تاريخ ومظاهر حرية الرأي والتعبير
د. حنا عيسى | أستاذ القانون الدولي – فلسطين
(إن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها .. فإذا كنت لا تؤمن بحرية التعبير للناس الذين تحتقر ، فأنت لا تؤمن بها على الإطلاق .. لقد من الله علينا بثلاث فى هذا البلد : حرية التعبير وحرية التفكير والمقدرة على عدم تطبيق أى منهما ..لهذا السبب ، سيدتي ، لقد جئت من بلد يشنق فيه الناس إذا تكلموا ..لماذا ؟ لأن ، حرية التعبير حقك في قول ما يعجبك وحق الآخرين في قول ما لا يعجبك).
مقدمة:
تعد حرية الرأي والتعبير مقدمة أساسية لتشكيل شخصية الإنسان اجتماعياً وسياسياً ، وهي المدخل الأساسي لتكوين قناعة ذاتية باتجاه فكري أو أخر أو تصديق معلومة أو تكذيبها ، وهي أمر داخل الإنسان يتشكل باجتهاده الشخصي ، ولهذا نصت المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الإنسان في اعتناق الآراء دون مضايقة.
حرية الرأي والتعبير هي الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ، ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية.
ويعتبر هذا الحق والواجب مقدس لا يمكن مصادرته أو التضييق عليه ، ومن يعمل على خلاف ذلك فانه يؤسس إلى الاستبداد والدكتاتورية ، غير أنه لا يجب لأحد أن يتعسف في استخدام هذا الحق ، كأن يتطاول أو يسب أو يسقط أو يحقر الآخرين بحجة ممارسة حقه في حرية التعبير.
وبذلك أصبحت مسألة حرية التعبير عن الرأي مثارَ جدل في العديد من الدول والمجتمعات، الأمر الذي دفع ببعضها لوضع معايير خاصة تمثل إطار عام للمساحة الممكنة في التعبير كما هو الحال في الولايات المتحدة -على سبيل المثال – التي وضعت المحكمة العليا فيها مقياساً لما يمكن اعتباره إساءة أو خرق لحدود حرية التعبير، ويسمى باختبار “ميلر” الذي بدأ العمل به في عام 1973 ويعتمد المقياس على ثلاثة مبادئ رئيسية وهي:
-إذا كان غالبية الأشخاص في المجتمع يرون طريقة التعبير مقبولة.
-إذا كانت طريقة إبداء الرأي لا تعارض القوانين الجنائية للولاية.
-إذا كانت طريقة عرض الرأي يتحلى بصفات فنية أو أدبية جادة.
وأساس الحضارة الحديثة كانت مجموعة الحريات التي أعتقت البشرية من ظلام القرون الوسطى ، وقيودها المانعة لممارسة الناس حرياتهم ، ساد العلم والعقل ، والقانون الذي لا يفرق في الحقوق بين حاكم ومحكوم ، تحت ضربات الناس وحلمهم بمجتمع آخر ، تم كسر القيود ، التي فصلت المجتمع الحديث عن المجتمع القديم ، لولا حرية التعبير ، والاحتجاج ، والتظاهر ، لولا النقد للموروث والقائم لا بل إزاحته ، لما كان العصر الحديث ، حق التعبير تم انتزاعه بالقوة في سياق بناء مجتمع جديد ، في مواجهة أنواع التخلف والقيود ، أخذ المجتمع ينمو ويبني عمارته ، وحرية الرأي و التعبير ترافق كل بناء جديد. واختلطت الحرية بالفوضى في لحظة تاريخية ما ، ولكن قدرة البشر في السيطرة على تاريخهم وتوجيهه وضمان الأفضل ، استطاعوا تقنين جوانب من الحرية ليس وفق منظور مصالح سلطة أو فئة خاصة ، بل وفق الصالح العام بما يخدم جميع أفراد المجتمع ، في سبيل صون حرية الأفراد والجماعات المختلفة ، حتى لا يتم الانتقاص من حرية الأفراد.
وقضية حرية الرأي والتعبير من أهم وأعقد القضايا التي تشغل كل المجتمعات تنظيراً وتطبيقاً، فإذا كانت الحرية نزعة فطرية في البشر إلا أن الاتفاق حولها من الأمور التي تصنف على أنها من شبه المستحيلات، حيث يصعب إيجاد صيغة كونية موحدة لمفهوم الحرية بسبب الاختلاف بين الحضارات والثقافات، فما يعد من قبيل الحريات في مجتمع ما قد لا يعد كذلك في مجتمع آخر، ورغم تباين المجتمعات في النظرة لمفهوم حرية الرأي إلا أن كل مجتمع يقر بضرورة وجود ضوابط أو قيود لممارسة الحريات بأنواعها.
تاريخ حرية التعبير
ترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي والتعبير إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688، ونصبت الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية على العرش. وبعد سنة من هذا أصدر البرلمان البريطاني قانون “حرية الكلام في البرلمان”. وبعد عقود من الصراع في فرنسا تم إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789 عقب الثورة الفرنسية الذي نص على أن حرية الرأي والتعبير جزء أساسي من حقوق المواطن.. وكانت هناك محاولات في الولايات المتحدة في نفس الفترة الزمنية لجعل حرية الرأي والتعبير حقا أساسيا لكن الولايات المتحدة لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها لعامي 1776 و 1778 من حق حرية الرأي والتعبير حيث حذف هذا البند في عام 1798 واعتبرت معارضة الحكومة الفدرالية جريمة يعاقب عليها القانون ولم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير بين السود والبيض.
ويعتبر الفيلسوف جون ستيوارت ميل، من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي غير أخلاقيا في نظر البعض حيث قال “إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة “.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948م الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تضمن حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأي والتعبير، وتبنت في سنة 1966م العهد الدولي للحقوق المدينة والسياسية الذي يعكس ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان فاكدت الماد (19) منه على حق كل انسان في اعتناق الاراء دون ضايقه والتعبير عنها ونقلها للآخرين دونما اعتبار للحدود بالوسيلة التي يختارها.
وأكد الميثاق الاوروبي لحقوق الانسان سنة 1950 على حرية الرأي والتعبير وكذلك الميثاق الامريكي لحقوق الانسان سنة 1969 والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب سنة 1979، والميثاق العربي لحقوق الانسان الذي اعتمد في القمة العربية السادسة عشرة سنة 2004. وفي سنة 1978م تبنت اليونسكو في وثيقة الاعلان بشأن المبادئ الاساسية الخاصة بإسهام وسائل الاعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الانسان ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب والحق في حرية الرأي والتعبير. اما في سنة 1995م تبنت مجموعة من المختصين في القانون الدولي وحقوق الانسان مبادئ “جوهانسبيرغ” حول الامن القومي وحرية التعبير والوصول الى المعلومات.
مظاهر حرية الرأي والتعبير
يرتبط الحق في حرية الرأي والتعبير ارتباطاً وثيقاً بحرية الاعلام بكافة اشكاله (الطباعة والنشر، الاعلام المرئي، المسموع، الالكتروني)، وحرية الوصول الى المعلومات وحرية المجتمع السلمي.
حرية الطبع والنشر : تعتبر الكتابة اولى الرسائل التي عرضها الانسان لصياغة ونقل افكاره ، ثم ظهرت المطبوعة وانتشرت في العصر الحديث بإشكال متعددة (الكتاب ، الصحيفة ، المجلة ، النشر)، والمطبوعة الالكترونية. وكانت بدايات الاعتراف الرسمي بحرية الرأي والتعبير طبقا لاعلان حقوق الانسان الفرنسي عام 1789م، تؤكد ان وسيلة ممارسة حرية الرأي والتعبير للمواطن “ان يتكلم ويطبع بصورة حرة”، وارست الامم المتحدة حق حرية الاعلام الذي من اهم دعائمه وطرق ممارسته الكتابة والطباعة والنشر كحق من حقوق الانسان الاساسية .. كما وتعتبر الصحافة الدورية بانواعها اكثر الركائز تأثيراً في الرأي العام كما انها احد اهم اسس وركائز المجتمع الديمقراطي.
حرية النشر الالكتروني : وهي من الحريات التي اخذت مكانها حديثاً نتيجة التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنفاذ لشبكة الانترنت ، حيث اتاح الانترنت لكم هائل من المواطنين في العالم بالتعبير عن ارائهم ومواقفهم. واكد التزام دولة تونس الصادر عن القمة العالمية حول مجتمع المعلومات عام 2005م على ما ورد في اعلان المبادئ الذي اعتمدته القمة العالمية لمجتمع المعلومات عام 2003م بان حرية التعبير وحرية تدفق المعلومات والمعارف والأفكار والعلم ضرورية لمجتمع الاعلام.
ويمكن الاسراع في هذه العملية بإزالة الحواجز امام النفاذ الى المعلومات للجميع بشكل كامل وغير تمييزي وبكلفة معقولة وتشجيع النشر الالكتروني.
وأكد الالتزام بضرورة المواجهة الفعالة للتحديات والتهديدات الناتجة عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض لا تتفق مع حفظ الامن والاستقرار الدوليين.
حرية الرأي في اطار المرئي والمسموع : ادى التطور في وسائل الاعلام ليشمل الاعلام المقروء والمرئي والمسموع وشمل ايضا التطور في حقوق الانسان وحرية الاعلام بأشكاله كاداه للتعبير والنشر.
وتتمتع وسائل الاعلام المرئي والمسموع وأهمها الاذاعة والتلفزيون بدور فعال في ممارسة الراي والتعبير كمنبر لبث الاخبار ونقل الاراء ومناقشتها على المستوى المحلي والعالمي.
حرية التجمع السلمي : وتشكل حقا من حقوق الانسان الاساسية التي قررها الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948م كما اكد عليها المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حيث نصت المادة (21) ” يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز ان يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق الا تلك التي تفرض طبقا للقانون ، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الامن القومي او السلامة العامة ، او حماية الصحة العامة ، او الاداب العامة ، او حقوق الاخرين وحرياتهم “.
والتجمع السلمي هو قدرة المواطنين على الالتقاء بشكل جماعي يهدف لعقد الاجتماعات العامة او المؤتمرات او المسيرات او الاعتصامات السلمية في اي مكان وزمان وبغض النظر عن الجهة المنظمة ليمارسوا ضغطا على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم.
حرية الرأي والتعبير في القانون الدولي
الحق في حرية الرأي والتعبير حق أساسي يظهر في عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية. وتعتبر المادة 19 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الإطار الدولي الأساسي الذي يقنن هذا الحق. وتنص المادة 19 على ما يلي:
-لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
-لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
-تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
1-لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
2- لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ضمنت المواثيق الإقليمية حرية التعبير وحمايتها، فالمادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تحمي حرية التعبير على مستوى الدول الأعضاء، والمادة (9) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تضمن الحق نفسه. وكذلك المادة (13) من الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان تنص على أن: “لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون ما اعتبار للحدود سواء شفهية أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني وبأي وسيلة يختارها …”. و لقد وردت بعض القيود والاستثناءات “المشروعة ” على حرية الرأي والتعبير مثل بقية الحقوق والحريات، في نص المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة (19) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو في مجموعها تحمي حقوق وسمعة الآخرين، والأمن القومي أو النظام العام أو الصحة والأخلاق العامة، وتعتبر حماية هذه الأغراض قيودا مشروعة على حق التعبير وخاصة حرية الصحافة. وكذلك الفقرة (2) من المادة (10) للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان نصت على ” يجوز إخضاع ممارسة هذه الحريات التي تتطلب واجبات ومسؤوليات لبعض الشكليات آو الشروط آو التقيدات آو المخالفات التي يحددها القانون والتي تعد في مجتمع ديمقراطي تدابير ضرورية لحفظ سلامة الوطن واراضيه، والامن العام وحماية النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والأخلاق وحماية الآخرين وسمعتهم وذلك لمنع إفشاء المعلومات السرية أو لضمان سلطة الهيئة القضائية ونزاهتها”.
إن الأمم المتحدة وكافة الدول الديمقراطية والرأي العام الديمقراطي في العالم كله يكاد يجمع على أن حق الرأي والتعبير هو الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية. وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حرية التعبير هي حق إنساني أساسي… وهي محك الاختبار لكل الحريات التي كرستها الأمم المتحدة، أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن ” حق حرية التعبير يشكل واحدا من الأسس الجوهرية للمجتمع الديمقراطي واحد الشروط الأساسية لتقدم وتنمية الإنسان”.
وهناك العديد من المعايير المتعارف عليها دوليا تضمن حماية حرية الرأي والتعبير نذكر منها:
– حق معارضي الحكومة في التعبير عن آرائهم ونشرها في وسائل الاتصال الجماهيرية التي تملكها الدولة ، بما في ذلك الراديو والتلفزيون بالتساوي مع الآخرين (أي حزب الحكومة أو أي منظمة أخرى) وخاصة في أوقات الانتخابات العامة والمحلية.
– حق الحصول على المعلومات وتأمين وصولها من مصادر الحكومة
– حماية الحريات الأكاديمية والعلمية والتعليمية والتعبير الفني والأدبي
– ضرورة حصول على دعم حكومي لحق التعبير على أسس غير سياسية ويهدف لتعزيز وضمان التعددية.
– حماية حق التوزيع والنشر.
– الحق في إنشاء الإذاعات والمحطات التلفزيونية المستقلة ( الخاصة )
ووصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة حرية التعبير بأنها المحك لجميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة نفسها لها، وقد أشارت المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان “أن حرية التعبير حجر الأساس الذي يستند إليه النظام الديمقراطي ولا مفر منه لتشكيل الرأي العام. ويمكن القول بأن مجتمعا غير مطلع جيدا ليس مجتمعا حرا.
الحماية القانونية لحرية الرأي والتعبير
تعد قضية حماية حقوق الإنسان بشكل عام وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص من أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية في إطار منظومة الأمم المتحدة، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحصول الشعوب على استقلالها، وبناء دولها وظهور هيئات ومنظمات المجتمع الدولي المعنية بحقوق الإنسان وحرياته وحمايتها وتدوين هذه المبادئ والحقوق في العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية في شتى المجالات، وإنشاء آليات دولية لحماية وتعزيز الإنسان.
ويتم ضمان الحق في حرية التعبير من خلال العديد من المعاهدات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك بموجب القانون الدولي العرفي. ومع ذلك فإن هذا التنوع في المصادر لا يعكس تنوعاً في الأفكار فيما يتعلق بمعنى ذلك الحق: حرية التعبير هي حق عالمي ولذلك فإنها تحمل نفس المعنى تقريباً في كافة المعاهدات. تتعلق أي اختلافات حول هذا الحق بكيفية إنفاذه فقط. فيحتوي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة التاسعة عشرة منه على أول بيان معترف به بشكل واسع للحق في حرية التعبير حيث تنص المادة على ما يلي: “”لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية “.
حدود وضوابط حرية الرأي والتعبير
تعتبر حدود حرية الرأي والتعبير من القضايا الشائكة والحساسة، إذ أن الحدود التي ترسمها الدول أو المجاميع المانحة لهذه الحرية قد تتغير وفقا للظروف الأمنية والنسبة السكانية للأعراق والطوائف والديانات المختلفة التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة وأحيانا قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة أو المجموعة دورا في تغيير حدود الحريات.
ومن هذه الحدود والضوابط ما يلي:
– عدم التعرض بالإساءة لمعتقدات الآخرين، كون المعتقد هو المؤثر الأول في المشاعر الإنسانية ، والإساءة له تثير ردود أفعال غير محسوبة من أصحاب المعتقد.
– عدم تكفير الاشخاص والافتراء عليهم.
– عدم التطاول على الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل.
– أن يستهدف حق التعبير عن الرأي الصالح العام للمجتمع وألا يُستَغل لأغراض مريبة.
– أن يمارس هذا الحق بطريقة لا تستفز الآخرين وبقدر من الحكمة.
– أن لا يُستَخدَم هذا الحق في قضايا تدعو إلى إشاعة الرذيلة والفساد داخل المجتمعات.
– الابتعاد عن منطق الاستبداد بالرأي وألا يعتقد صاحب الرأي إنه على صواب دائماً في حقه بالتعبير.
– أن لا يتم التعدي على حريات الآخرين بالتحريض على القتل أو الاعتداء أو الاحتلال بحيث يتم سلب حقوق الآخرين.
– إيجاد قوانين حماية دولية واستصدار قوانين وأحكام محلية تحرم وتجرم الاعتداء على الأديان والمقدسات والإساءة إلى الرموز.
– أهمية العمل على تعزيز مفهوم حرية الرأي والتعبير واحترام الأديان والمقدسات.
– تحمل المسؤولية الإنسانية والأخلاقية وتبني الدور الإيجابي في الدفاع عن الآراء والمعتقدات والمقدسات.
حرية التعبير والمساس بالأنبياء والرسل:
يعتبرعدم المساس بالأنبياء والرسل والكتب السماوية على اختلافها أحد أهم و أبرز ضوابط وحدود حرية الرأي والتعبير، إلا انه وعلى الرغم من هذا، برزت العديد من الجهات اللذين تعرضوا بالإساءة للرسل.
صحيفة شارلي ابيدو
قال المفكّر الفرنسي “مونتسكيو” ((تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين))، ولهذا لا يمكن أن يقوم المرء بانتهاك حرية الآخرين من خلال تجريحهم، وأساء الرسامون الفرنسيون برسوماتهم في صحيفة شارلي ايبدو وتعدوا على الحرية، لأن الحرية لا تقول أهِنْ آراء الآخرين، ولا يجب الإساءة لأي نبي مهما كان اعتقاده حتى لو كان نبيا من ديانات غير توحيدية، فالأنبياء لهم احتراماتهم وقدسيتهم عند كل الأديان.
فلا يمكن لأي انسان مهما كانت ديانته، صحيح النفس، أن يقبل إساءة لدينه ولا إهانة لنبيه، والمسلمون بالذات لهم موقف عقيدي متسق، فأصل إيمانهم هو الاعتقاد برسالة النبي الخاتم، وبكل أنبياء السماء، لا تفرقة بين أحد منهم، وهم لا يقبلون الإساءة للنبي موسى، ولا للنبي عيسى ولا لأي نبي من أنبياء التوحيد ، وفي قبلتهم إبراهيم أبو الأنبياء ، ولا يصح لأحد أن يطعن في الأنبياء بدعوى حرية التعبير. فلا يوجد مسلم صحيح الاعتقاد يقبل رسوما كاريكاتيرية مسيئة للرسول، وسواء نشرت في الدنمارك وغيرها من دول اسكندنافيا، أو في صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية التي احترفت الإساءة للأنبياء، والنشر العنصري المعادي للإسلام والمسلمين، لكن الرد على الإساءة لا يكون بأعمال الإرهاب الوحشي، بل بوسائل حضارية، كالتظاهر والمسيرات، وقد جرى الاحتجاج المتحضر بطول وعرض العالم الإسلامي، بل وبين جموع المسلمين في أوروبا، وكان للاحتجاج السلمي أثره الطيب، وتقلصت جاذبية «شارلي إيبدو» وأمثالها، وتعرضت لما يشبه الإفلاس.
وأدان قساوسة وكهنة مسيحيون ، تطاول المجلة الفرنسية “شارلي إيبدو” على شخص الرسول عليه الصلاة والسلام ، واعتبروا ذلك تجنيا و”تهورا غير مقبول “، كما رفضوا أي ربط للإرهاب بالإسلام ، وهو الأمر الذي يسعى إلى تسويقه الإعلام الغربي، كما أعابوا عليه مهادنته لليهود تحت ذريعة عدم معاداة السامية أو إنكار المحرقة. فقد قال مطران الجيزة للأقباط الكاثوليك ، انطونيوس عزيز ، أن الكنيسة وعلى لسان البابا ترفض رفضا قاطعا أي إساءة لجميع الأديان ، “الكنيسة لا تقبل أبدا الإساءة إلى أي دين، هذا الأمر غير مقبول تماماً وتحت أي ذريعة أو مبرر.. من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لكن أن يصل إلى سب الدين أو الاستهزاء بالمقدسات وللرسل تحت مدعاة حرية التعبير على أساس أن الدين ايديولوجية يمكن انتقادها فهو مرفوض ومردود على أصحابها..”.
كما لم تكن الاساءة للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام الحالة الوحيدة بالتعدي على شخص الأنبياء ، بل كانت الاساءة للسيد المسيح وأمه مريم العذراء وللنبي محمد ايضا والتي بثتها القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي سابقة خطيرة بالتعرض للأنبياء .. فحرية التعبير لا تعني ابداً الاستهزاء بالأنبياء والرسل ولا الاعتداء على مشاعر اتباع المعتقدات الدينية وبخاصة الرسالات السماوية. فالمجتمعات الغربية ومجتمعاتها المدنية من الضروري لها ان تشجب مثل هذه السلوكيات العنصرية – البغيضة الذي اتبعته القناة العاشرة الاسرائيلية التي اساءت لمسيحيي ومسلمي العالم.