صنم الحرية.. قصة قصيرة

 بقلم: طارق حنفي | كاتب وأديب مصري
ارتجف جسدها، استيقظت من سباتها، هزت رأسها بقوة لتنفض عن نفسها أثار الغفلة، تحركت بضع خطوات ثم ارتقت ربوة، أشارت بسبابة يدها الخالية من مشعل الحرية في عدة اتجاهات؛ إلى بعض الكيانات..
استيقظ كل من وقع عليه الاختيار وهز رأسه بقوة، ثم خر لها راكعًا، حركت يدها الأخرى تلك الحاملة للمشعل، أشارت بها جهة الشرق، وقالت بصوت جهوري: “هناك من يسطو على سفننا العابرة للبحر، يهدد تجارتنا، ويؤرق أمننا، آن الأوان لنتصدى للمعتدي، نحن حماة الحياة، حماة الحرية”، رددوا بقوة: “حماة الحياة والحرية”..
شحذ الجميع أسلحتهم وساروا إلى حيث العدو، عدو الحرية والأمن والتجارة..
تحدث نفسها أنها قامت بدورها على أكمل وجه، لقد أشارت بإصبعها تنتقي الأصلح للمهمة، عرَّفتهم العدو، أذِنت لهم بالهجوم..
ثم أخذها الزهو؛ تلكأت للحظات عن العودة إلى حيث السبات، وبدأت تتحرك متبخترة في مشيتها، منتشية بمُنجَزِها..
فجأة، اعترض سبيلها إنسان ما، لم تكن لتهتم بأمثاله لولا صراخه عليها؛ فهو رث الثياب يغطي رأسه ولحيته الطويلة التراب، رمقته شذرًا، ثم ارتسم على مُحَيَّاها شبح ابتسامة وهي تتطلع إلى حمله الصغير..
كان الرجل يحمل بين يديه طفلة تبدو نائمة، أو ربما قد فارقت الحياة، تَلَفّظ بكلمات اختلطت بصراخه فلم تتبن منها شيئا.

فجأة، أخذ الرجل يقبل جبين الطفلة، عينها، أنفها، ثم احتضنها وهو يبكي بتفجُّع ويردد: “روح الروح”..
مطت شفتيها ورفعت رأسها، ثم أولته ظهرها وتحركت مبتعدة عنه، صرخ بكلمات تبينت منها – هذه المرة – كلمتي ظَالِمة وقَاتِلة، توقفت، ثم دارت على عقبيها برشاقة لا تتناسب لا مع حجمها ولا مع جسدها المنحوت من الحجارة الصماء، رفعت قدمها ودهسته هو وحمله..
ألقت على طحين جسديهما نظرة خاطفة، ثم ابتسمت وواصلت طريقها، عادت إلى مكانها، رفعت مشعل الحرية وغطت في نوم عميق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى