مقال

إعادة تعريف الخير والشر

ظهير طريف فالح| العراق

الجدل الفلسفي لاينتهي حول الخير والشر طالما انشغلت البشرية بتصنيف الأفعال إلى ثنائيات مطلقة (خير وشر) ونشاهد ان المجتمعات تبنت أنظمة أخلاقية و ثقافية تنظم سلوك الأفراد من خلال تصنيفات دقيقة للأفعال.. أتساءل: هل يمكننا تصنيف الأفعال بحال ذاتها إلى خير وشر؟ أم أن هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار قبل أن نطلق هذا الحكم؟

فلنحلل أحد الأمثلة للوصول إلى الإجابة هو فعل (القتل): في ساحة الحرب يعتبر القتل امر بطولي لكن في الحياة اليومية نفس الفعل يُصنّف كوحشية وخيانة للإنسانية.. كيف يمكن لنفس الفعل أن يتخذ معنيين متناقضين تماما؟ هل الأمر يتعلق بالفعل نفسه أم بالمسببات التي أدت إليه؟

الأفعال لايمكن أن تحكم بذاتها بل من خلال الظروف التي تسبقها وتحيط بها ، هذا هو المحور الذي يجب أن نركز عليه أن الخير والشر ثابتان في جوهر الفعل لكن الظروف هي التي تضفي عليهما طابع النسبية و ليس ان الخير و الشر مفهومان نسبيان.. ليس القتل في ساحة المعركة هو فعل خير في ذاته بل الظروف التي تفرضه كالدفاع عن النفس أو عن الوطن هي التي تبرره ، القتل يبقى هو نفسه لكننا نحكم عليه بالشر نتيجة الظروف اخرى التي أحاطت به كالانتقام و الجشع؛ فالفعل ثابت ، والظروف هي النسبية .

الأخطاء التي تقع فيها بعض الأنظمة الأخلاقية والقانونية هي تصنيف الأفعال دون اعتبار للظروف المحيطة بها، حينما يُحاكم شخص ما لمجرد ارتكابه فعل معين دون النظر إلى مسبباته أو نتائجه فإننا نقع في الظلم.. الفعل في حد ذاته قد يكون خيرًا أو شرًا لكن الظروف تجعلنا نفهمه بشكل مختلف.. فلماذا نعامل السرقة بدافع الجشع بنفس الطريقة التي نعامل بها السرقة بدافع الجوع ؟ ألا تُظهر الظروف هنا الفرق بين فعلين يحملان نفس المسمى لكن دوافعهما مختلفة ؟

إن المسببات هي التي يجب أن تُصنف إلى خير وشر وليس الفعل بذاته.. الفعل هو مجرد نتيجة حركية لمجموعة من الظروف والنيات فلا يمكن للفعل أن يكون معزولا عن نيات الشخص وظروفه عندما نقوم بتصنيف الأفعال بعيدا عن سياقها، نلاحظ ان محاسبة الأفراد تعتمد فقط على أنهم ارتكبوا فعلا معينًا دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة والمسببات والنتيجة هي خلق فجوات في النظام القضائي يظلم من خلالها الأبرياء .

لكن، ماذا لو كان علينا محاسبة الأشخاص بناءً على نتائج افعالهم ؟ ماذا لو كانت العقوبات تُبنى على ما نتج عن أفعالهم بدلًا من الفعل بحد ذاته؟ نصل إلى نظام أكثر عدالة و عديم الثغرات التي تظلم الأفراد.. في النهاية يجب اطرح تساؤلي / هل نحن قادرون على تصنيف الأفعال بناءً على السياق الذي وُلدت فيه ؟ أم أننا سنظل عالقين في التصنيفات السطحية التي تظلم الأفراد ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى