أدب

زلًًة أفضت إلى مذلّة

خالد رمضان|كاتب مصري – صلالة
لم يكن يوما ما بيني وبين طريق الصلاح والفلاح إلا قيد أنملة، فمنذ نعومة أظافري أمقت العصيان والبهتان والشر والطغيان، وتنفر نفسي منه نفورا مبينا، وتشرد عن الغواية شرودا مستطيرا، فكنت دوما أتحسس الصواب وأتجنب الخطأ قدر استطاعتي وما ملكت يداي.. لقد كنت أعيش على أعتاب رحمة ربي، أرجو جنته، وأخشى عذابه وغضبه وسخطه وعقابه، أصلي فرضي، وأصل رحمي، أرعى ولدي، وأقضي ديني، أهدهد ابنتي، وأصون زوجتي، أود صديقي، وأحترم جيراني، أنام ملء جفوني، هانئا راضيا شاكرا مطمئن النفس، مرتاح البال رغم تقصيري، وقليل تعبّدي وتضرّعي، لكنني كنت أشعر دائما أن هناك اتصالا بيني وبين ربي بحرصي على إرضائه، وتجنبي لمعصيته وإغضابه سبحانه؛ لكن الأمور لا تسير على وتيرة واحدة، فلن تستقيم لك طاعة، ولن تغفل عنك معصية أو فتنة؛ ليمحصنا الله تمحيصا، ولتبدو لنا معادننا على صورتها الصحيحة حينما تحرقها النيران حرقا فيُعلَم من بكى ممن تباكى.
وإذا بالأيام تمر تترا ، فتتمخض عما تخبئه لك، فالليالي حبالى بما يقض مضجعك، ويؤلم فرحتك، فتزل قدم بعد ثبوتها فإذا بك على حافة الهاوية التي هي المهلكة، فلا خروج منها ولا نجاة، أو كأنك قد ضللت طريقك في فلاة تنتظر موتا بطيئا وهلاكا ذريعا.. ما أضعفك وأنت تواجه فتنة قبيحة بنفس ضعيفة هذيلة ركيكة، تتلاعب بك كما تشاء، كأنها هر يداعب فأرا، أو عقاب يحمل أرنبا.
يا للعجب حينما أجد نفسي أمام هذه الغانية قانطا حائرا خاويا خاليا من أدنى عزيمة مستسلما راغبا فيها مقبلا عليها تحدوني نفسي نحوها رغم علمي بشرها ودونيتها وعاقبتها..تأخذني إغفاءة أو سِنةٌ من اللاوجود فكأنني شخص ٱخر زلّت قدمه نحو الحرام ودون سيطرة على عقله، ولا تحكما في نفسه، ثم يمن الله عليك ربما بدعوة من والديك أو أحدهما قد كنت بررت بهما، أو من مسكين ساعدته، أو صاحب حاجة رافقته وسايرته، أو ركعة في جوف الليل اقتنصتها، أو رحم مقطوعة قد وصلتها، أو نعمة غمرتك فشكرتها، أو نقمة عن ضعيف قد صددتها، أو دمعة في غسق الدجى قد أرسلتها.
يمن الله عليك فيأخذ بيديك، فلا تهوي بك قدم، ولا تجرفك قاذورات الرمم؛ لأنك لم تزل لك عند الله حظوة، وهنا تفيق من غفوتك، ويصحو ضميرك من سباته العميق فاغرا فاه لينهشك نهشا، مؤنبا مثبطا ميئسا ، فلا يرقأ لك دمع، ولا يسكن لك جفن. وفي خضم هذه الهالة الكئيبة من الندم، وذلك القيد الذي أحاط بك إحاطة السوار بالمعصم تنهار نفسك وكأنك تحت سفح جبل تخشى أن ينهال عليك، فأنا أحقر الحقراء، لا أستحق الحياة ولا النجاة، مكانك ذلك الويل في جهنم مع الفاسقين والفاجرين والمنافقين.
هكذا تحدثك نفسك ساخطة ناقمة على جرم اقترفته في غفلة من الزمن يداك، مثمثلا قول الحسن البصري – نضر الله روحه: هانوا على الله فتركهم، ولو عزوا عليه لعصمهم، ثم تلملم أشلاءك، وتجمع قواك، فتنهل من ماء الوضوء؛ لتغسل ما علق بك من ذنوب، ثم تصف قدميك في عتمة الليل لتمثل بين يدي ربك، حيث لا أحد إلا أنت وهو، ثم تطلق العنان لدموع عينيك فتجري أنهارا حتى تمحو ٱثار معصيتك متمثلا قول الشاعر:
قلبت وجهي في السماء وفي الثرى
وأنا الضعيف فلم أجد إلاك
من ذا الذي يضغي سواك لشكوتي
هل لي سواك لأشتكي لسواك
وقتها تلتقي دموع الندم بدموع الخشية والأوبة فتشعر وكأن رحمات ربك تتنزل عليك، ونور عفوه وكرمه بين يديك.
غفر الله لنا ما لا تعلمون، وجعلنا خيرا مما تظنون.
والله لو علموا قبيح سريرتي
لأبى السلام عليّ من يلقاني
ولأعرضوا عني وملّوا صحبتي
ولبؤت بعد كرامتي بهواني
عزاؤنا أن نكون من أصحاب تلك النفس التي قال تعالى عنها:
” ولا أقسم بالنفس اللوامة ”
وٱخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى