في كوني المتحقق بداخلي ومنطلقاً منه وخلاله نحو كل “أنا” أخرى؛ لنمضي معاً باتجاه الـ (نحنُ) التي تريدنا ونريدها؛ وذلك ينطبق على كل (أنا) في هذه الحياة؛ لذلك تجد الشعوب التي قطعت شوطاً عميقاً بروح التحضُّر سمحت بخروج “الأنا” بدون أي قمع أو منع حتى استطاعوا أن تتكون لديهم تلك الـ”نحن” التي تغمر كل “أنا” لديهم وتضمن لها الاستمرار بعيداً عن أي رادع لها يميتها وتموت “نحن” معها وعلى أثرها.
بناءً على ذلك كنت أستغرب من قول البعض “أعوذ بالله من كلمة أنا ” – وهو ذلك النوع من الاستغراب المتسائل وليس سواه – حين يتحدث احدهم عن “ذاته” ولامناص من الاعتراف أنني كنت أردّد ذلك حتى بدأت بالتمعن قليلاً للتفكير في ماهية الأنا والذات حتى اقتنعت أنه قد تكون تلك العبارة من الخطأ الذي اعتدنا عليه فقط .
نحن بحاجة إلى (الأنا) بنفس القدر الذي نحتاج به (نحن).. نعم نحن بحاجة – أفرادا وجماعات – لـ “الأنا ” الكاشفة أكثر من أي وقت مضى.. “الأنا ” التي تبرهن على وجودنا وتبرزه وتبرزنا للآخر وتصلنا به، وتبرز الأخر لنا لكونه هو كذلك “أنا قائمة بذاتها” وتوصله بنا بشكل مبرر ومرضي وقبل ذلك كله: مُقنِع.
أما فيما يخص الأنا المغرورة أو المتكبرة وهي الحجة التي استدعت تلك الاستعاذة فهي واضحة ومكشوفة حتى لو لم ينطق بها بشكل مباشر وهي ليست “أنا” خارجة من “الأنا” الحقيقية بل هي “أنا” زائفة، مُتوهمة لذلك بالإمكان تسميتها “الأنا” الواهمة أو المختلة حالها حال كل الأشياء التي يصيبها خللٌ ما بدون أن يُكتَشف هذا الخلل لحامله. وهو هنا أمام خيارين أولهما: أن يستعيد هو “أناه” الأساسيه؛ لذلك نسمع أنفسنا تحادث أنفسنا حين نتصرف أحياناً بطريقة خاطئة: هذا ليس “أنا” وهذا أول دروب العودة، وثانيهما: أن تُعاد له بمؤثرات خارجية خارجة عن إرادته والتي قد يكون أحدها بما يعرف باسم الصدمة. وهنا تتشكل قوة الصدمة بحسب المسافة التي قُطعت بعيداً عن “الأنا” بفردانيتها الأولى.
أمّا فيما يتعلق بـ (أنا الإبليسية) حتى لو تمت الاستعاذة منها فهي تتضمن وجوده الظاهر المستتر بين طيّات الكلام مما يعني عدم الحصول علي الفائدة المرجوة من تلك الاستعاذة مادامت نفس قائلها تحمل إبليسًا داخلها.