مقال

الفهم البطيء

خالد رمضان| كاتب مصري

الفهم الصائب هو نواميس إلهية، وفيوض غيبية، ونفحات ربانية يختص الله تعالى بها أقواما دون الٱخرين.. يقذف الله تعالى في قلب المرء إدراكا خفيا يرى به ما لا يراه الٱخرون.. عند رسوخ هذا الإدراك في قلبك تعي وتفهم أمورا لم يفهمها أولو الألباب الواعية، ولا أصحاب التوقعات الصائبة. وليس هذا ذكاءً أو دهاءً، إنما هو منحة وعطاء لمن أراد وشاء.
يقول الشاعر:
قلوب العاشقين لها عيون
ترى ما لا يراه المبصرونا
وأجنحة تطير بغير ريش
إلى ملكوت رب العالمينا
إن ذلك الفهم الرباني درجة إيمانية عليا لا يرتقي إليها إلا المخلِصون بكسر اللام، أو المخلَصون بفتحها، وهنا تتجلى لك الأمور على غير ما هي عليه، تبدو على حقيقتها التي لا يراها العوام من الناس أو من بسطائهم، فتراها أنت بنور الله تعالى حتى يعجب الناس من ذلك، إذ كيف اهتُديت إلى ذلك الاختيار أو تلك الفكرة البعيدة التي كانت مستترة بين الجدران والزوايا حتى غابت عن عيونهم، وخفت واختفت عن أبصارهم أو بصائرهم..وقتها يعترفون أنهم من أصحاب الفهم البطيء.
هؤلاء إخوة يوسف عليه السلام نشؤوا في بيت النبوة، ونهلوا من ينابيع الوحي، و فعلوا ما فعلوا غير ٱبهين بما بين والدهم وبين الله، ثم بعد عقود من الزمن يأتون خانعين منكسرين وهم نادمون ويقولون:“يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين”
لقد فهموا، ولكن للأسف كانوا من أصحاب الفهم البطيء.
عندما تبدو لك الحقيقة في أبهى صورها، وجمال ألقها واضحة جلية ناصعة، ثم تتركها وتحيد عنها لأي سبب عقلي أو هوائي أو نفسي فاعلم أنك من أصحاب الفهم البطيء.. عندما تبيع سمعتك، أو كرامتك، أو ٱخرتك لأجل متعة فانية، أو لذة عاجلة، أو رغبة تافهة فاعلم أنك من أصحاب الفهم البطيء.
وإذا تأملت قصة أصحاب الأخدود، وأمعنت النظر في حال ذلك الملك المعتوه الذي رأى ما رأى من أمر الغلام، ولم يعمل عقله، أو يحرك ذهنه أو فكره فيما رأى من الٱيات والعلامات والدلائل، حتى بعد قتل الغلام بالطريقة التي أخبره بها، فكل ذلك كان كفيلا لأن ينطلق لسانه بكلمة التوحيد، ولكنه للأسف كان من أصحاب الفهم البطيء.. وهذا نبي الله تعالى سليمان، ووالده نبي الله داود، وقصة صاحب الغنم الشهيرة، وكيف كان حكم سليمان مغايرا لحكم والده وأكثر دقة، حتى قال تعالى:“ففهمناها سليمان وكلا ٱتينا حكما وعلما”. إن ذلك هو الفهم الصائب الذي يمن به الله تعالى على من يشاء من عباده الصالحين.. أما تلك الفئة المضيعة للفرص، البائعة لنفسها أو كرامتها، أو دينها فهي فئات خاسرة ويحق وصفها بأنها من أصحاب الفهم البطيء.
وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فاته أمر عاتب القدرا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى