الابتسامة.. السحر الحلال

د. عادل المراغي | القاهرة

لقد أصبحت الإبتسامة علما يدرس وفنا يمارس لتحسين العلاقات الاجتماعية بين الناس وتنمية الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية ويحق الاعتراف بها حديثاً تحت مسمي علم نفس الضحك والسعادة،.

والإبتسامة مفتاح القلوب ومصيدة الأفئدة ومسلبة العقول ومذهبة الأحزان ومصفية النفوس،وباعثة السرور وجالبة الحبور ومزيلة الوحشة وطاردة الآلام، والابتسامة تذيب الجليد وتلين الحديد وهي مفتاح العلاقات الاجتماعية وبريد العلاقات العاطفية، قال شوقي:

نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ.. فَسَلامٌ.. فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ… فَلِقاءُ، وهي دليل الصفاء والنقاء وسبب من أسباب بناء جسور التواصل وهي آية من آيات الله قال تعالي (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ)

والإبتسامة هي السحر الحلال  الذي بثير عبير المودة ويقوي وشائج المحبة، وهي شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وصاحب الابتسامة يأسر القلوب وتهوي إليه الأفئدة وتألفه النفوس وتتهافت عليه الأرواح، والابتسامة إذا سقطت علي صخرة الحقد أذابتها ،وهي قاطعة لحبل البغضاء والشحناء،واذاكان نبي الله سليمان عليه السلام تبسم في وادي مترامي الأطراف فنحن في أمس الحاجة إلي الإبتسامة في تقوية الصلات وتوطيد العلاقات وإقامة الجسور بين الزوج وزوجته والرجل وأولاده والجار وجاره والمدير ومرؤوسيه والداعية وجمهوره والمدرس مع تلامذته والعالم مع مستفتيه ،كما يحتاجها الحاكم وكل مسؤول.

ولقد لفت نظري أن دول الغرب تنفق ملايين الدولارات في تدريب الموظفين وعقد دورات تدريبيه من أجل تفعيل الابتسامة في وجوه الناس وهم بذلك يرجون ثواب الدنيا فكيف بنا -نحن المسلمين- ونحن نرجوا ثواب الدنيا والآخرة؟!

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم وسلم تبسمك في وجه اخيك صدقه؟ .وهو القائل (إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ). رواه الترمذي

ولما سئل ابن عمر  رضي الله عنه عن حسن الخلق اختصر الطريق وضمنه الإبتسامة فقال: (الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ ؛ وَجْهٌ طَلِيقٌ ، وَكَلَامٌ لَيِّنٌ. رواه البيهقي في ” شُعب الإيمان)

ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – بساما في أغلب أحيانه رغم ما كان يحمله من عناء الدعوة ومشاق الحياة ،لقد صبت عليه المصائب صبا كما قال الشاعر:

صبت عليه مصائب لو أنها

صبت علي الأيام عدن لياليا

مات أبوه ولم يره.،ثم ماتت أمه وهو في السادسة من عمره ثم مات جده وهو في الثامنة،..مات عمه وسقط حائط الصد الذي كان يدافع عنه ،ثم ماتت زوجته وزيرة الصدق خديجة رضي الله عنها، ثم مات جميع أبنائه في حياته ودفنهم بيده عدا فاطمة ،رضخ بالحجارة وأدميت قدماه وطعن في عرضه وبدنه واتهم بالجنون والكهانة والسحر ،قتلوا أصحابه وعمه الحمزة في يوم أحد .. مر علي جسر من الابتلاءات والمصائب والهموم والأحزان ولكن رغم ذلك كله فقد كان أكثر الناس تبسما قال عائشة رضي الله عنها (مادخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته إلا تبسم)

فالابتسامة كانت لا تفارق محياه صلوات ربي وسلامه عليه فقد  كان بَسَّامًا مع أهله وأصحابه؛ يُمازح زوجاته، ويُلاطفهنَّ، ويُؤنسهنَّ، ويُحادثهنَّ حديث الودِّ والحبِّ والحنان والعطف؛ وكانت تعلو مُحيَّاه الطاهرَ البسمةُ المشرقةُ الموحيةُ، فإذا قابل بها النَّاسَ أسرَ قلوبَهم أسرًا، فمالت نفوسهم بالكلية إليه، وتهافتت أرواحهم عليه.

وكان يمزح ولا يقول إلا حقًا، فيكون مزحه على أرواح أصحابه ألطف من يد الوالد الحاني على رأس ابنه الوديع، يمازحهم فتنشط أرواحهم، وتنشرح صدورهم، وتنطلق أسارير وجوههم.

☼ يقول جَرِير بْن عَبْدِ الله الْبَجَلِيُّ رضي الله عنه: ما رَآنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي (البخاري ومسلم).

وكان صلى الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسَطًا بين من جفَّ خلُقُه، ويَبِسَ طبعُه، وتجهَّم مُحيَّاه، وعَبَسَ وجهُهُ، وبين من أكثر من الضحك، واستهتر في المزاح، وأدمن الدعابة والخِفَّة.

فكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يمازح بعض أصحابه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً اسْتَحْمَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلا النُّوقُ؟» (رواه الترمذي وأبو داود ). أي إن الجمل أصلاً ولد ناقة.

وسألته امـرأة عجوزٌ، قالت: يا رسـول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقَال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا أمَّ فُلانٍ، إنَّ الجنَّةَ لا تَدْخُلُها عَجُوْزٌ»، فولَّت تَبْكِي، فقال: «أخْبِرُوها أنَّها لا تَدْخُلُها وهي عَجُوزٌ»، إن الله تعالى يقول: ” ِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا” [الواقعة]

والمال وحده لا يكفي لتأليف قلوب الناس بل لابد من روح الإبتسامة التي كانت عادة من عادات العرب قبل اطعام الضيف قال حاتم الطائي:-

أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزَالِ رَحْلِهِ وَيَخْصَبُ عِنْدِي وَالْمَحَلُّ جَدِيبُ وَمَا الْخَصْبُ لِلْأَضْيَافِ مِنْ كَثْرِةِ الْقِرَى وَلَكِنَّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ.

فالابتسامة مصيدة القلوب وعربون المحبة وانك إن تلق الناس بالابتسامة وتمنعهم أحب اليهم من أن تعطيهم وتقابلهم بالغلظة والفظاظة والتجهم والعبوس، ولقد عاتب الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – لما عبس في وجه أعمي رغم ان الأعمي لم ير العبوس ولكن الله يري ،وهذا درس حتي يعلمنا اثر الإبتسامة في إحياء نفوس أرهقها وهج الحياة اللافحة فرب ابتسامة أحيت الأمل في نفوس البائسين اليائسين (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).

.لذالك جعلها الله صلي الله عليه وسلم صدقة من الصدقات (تبسمك في وجه أخيك صدقة) رواه الترمذي وابن حبان و عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النَّبي – صلى الله عليه وسلم –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى