شغفي بعالم الأدب والكتابة أهداني إلى شجرة المعرفة
الكتابة موقف ورؤية من العالم والوجود والمجتمع
حاوراتها :- ريم العبدلي
عرفت طريقها منذ طفولتها من خلال روايات الآداب العالمي المصور للأطفال والعديد من المجلات العربية، كتبت ونشرت نصوص النثرية والمقال والقصص في عدة صحف وحول رحلتها مع الكتابة وموضوعتها الثقافية كان لي شرف محاوراتها :-
س: انتصار كيف بدأت علاقتك مع الأدب والكتابة؟
ج: بدأت منذ أول تهجئة تأتأة القراءة والمعرفة، فحين كنت في الثالثة عشرة من عمرى تقريباتفتحت عيناي على روايات الادب العالمي المصورة للأطفال وعلى مجلة البيت ومجلة العربي والدوحة ، كان أبى شغوفا بالقراءة وحريصا على اقتناء المجلات في كل شهر، ووجدت أمامي مكتبة كبيرة بها كل صنوف الأدب العربي والعالمي فغصت وسافرت في عوالمها ولازلت عاشقة مغرمة في محراب القراءة ،أما الكتابة فلقد جاءت تلقائيا نتيجة عشقي للقراءة، القراءة حفزت عقلي للأسئلة التى دفعتنى للكتابة.
كيف توفقين بين كل أنواع الكتابة؟ وفي أي حقل من الحقول الأدبية تشعرين بحريتك الفكرية أكثر؟
ج: ليست ثمة تخطيط الأمور تأتى تلقائية مثل بداية الكتابة والنشر التي كانت بالصدفة فبدايتي كانت مع الصحافة حين عملت في مجلة “لا ” كنت اجرى تحقيقات واستطلاعات صحافية، ثم بعثت للمجلة قراءة أدبية عن قصة للكاتبة غادة السمان بعنوان “لعنة اللحم الأسمر”واطلع مدير فرع المجلة آنذاك في مكتب بنغازي استاذى عبد الرسول العريبي – الله يرحمه -، على ما أكتبه وبعثه للملف الثقافي لصحيفة الجماهيرية التي كان يتولى رئاسة تحريرها آنذاك الدكتور علي محمد وريث الذى رحب بمقالاتي الأدبية وأفرد زاويته للاحتفاء بها، من هنا بدأت الانطلاقة في الكتابة والنشر في الملحق الثقافي والاجتماعي.
كنت حينها في أواسط العشرينيات من عمرى ممتلئة بالحلم والأفكار الكبيرة، وكتبت مقالات كثيرة رافضة وناقدة لمجتمعنا ولنظرته الدونية للمرأة ومحرضة على استعمال المرأة لعقلها والاعتماد على نفسها بالعلم والدراسة، كتبت ونشرت في الملحق الاجتماعي والملحق الثقافي عن الشئون الثقافية، وعن الكتب التي تلمس عقلي وفكري ، فلم يكن يهمني اسم الكاتب أو جنسيته إنما ما يطرحه في كتابه من فكر يستحق أن يطلع عليه القراء والمهتمون، واهتممت أيضا بالكتابة عن الكتب التي تسرد تاريخ ريادة المرأة الليبية والكتب التي تعرض سيرة حياة الرواد في بلادنا بصورة عامة.
س: تكتبين القصة القصيرة فهل تعتبرين هذا النوع من الفن الأدبي يحمل رؤية أم ماذا؟
ليس هناك نوع أدبي لا يحمل رؤية، الكتابة أساسا موقف ورؤية من العالم والوجود والمجتمع الذي نخلق فيه، وأي كاتب ليس لديه رؤية للعالم لا معنى لكتاباته، مهما كان أسلوبه اللغوي والأدبي جميل، القصة هي البراح الذي وجدت فيه ذاتي وأغلب قصصي كتبتها من وحى علاقاتي بالأخرين والمجتمع، والأحداث التي وقعت في حياتي والتقاط ما يحدث حولي.
س: أقرب كتاباتك إليك؟
ج: كل ماكتبته كان من وحى الصدق والتأمل ومحاولة معرفة العالم، لم يستكن عقلي المشاغب لليقينيات، وكان دائما يناوشني ويشاغبني لذلك كل ما كتبته أحبه لأنه صادق وحقيقي ومعبر عنى تماما ولا أتملص من أي شيء كتبته، وخاصة كتاباتي القصصية وربما أقرب قصة لي هي قصة قصيرة بعنوان “أكاذيب الشهوة” التي قام الأديب والمترجم إبراهيم النجمي باختيارها للترجمة للغة الإنجليزية ضمن مشروعه لترجمة القصة القصيرة في ليبيا إلى اللغة الإنجليزية.
س: باعتبارك امرأة وتكتبين القصة كيف تنظرين إلى قضايا المرأة والصعوبات التي تواجهها؟
قضايا المرأة لم ترتبط ببداية كتاباتي للقصة، بل بالقراءة والمعرفة بصورة عامة منذ أن وعيت وجودي كامرأة في مجتمع صعب به كثير من التعقيد والشيزوفرينيا، كان الطريق طويلا ومعتما وربما لا يزال كذلك، بصورة عامة لا أحد يريد أن يكون للمرأة صوت أو فكر أو رأى، هم فقط يجاملونك بكلمات ولكن الحقيقة أن آخر شيء يشجعه المجتمع هو عقل المرأة وفكرها، وهذا سبب من أسباب اتجاهي لكتابة كثير من المقالات عن المرأة و المجتمع منذ بداية الكتابة والنشر، وتركيزي من خلال كتاباتي لدعوتها بأن تضع الأولوية في تفكيرها لدراستها وتعليمها وتحقيق استقلالها المادي والفكري مثلها مثل الرجل تماما، وتتوقف عن التماهي مع تربية المجتمع لها كقاصر تبحث عن رجل يتولى رعايتها، وهذا الاهتمام بقضايا المرأة في مجتمعنا وكتاباتي عنه لسنوات، كان سبب اهتمام وتواصل الأستاذ إدريس المسماري معي في عام 2013 وعرضه لي لأتولى مسئولية رئاسة تحرير مجلة “المرأة” التي حاولت من خلال سياستي التحريرية بها مع طاقمها الصحفي أن أركز على قضايا ومشاكل المرأة في مجتمعنا الليبي، وفى تلك الأعداد التي أشرفت عليها تم فتح مواضيع كثيرة عن المرأة في السجون والمرأة العاملة والمطلقة وأرامل الحروب وفتيات الرعاية الاجتماعية بالإضافة إلى تسليط الأضواء على النساء اللواتي يعملن في مجالات القضاء والمحاماة والعمل السياسي والمدني، كانت تجربة مجلة المرأة من أجمل التجارب الصحافية في حياتي ولكنها للأسف انتهت قبل أوانها مثل كل المشاريع الإعلامية الجميلة في بلادنا.
س: هل كتبتِ قصة كنتِ أنت بطلتها؟
ج: كثير من قصصي تحكى الكثير منى، وهذا شيء لا أتهرب منه فالنوع الذى أكتبه من القصة هو أقرب لشرفات للبوح عن ذاتي وعن علاقاتي بالرجل الحلم ، والرجل الواقعي بكل تناقضاته واحزانه وخيباته وكذبه وصوره ومرأيه ومرايا وجهى معه وقصص أخرى عن الشخصيات والأحداث التي مررت بها من فقد ومرض أحبة وموت.. الكتابة كانت ولازالت بالنسبة لي هي البلسم والدواء في مواجهة محن الحياة.
كيف يمكن للقاص أن يصنع عالما مختلفا ؟
ج: كل قاص له رؤيته وأسلوبه، فالقصة القصيرة عالم رحب وشاسع وهي متعددة الأنواع فهناك القصة السيكولوجية التي أرى أنها هي الأقرب لما أكتبه، وهناك القصة الفانتازيا والقصة الميثولوجيا وأنواع أخرى كثيرة في عالم القصة القصيرة الثري، وأسلوب القاص وطريقته في ابتكار قصصه هو الذي يخلق عوالم قصته.
س: هل القصة القصيرة قادرة على أن تحدث تغييرا إذا كانت فكرتها مؤثرة؟
ج: بالتأكيد مع الوقت والزمن يحدث تغيير، فالقصص التي تعرى المجتمع وتفضح ازدواجيته لها تأثير، وكذلك القصص التي تعرى الفساد السياسي والمجتمعي تعمل على إضاءة الفكر لدى قارئها ومع الزمن تحدث تغيير وإذا كانت مكتوبة بأسلوب مبتكر وجذاب لغويا فبالتأكيد ستجذب القارئ ويكون لها تأثير.
س: ماهي مشاريعك الآن؟
ج: مشاريعي دائما هي القراءة والكتابة، هذا ما أفعله كل يوم فأنا مهووسة وعاشقة ومغرمة في محراب الكلمة والقراءة، بحيث تنازعني حتى عن الكتابة أحيانا، لهذا أنا في المجمل أعتبر نفسى مجرد هاوية في مجال الكتابة، لدى مجموعة مخطوطات في مجال الكتابة عن الثقافة والكتب والمجتمع ومخطوطين قصصين أعمل على تجهيزهن للنشر قريبا.
س: ما الذي يشغلك الآن؟
ج: يشغلني التفكير في بلادنا وأحوالها، كان هذا شغلي الشاغل منذ أن خلقني الله في هذا الوطن، ولا زال يشغلني كل يوم ولم أتوقف يوما عن التفكير والكتابة والحلم بالحرية والعدالة ودولة القانون والمؤسسات لكل الوطن.
ما الذي منحه لك عالم الأدب والكتابة؟
س: عالم الأدب والكتابة وهبني الكثير أكثر من أي شيء منحه لي أي إنسان طيلة حياتي، منحنى ذاتي وكينونتي خارج الفهم القاصر المتخلف لمجتمعنا، وهبني الحرية في الفكر والخيال وتأمل الحياة فشغفي بعالم الأدب والكتابة أهداني إلى شجرة المعرفة السحرية فذقت كل ثمارها بشغف، وعمق بداخلي الإحساس بالحب والتماس الجمال في تفاصيل الحياة الصغيرة، والخروج من الدائرة الضيقة لمجتمعنا الخانق، لذلك لا أستطيع تخيل الحياة بدون عوالم الأدب والفكر والفن والكتابة وأنا بعيدا عن هذه العوالم الثرية بالتأكيد سأذوى وأموت.
زر الذهاب إلى الأعلى