مأزق اليسار في الانتخابات العامة
يونس العموري | فلسطين
لا شك أن ثمة صراع دائر بالمفاهيم وماهية المدركات الظرفية حول حقائق واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هذا الصراع لاشك انه يحتدم في تفسير الكثير من النصوص بالأدبيات السياسية الفلسطينية، وعلى هذا الأساس أعتقد أننا بحاجة لإعادة صياغة المفهوم الوطني من جديد أو بالأحرى لإعادة تجذيره من جديد ليتناسب وواقع المرحلة وحقائق مدركاتها الآنية حتى لا نضيع وسط زحمة التنظير الإيديولوجي والفكري ومنطلقات توجهات الكثير من الرؤى والأطروحات السياسية الهادفة إلى برمجة الوعي الوطني والعربي للمرحلة بما يتساوق وأجندة الكثير من القوى العاملة على كافة الساحات المحلية والإقليمية وبالتالي الدولية والتي ترى في هذه المنطقة بوابة من بوابات العبور نحو السيطرة على سدة الفعل السلطوي على المستوى العالمي والأممي. وأولى هذه المفاهيم التي اعتقد انه من الضروري إعادة صياغتها بما يتوافق والرؤية الإستراتيجية للقضية الوطنية برمتها هي توصيف المرحلة الراهنة وماهيتها، ليُصار الى تحديد حقيقة البرنامج السياسي المتوافق عليه وانبثاق الأدوات الرافعة للفعل السياسي بكافة اشكاله سواء أكانت الدبلوماسية او الجماهيرية وصولا الى طبيعة فعل المقاومة ان كان لها دور او هامش في الفعل الفلسطيني هذه الأيام بشكلها العام
أعتقد أننا بحاجة لمرحلة توصيف فعلي وعملي وعلمي لماهية مرحلتنا الوطنية وهل نحن بالفعل بمرحلة التحرر الوطني ام اننا نمارس الفعل السياسي الاحترافي وكأننا قد أضحينا دولة ذات سيادة تمارس فيها القوى والأحزاب السياسية الفعل السياسي الأحترافي وهذا ما لا يستقيم وحقيقة الواقع الفلسطيني ، وعلى هذا الأساس فلا بد اذن من تحديد وتجذير توصيف وقائعنا الفلسطينية حتى يُصار لنا أن نعي أدوات فعلنا وهوامش اختلافنا واتفاقاتنا، ومن هنا ساسمح لنفسي بعبور النقاش الجاري حول مسألة الانتخابات العامة وتشكيل الحكومة الموصوفة بالفصائلية، (حكومة الوحدة الوطنية وفقا للتمثيل النسبي، ما بعد الانتخابات العامة تشريعية ورئاسية ) .
اولا لا بد من ان نتفق على ان كافة القوى والفصائل السياسية باستثناء (حركة الجهاد الإسلامي) أصبحت مكون اساسي من مكونات السلطة الفلسطينية ومن نظامها السياسي حيث كانت هذه القوى قاطبة ممثلة بالمجلس التشريعي السابق ، وبالتالي قد صارت مكون من مكونات النظام السياسي من خلال كتلها وتحالفاتها بالمجلس النيابي (برلمان السلطة الفلسطينية) بصرف النظر عن مشاركة هذه القوى في الحكومة وبصرف النظر عن مواقفها من قرارات الحكومة ومراسيم الرئاسة الفلسطينية واطروحاتها.. وحيث ان المجلس التشريعي بحد ذاته انما يعتبر إحدى أهم مؤسسات السلطة الوطنية فبلا شك أن هذه الفصائل جزء من النظام السياسي القائم بالأراضي الفلسطينية المحتلة وبالتالي قد صارت شريكة بما يصدر عن هذا المجلس سواء اكانت في صفوف الموالاة او في صف المعارضة وبالنهاية فهكذا هي اصول اللعبة الديمقراطية مع ملاحظاتي العديدة والنقدية حول ما يسمى بالديمقراطية في ظل حراب الاحتلال وممارسته وعدم استواء الفعل الديمقراطي في ظل مرحلة التحرر الوطني وليس بالضرورة ان تكون الديمقراطية على الطريقة الإنتخابية هي الأمثل للجماهير الرابضة في ظل الاحتلال العسكري والاستيطاني التفريغي.
وفي هذا السياق فإنني ما زلت اعتقد ان المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية قد جاء كنتاج من نتاجات اوسلو وتلك الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي بصرف النظر عما ألت اليه تلك الاتفاقات الا انها بقيت وستبقى الى حين شهادة ميلاد السلطة الفلسطينية وان حاول البعض ان يسوق الكثير من المبررات للتبرأ من شهادة ميلاد السلطة (اتفاقات اوسلو وتباعاتها).
بالتالي لا بد من تحديد مفاهيم المرحلة وان يكون ثمة انسجام واضح المعالم لما يصدر من مواقف لتلك القوى والجبهات والفصائل من الرفض او القبول بالمشاركة بصيغة النظام السياسي الحاكم للواقع الراهن في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، هنا لابد من اعادة التذكير ان السلطة الفلسطينية وبموجب اتفاق اوسلو واخواته يحدد وبشكل دقيق ان هذه السلطة وبالتالي النظام انما هو بالأساس مجلس اداري ذاتي لإدارة شؤون السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة وهو التوصيف الذي ما زال قائم بصرف النظر عن انتهاكه من قبل حكومات دولة الاحتلال المتعاقبة ، والمجلس التشريعي جزء من طبيعة هذا النظام والحكومة المنبثقة عن هذا النظام مكون من مكونات نظام ادارة شؤون السكان ذاتيا مما يعني ان لا سيادة فعلية على اي جزء من اجزاء الاراضي الفلسطينية المحتلة عموما، وهنا لا بد من الادراك انه وبمجرد دخول معترك المجلس التشريعي والاحجام عن المشاركة في الحكومة المنبثقة عنه انما يعتبر فهما متناقضا وابجديات تحديد المفاهيم والمدركات لطبيعة الإستراتيجية السياسية لهذا الفصيل او ذاك.
والسؤال الأبرز الذي لابد من الاجابة عليه في هذه المرحلة في ظل الدعوات العامة والكثيرة التي تشهدها الساحة والمتمثل بضرورة اجراء الانتخابات العامة ومن ضمنها التشريعي فهل في هذه الحالة ستعود جبهات الرفض النظري للمشاركة مرة اخرى بالانتخابات العامة ..؟؟ احد اهم اركان ومكونات السلطة الفلسطينية بمعنى انه اذا ما أُجريت الانتخابات العامة هل ستشارك حينها وعلى ضوء الانتخابات الجبهة الشعبية والديمقراطية وغيرها من القوى في حكومات السلطة الائتلافية؟ اذا كانت الاجابة نعم بالتالي لا يحق لأي من هذه الجبهات رفض اوسلو ومكوناتها على قاعدة ان نصوص اوسلو ما زالت الحاكمة للمجلس التشريعي .. وحيث ذلك تكون عملية الرفض للمشاركة في الحكومة الفصائلية الراهنة من قبل كافة القوى والفصائل الموصوفة باليسارية انما يجي في اطار سياسي لا استراتيجي مبدئي برفض اوسلو وتكويناته وقوانينه.
ان هذه القوى والفصائل كانت قد قالت انها ترفض الكثير من الاتفاقات الثنائية ما بين فتح وحماس ولها الكثير من الملاحظات عليه كونها قد جاء لتكرس واقع الإستقطاب الثنائي ما بين فتح وحماس وهي على حق بذلك وكان الأجدر ان تكون الاتفاقات ما بين كافة الأطراف الفلسطينية الشريكة بالوطن وعلى الأقل الشريكة بمكونات المجلس التشريعي للسلطة لطالما ان الحديث عن السلطة والأراضي الفلسطينية المحتلة مع العلم ان الهم الوطني الفلسطيني التي حاولت الاتفاقات المتعددة معالجته تعدى مسألة السلطة وامتد الى م. ت . ف وهو الأمر الذي يستدعي مشاركة الكل الوطني في صياغة مفاهيمها الجديدة او فعل اصلاحها الجديد.
ووفقا لما تشهدها الساحة الفلسطينية من لقاءات وحوارت وجلسات تسمى بالمصالحة لم تستطع اختراق جدار الرفض والعبثية بهذا الصدد. ان معظم مبررات رفض المشاركة في الحكومات الفلسطينية فيها الكثير من التناقضات التي لا تتفق وجوهر صياغة استراتيجية الفعل والفهم والمنطق حيث ان هذه القوى وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( وانا هنا لا أدعو هذه القوى للمشاركة من عدمه .. ) انما تعتبر أن عدم المشاركة يعود لاسباب سياسية تمثلت في كتب التكليف التي دعت وكانت تدعو الى احترام الاتفاقيات الموقعة بين قيادة م.ت.ف واسرائيل، التي تضمنت الاعتراف الرسمي باسرائيل, ووقف المقاومة ويبقي على جذور الصراع الداخلي بين الرئاسة والحكومة، وحركتي فتح وحماس، وشكل هبوطاً عن برنامج القواسم الوطنية المشتركة، برنامج الحد الادنى المتمثل في وثيقة الوفاق الوطني التي أجمع ووقع عليها كل الوان الطيف الوطني الفلسطيني السياسي والاجتماعي, على حد تعبير هذه القوى … وهذا يستدعي منا التوقف قليلا امام هذا الخطاب … حيث انه وبالعودة الى البدء نلحظ ان ثمة تناقض بالموقف على اعتبار اننا وكما اسلفنا ان شهادة ميلاد السلطة والذي يعتبر المجلس التشريعي من اهم مكوناتها قد جاء بموجب اتفاق اوسلو واخواته… ولا يمكن ان نخفي هذه الحقيقة حتى وان قيل ان النظام الأساسي الفلسطيني هو الركن القانوني الذي يستند اليه المجلس التشريعي وتكويناته وهذا برأيي مجافي للحقيقة… فما زال اتفاق اوسلو هو السند القانوني للسلطة وبالتالي للتشريعي التي عبرته الجبهة الشعبية وباقي قوى اليسارمؤخرا … بل ان الإنتخابات الأخيرة للتشريعي قد تم خوضها وفقا للتفاهمات ما بين م. ت. ف واسرائيل وخصوصا في القدس…. وفيما يخص احترام الإتفاقات فبتصوري ان من عبر الى دهاليز الفعل السلطوي من بوابة التشريعي وقد يكون العبور لاحقا الى الحكومات او الى التشكيلات الأمنية التابعة لسلطة اوسلو يحترم بشكل او بأخر الإتفاقات الموقعة وان كانت بالطرق غير المباشرة.
لا شك ان من حق الجبهة الشعبية وتلك القوى ان لا تشارك بأي حكومة لا تتفق معها بالبرنانج او الرؤية السياسية لكن ليس من حقها ان تتناقض وواقعها وظرفية فعلها السياسي بالسلطة ( المجلس التشريعي ) … اعتقد ان الجبهة الشعبية وغيرها من فصائل العمل الوطني مطلوب منهم اليوم واكثر من اي وقت مضى الإجابة عن السؤال الأكثر الحاحا وهو توصيف المرحلة فلسطينيا … وهل ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني ام نحن في مرحلة فعل الإحتراف السياسي؟
ان عبور قوى اليسار الرفضوية الى ساحة اللعبة السياسية بالملعب السلطوي ومن خلال المجلس التشريعي هو بحد ذاته اقرار واعتراف بمحددات واساسيات السلطة الفلسطينية (الإتفاقات الموقعة) ومن قال ان من يعارض اتفاق ما او برنامج يتم التصويت عليه ضمن ما يسمى بنظام الفعل الديمقراطي لا يكون شريكا بالقرار المُتخذ حسب نظام الأقلية والأكثرية… بل لا شك انه نظام الأكثرية والأقلية ووفقا لما يسمى بالنظم الديمقراطية بات مطلوبا… وقد اتفهم الموقف بعدم المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية كونها تأتي كإستمرار للحالة الانقسامية المتطورة الى حالة انفصالية والإستقطابية الحادة ما بين فتح وحماس لكن لا يمكنني أن أتفهم ارجاع عدم المشاركة الى ما يسمى الاعتراف بالإتفاقات الموقعة كون كل القوى والفصائل قد تجاوزت هذه النقطة بلحظة قبولها بقوانين اللعبة الديمقراطية السلطوية الفلسطينية المستندة للإتفاقات مع الجانب الإسرائيلي وممارستها للعملية الانتخابية وبالتالي عبورها الى التشريعي