في حضرة أيقونة الحكاية .. دلال المغربي 

يونس العموري | فلسطين

تفرض نفسها من جديد تلك التي صنعت أسطورة العشق … سمراء سكنها حنين الأرض … وسئمت العيش في كنف اللجوء … فمارست حقها بأن تعود … فركبت البحر من هناك وقالت ما قالت بحضرة الليل المنسدلة ستائره لأخر مرة على شواطئ حلمها … همست ايقونة فلسطين …. ووردتها البرية … وقررت أن تحتضن حكايا جدتها وتتكور على ذاتها لتصنع معجزة الرجوع للأرض العطشى …. جاءت من شمال الشمال وهتفت باسم زهر اللوز كسفيرة لكل فقراء المخيمات … وممثلة لكل احلام العجائز ولرجال لفحت وجهوهم شمس بساتين الجليل … امتشقت بندقيتها السوداء وتأهبت واستحضرت كل أقاصيص نساء كربلاء والخنساء … غجرية أطلقت العنان لأهاتها … بحثت عن هويتها … ومخزون مكنوناتها …وفتشت بين سطور ووسط كلمات وصيتها عن معانيها … كانت تدور في فلكها المتمرغ بوحل الأرض السمراء … كانت تعرف متى تبكي وكيف تكون دموعها بلوريات متلألئة على وجنتيها …تجيد لغة ابتساماتها …وتمنح حضنها الدافئ متى استطاعت الى ذلك سبيلا …تتراكض وسط حبات المطر دون ان يمسها ذاك البلل … كانت تشدو اغاني الحب المتشكل في مدركاتها …. وتأتي فاتحة ذراعيها لتأخذك واياها نحو فعل الحياة …كنعانية يسوعية عروبية الهوا ….يابوسية مقدسية بأقاصيصها …حائرة امام البحر ….مستسلمة لأمواجه المتلاطمة …لها صخرتها التي تحكي واياها شجنها واشجانها …و أُجزم ان سؤالا كان يطاردها دوما …فقد ضبطتها الفراشات وهي محلقة بسماء غمامها …وأمسكت بها الريح وهي تعلو فوق سطح احلامها ..وقالت لها الحكايا اقاصيص من عبروا …وردة بيضاء على جسد حقيقتها تفوح بريحها .. وتكشف عن لوعتها … مسافرة نحو الخلود فكان لها الخلود بارض الزيتون البري … مسافرة بامتياز نحو صومعة اجدادها باللد ….هي الياذة فلسطين  … فقد مارست الحب تحت الشمس ولم تخجل من تسطير احرفها بالأحمر القاني على ذاك التراب المبلل بعطر الندى …. تربعت على عرش القصة وألهمت كل الكتبة وشعراء اللغة بأن يكتبوا مرثيات الزمن الجميل لفتاة قررت أن تمضي فمضت نحو شمسها وبحرها …هي من قالت للشمس أنا هنا فاسطعي متى شئت وغيبي متى أردتِ …. وهي من حفرت اسمها بكل طرقات ودروب عاشقة تهوى الليل ..هي من يسكنها الليل ليكون بالتالي انبلاج النهار ممكنا …. هي من رسمت صورها قصرا وفرضت روحها اختيارا بريشة فناني ارصفة الشوارع ع بكل العواصم ….هي من رحلت دون استئذان من أحد فكان لرحيلها معنى اخر لمفهوم الرحيل .. فقد كانت تريده رحيلا بلا نحيب أو عويل … لتكون بالتالي حارسة لقرنفلة حمراء بسهل بيسان … وشاهدة على المذبح …. هي أيقونة السماء … تعود من جديد لتفرض حضور قصتها منذ ان ركبت بحرها وجاءت إلى فلسطين … هي دلال التي ستعود بعد أن أيقن قاتلها انه لم يقتل حلمها بعودتها ومكثت هنا ثلاثين عاما رغما عن ارادته … محاولا ان يمزقها ويمرغ بشعرها التراب فلم يدرك انها قررت أن يكون هذا التراب الحناء لشعرها … فبعد أن اكتحلت عيونها بجبال حيفا … جبلت حنتها وصبغت شعرها …

تعود دلال المغربي إلى حضن الحقيقة …. فقد قتلوها كونها قد اجهرت بحبها … وكان لها أن رقصت رقصة الموت … فللموت أيضا قرار … وأنت العائدة الأن إلينا هل لنا بالتساؤل من جديد؟… فمن الذي قتلك على مذابح الحرية يا سيدتي؟ وكيف لك أن ترقصي رقصة الموت؟ أو تكون مفاجأة اللحظة؟ ويكون القرار بالحياة الأتية؟ أم انه الهروب من الموت نحو الخلود على قدسية الصليب المكبل؟

من الذي قتللك سيدتي؟ وأحالك للحلم الوردي؟ حينما اختلفت عليك كل المسميات… أعلم أنك حلمت كثيرا هناك…

بذاك الصباح استمعت لسيمفونية أحزانك تصدح في الأعماق… وتكبيرات تمردك تعلو….

من الذي قتلك يا سيدتي؟ أهو الوطن؟ رقعة الجغرافيا….أم يكون الحلم؟ بالمناجاة في معبد الرب…. أوتكون الحياة من تقتل أبناءها؟ وتسئم من الصلوات في عيون العاشقة…. أم هو العشق للحياة؟

من الذي قتلك يا سيدتي؟ أنكون نحن من قتلناك؟ ومن سلبناك…. الوطن… والحياة…والحلم؟ من الذي قتلك يا سيدتي؟ سأنثر بقايا وردة حمراء باسمك علها تصل لمن كان بانتظارك على شاطىء بحرك ..

دلال اسم من أسماء فلسطين الأولى … عرفناه منذ أن كانت بدايتنا مع مشوار الألف ميل … ابنة اللد التي كانت اول قائدة عسكرية في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، والتي قادت أجرأ عملية فدائية في تاريخنا. الفتاة التي ولدت في مخيم صبرا عام 1958، وسقطت شهيدة في الطريق الساحلي بين حيفا وتل ابيب يوم السبت 11 آذار (مارس) 1978، بعد واحدة من أروع مغامرات البطولة في تاريخ المقاومة. قبل ان تقود مجموعة مؤلفة من أحد عشر فدائيا الي أرض الوطن، من خلال زوارق مطاطية، تم إتلافها وتدميرها لحظة الوصول إلى الشاطئ الفلسطيني، كتبت دلال المغربي وصيتها، التي تقول: وصيتي لكم جميعا أيها الأخوة حملة البنادق، تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية، وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو، وتوجيه البنادق كل البنادق نحو العدو. استقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار …

ابنة العشرين، التي لم ترَ فلسطين الا لحظة الموت، قادت مجموعتها وأطلقت العنان لذاتها بأن تمارس عشقها وتعزف لحن خلودها برشاشها … تنتهي رحلتها مع الأسر بمقبرة الأرقام ….

فهل من الممكن أن نحفظ وصيتها …؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى