تاريخ

الفتوحات الإسلامية !

د. محمد السيد السكي

بقلم: الدكتور المفكر والكاتب والأديب محمد السيد السّكي

أتعجب كثيرا من فكر كثير من المثقفين والذي يحول بينهم وبين تقبل فكرة مفهوم الإعلام الديني الذي ظهر بظهور الإسلام المدعوم بلغة اللين والقوة معا..
تضع طائفة عريضة من المثقفين مفهوم الفتوحات الإسلامية في سلة واحدة مع المواقف الشاذة لبعض اصحاب الديانات والتي تخضبت شعاراتهم الدينية عبر التاريخ بالدم والطغيان جانحة عن صحيح ماتدعوا اليه تلك الديانات من حب وسلام..
يقول هؤلاء ان الإسلام انتشر بحد السيف واستخدم ثلاثية (الحرب- الجزية – الإسلام) كمبدأ استطاع من خلاله قهر الشعوب وتوسيع رقعة الارض بدافع ارضاء شهوة القبلية و استخدام لغة المغنم على حساب تعاليم السلام وحرية الاعتقاد وسلامة انفس الخلق..
اعتقد بجلاء ان تلك مغالطة وكهف ضلالة منطقية، لانه ببساطة في تلك الفترة من تاريخ الإنسانية كانت الأمم لاتتقبل فكرة الدعوة والسماح لأي مختلف بأن يعرض افكاره وتعاليم دينه وديانته داخل المنظومة الحدودية لتلك الدول بل وانها كانت لاتسمح له بحق الوجود..
القوي كان ياكل الضعيف و كان مفروضا على الضعيف ان يقاوم بل وان يهاجم الباغي قبل ان يصل اليه كحيلة قتالية متعارف عليها تتناغم وروح الصراع وحب البقاء..
كان العالم لا يؤمن بالاختلاف بل يسعى للصدام والاستحواذ والجباية وقهر الاخر واعلاء مفاهيم الوجه الأوحد للحقيقة العقدية والفكرية و اذكاء لهيب الجهوية والعرقية..
فرأى من يحملون أمانة توصيل مشاعل النور وجوب فكرة تنفيذ الوصية وتوصيل الرسالة واذ انهم كانوا ضعفاء ويتربص بهم الفرس والروم والامم الأخرى، فلم يجدوا سبيلا سوى التمدد وارساء مفهوم الإعلام الديني المستند للقوة المحمودة لا الباغية والمنطلق من حق الوجود والدفاع وصد البغي والظلم..
وذلك لتوضيح الأفكار والتعاليم الدينية بين أفراد تلك الدول وعدم التعرض لحاملي مشاعل النور،والحفاظ على حقهم في الحياة وقهر الطغاة ..
ولكن ذلك كان ضد حركة التاريخ والظروف العالمية اذ أن الانفس حينئذ في ظرفها التاريخي كانت لاتتقبل ذلك بل وتبيد اي صوت مختلف..
فظهر مفهوم الجزية وهي تقديم مبالغ مالية زهيدة تكن بمثابة إثبات حسن نية واعلان التبعية السياسية تقدم للدولة الإسلامية الوليدة من منطلق الخضوع السياسي لا من منطلق البديل عن فرض الدين او وسيلة لاستحياء العين وترك ثروات الأمم وتقدم كوسيلة فداء لمن حملوا السلاح وعاثوا فسادا..
لم يأتي الإسلام ليغير كل الملامح السياسية والاجتماعية السائدة بل استوعب مفهوم الرق وحاول نشر الأخلاق الكريمة والسلام والحب وتقبل الاخر دون احداث تغييرات سياسية” جامحة” تتجاوز العقل الجمعي العالمي في واقع الصراعات الدولية..
لغة العلاقات الدولية في المجتمعات حينئذ كانت لغة القهر والسادية لا التعايش وتقبل الاختلاف ايا كان نوعه..
فلنتساءل عن المآلات التي كانت ستنتج لو ان المسلمين الأوائل لم يعلنوا راية “الإعلام الديني” ولم يدفعوا عن حقهم في الحياة ؟
العالم كان يقول ان لم تعلن عن نفسك وتعلن قوتك المهذبة الواقية سألتهمك كالفريسة..
لم تكن “الفتوحات” بغرض فرض الدين او نشره تحت حد السيف بل كانت بغرض البقاء على قيد الحياة..
انظر كيف كان حال المسلمين عندما بدأوا الفتوحات وكيف كان ضعفهم، وانظر الي حال علاقاتهم الدولية عندما كان لهم قوة ونفير..
حيث بدأ حينها مفهوم العلاقات الدولية المستند على الندية والقوة يطفو للسطح برونق وبهاء وبدأ السماح بالتجارة والدعوة الناعمة وحق تبليغ الأفكار وتوصيلها..
فبمجرد ظهور التوازنات الدولية تغيرت المفاهيم و اضمحل وهج الصراع وما سمي من بعد بالفتوحات ..
مع اقراري طبعا بوجود الخطايا الفردية والمطامع الدنيوية التي كانت تدب كدبيب الليل في قلوب البعض الخارجين عن عباءة سماحة الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه الغراء ..
لم تكن هناك اقمارا صناعيا تنقل أفكارك وتكن لك لسانا فكان واجب الالتزام بالأمر الإلهي بالإعلان عن الدين الوليد الخاتم..
اشعر بالحزن عندما اجد تيارين متضادين شديدي الضراوة الفكرية بعيدي كل البعد عن الاعتدال..
فإما متشدد لا يجيد فهم الأحداث والنصوص والابعاد الزمنية ويريد ان يرجعنا القهقرة واما مدعي الأفضلية وانه حامل لواء الثقافة والنخبوية والذي يرفض تماما فهم القرارات والأحداث بناء على ظروفها التاريخية..
يعلم المقربون مني انني استقبل دائما على راحة عقلي أسئلة كل روح تواقة تسكب بصفائها وسر وجودها سبل تحقق قيمة الانسان لكي يعي حقيقة وسر وجوده وانه نفخة الله الحق المبين..
ولكن لابد لنا من امعان الفكر والتزام الحياد و التناوب على رداء الفلسفة والحكمة دون التملص من رداء الإيمان وبهاء مجهود السابقين الذين لولاهم ما كان اسلافنا أحياء وماكان لنا حق العقيدة او حق البقاء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى