مقال

متى يغيرني القرآن؟!

بقلم: د. أحمد الطباخ
حين أطهرقلبي من سائرأمراضه، لأنه-كما قال ابن تيمية-: فإذا كان ورقه(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة:79]؛ فمعانيه لايهتدي بها إلا القلوب الطاهرة تلك التي خلت من كل ما يشوبها من غل وحقد وحسد وضغينة تحول بين التلقي من الله وبين طهارة تلك القلوب التي نزل القرآن الكريم على تلك القلوب التي أودعها الله السر الأعظم وصدق الله عندما قال الله تعالى:”نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المرسلين….” ولذلك لا أثر للقرآن ما لم يتدبره المؤمن بعقله ويتلقاه بقلبه فيصفيه من كل ما يحجب تلك الأنوار عن قاريء القرآن ولذلك يطهرها وينظفها ويحليها بذلك الكلام العظيم فيغيرها من حال إلى حال أخرى.

وحين أبحث عن أثر القرآن في قلبي كلما قرأت شيئا منه، جاعلاً نصب عيني قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أجدني قد خشع قلبي ورق حالي وتعايشت معه فانصدع قلبي وكيف لا ولو نزل على جبل لتحول وانتقل وتغير من حال وغيرني القرآن الكريم الذي يخاطب في الإنسان ملكات لا تتحرك وتتفاعل إلا عند سماعه الذي شد انتباه الخلق ولفت انتباههم وأخذ بمجامع قلوبهم فله حلاوة وعليه طلاوة وإن أعلاه لمثمر وأسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه

وحين أستحضر أن المتكلم بهذا القرآن هو الله، وأن هذا الاستحضار أمرٌ أساس ، إذا انفلت من قلب المتدبر ضاع منه التدبر ، وعندما يستحضر عظمة المنزل هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل عزيز حكيم فهو كلام رب العالمين المتعبد بتلاوته المعجز بألفاظه وسبكه وتراكيبه وبلاغته وقوة حروفه وسهولة نطقه وجريانه على ألسن الصغير والكبير جعلهم يزدادون بلاغة وفصاحة بتلاوته فأفاض عليهم من أنواره وأعطاهم من فيضه ببركة ما فيه فهو الكتاب المبارك الذي رفع الله به أقواما فأغناهم من فضله ووهبهم من هباته ما جعلهم في مقدمة الركبان وسادة الميدان.

غير القرآن حياة صاحبه لأنني رأيت أثره على وجوه أهله وأعمالهم وأخلاقهم فتتوق نفسي لأن أدخل في زمرة من ورد الحديث فيهم”أهل القرآن هم أهل الله وخاصته” فهم السادة إذا عملوا بما فيه وأقاموا حدوده ووقفوا عند أوامره ونواهيه فصارت وجوههم عليها سيما الصالحين وأخلاقهم قدوة لغيرهم من أثر القرآن الكريم ؛ لأنني أخشى إن لم أتغير أن أكون ممن صار القرآن حجة عليه، كما قال : “والقرآن حجة لك أو عليك”

وحين أوقن أن الذي غيّر أمةً بأكملها فنقلها -بهذا القرآن- من دركات الذل إلى مقامات الرفعة، فهو قادر على أن يغيّرني أيضاً وحين أوقن أن القرآن قادر على أن يغيّرني أيضاً، إن تعاملت معه كما تعامل أسلافي معه، حين أخذوه بقوة، ولم يتركوا منه شيئا. وحين أعرف أنني إن لم أتدبر فإنني داخل في هذا العتاب الإلهي:﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾..و حينما أستشعر أني أقرأه أمام الله ،، وأن الله يستمع لتلاوتي.

اللهم اجعلنا ممن يقرأ القرآن فيرقى ولا تجعلنا ممن يقرأ القرآن فيشقى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى