الفنان نجاح الموجي والإعلامية وفاء كمال الخشن وجها لوجه

أثناء مهمتي الصحفية في تغطية المهرجان السينمائي الخامس في سورية. 

كنتُ أحاول الوصول مبكرة إلى صالة الاستراحة في فندق الميريديان لأتفحص الوجوه، وانتقي الشخصيات التي أجري معها حواراً.

وماكان يفزعني هو أن يطلب مني أحدهم دخول  “كافيتيريا ” الفندق.ل أنني سأحير بدفع الفاتورة الباهظة الثمن. رغم إن رئيس التحرير جعل الحساب مفتوحاً أمامي. لكن لم أكن أريد أن أترك أعباء مالية على المجلة خشية أن يستغل أحدهم الموضوع ضدي.

كنتُ أنهي لقائي مع المخرج “محمد خان” وعيناي تلاحقان الفنان “نجاح الموجي “الذي جسد دور المجنون في فيلم “أيام الغضب” الذي عرض بالمهرجان. وكان يبدي موهبة فذة لو أتيحت له الفرصة لكان فناناً عالمياً من الطراز الأول.

ورغم أن الفيلم كان ذا طابع درامي عالٍ لكنَّ “نجاح الموجي” أضاف له لمسة كوميدية تجسد وجوده اللامع في عالم الكوميديا فالأغنية التي أداها في الفيلم حققت فيما بعد نجاحاً وشهرة بحيث تكررت طلبات المشاهدين والمستمعين لها في التلفاز والإذاعة : 

اتفضل من غير مطرود 

إياك تتجنن وتعود ..

الداخل عندنا مفقود.  

والخارج من هنا مولود.

كان الجميع يتحدث عن براعة “الموجي” في صناعة نجوميته بتلقائيته وخروجه الجميل عن النص . ومع ذلك لم ينل حقه بالشهرة والنجومية .

كنت ُ أهيء نفسي للذهاب إليه فإذا به ينهض عن أريكته فجأة ،ويتوجه نحو باب الفندق للمغادرة .

خشيتُ أن لاأراه مرة أخرى .فتتبعتُه حتى غادر الفندق باتجاه مبنى أو باب آخر للفندق .لم أعد أذكر تفاصيل تلك المهمة التي كانت أشبه بتحريات رجال الشرطة .كل ماأذكره أني صعدت خلفه مايقارب سلم لثلاثة طوابق واختفى بعدها من أمامي   لأنه استقل مصعداً كهربائياً .وكنت أخشى دخول غرف المصعد الضيقة .لذا ركضتُّ وسابقتُّ المصعد حتى كاد نفسي ان ينقطع وتعرق فخذاي السمينان رغم برودة المكان وراحا يلتصقان ببعضهما. فحاولت مسح العرق وأنا أنظر على الشمال واليمين لأتحرى عن وجود كاميرات . لكن لم ألحظ وجوداً لأي كاميرا وقبل إنهاء مهمتي بثوان ، أطبق علي احدهم قائلاً: من أنت؟ قلت صحفية وأبحث عن الفنان “نجاح الموجي “لدي موعد معه. 

طلب بطاقتي الصحفية. نظر إليها ثم تمعن في وجهي الذي تعرق من شدة المجهود الذي بذلته في الملاحقة والصعود .حتى بدوتُ وكأنني قد ارتكبت جريمة .تحدث الرجل مع احدهم ثم أذن لي وقال :إنه في الطابق العلوي شكرته وهممت بالصعود وفخذاي يتلاصقان ويطلقان صوتاً متواتراً .فقال : المصعد فارغ يا آنسة . 

فضحكت وقلت: أريد أن أقوم برياضة (وأنا ألعن أبو الرياضة في سري) فقد تسلخ قدماي وتقلصت عضلاتهما اللتان أوهنهما سوء التغذية.

لم أكن على موعد مع “الموجي “، بل كنتُ متطفلة وفضولية. ولاأدري من أين استمديتُ الثقة بأنه سيستقبلني !!في حين كان لابد أن أخشى من أن يقوم بطردي  .إلا أن مراقبتي له في صالة ضيوف الفندق قبل فترة وجيزة جعلتني أتفاءل لأنه كان يبدو خافض الجناح، كريم الطبع مع الناس ،جميل المبسم . كان هزيل البنية إلى حد الشفقة ,وقدصنع خداه حفرتين برز فوقهما عظم خديه اللذين كادا أن يفقدا لحمهما. لكن عيناه كانتا تتقدان وهما  تراقبان الجميع.وصلتُ إلى مكان وجوده .كان الباب مشقوقاً شقاً بسيطاً، فدسستُ رأسي وميزتُه رغم عتمة المكان، وقد غير ملابسه. فقد ارتدى أفرولاً أزرق ،وكان يعبث بأشرطة سينمائية كبيرة الحجم. قرعتُ الباب ودخلتُ .كنت أعتقد أنه سيفتح الإنارة . لكنه لم يفعل إلا إنني استطعت أن أميز ابتسامته التي تحمل التساؤل حول وجودي في مكان عمله.

حيَّاني بلطف ثم مضى وأغلق الباب خلفي .حتى باتت الغرفة أكثر ظلمة . فبدأت أرتجف وأتخيل انه مجنون حقيقي، كدوره في فيلم “أيام الغضب ” . وإنه لم ينجح في تقمص ذلك الدور لأنه موهوب بل اعتقدت لوهلة ان ماشاهدته في الفيلم لم يكن تمثيلاً. وخصوصاً حين دققتُ النظر في البقع الشحمية التي ملأت (الأفرول) الذي يرتديه والتموجات التي كانت تذهب بكل اتجاه من رأسه دون أن تغطي فراغاته. تمعنَ فيَّ طويلاً وهو يبتسم .ثم سألني: أنتِ طالبة في قسم السينما؟ كنت خائفة جداً قلت له: لا ..أنا طالبة أن تفتح الباب . 

ـ ليه 

ـ أريد أن أعود من حيث أتيتُ ..

فسمعتُ صوت ضحكته وكأنه لمس خوفي من المكان.فغنَّى مقطعاً من الأغنية التي غناعا في الفيلم :

” الداخل عندنا مفقود 

والخارج من هنا مولود” .

تضاعف خوفي وأحسست أنني في فيلم من أفلام “هيشكوك” الذي يجبر المشاهدين على الانخراط في شكل من أشكال التلصص. ويقوم بتأطير اللقطة لزيادة القلق والخوف أو التعاطف،.

حاول بعدها أن يبرر وجود العتمة بأنها من مقتضيات عمله .يبدو أنه كان يقوم في نقل الفيلم أوضبط شيء ما له علاقة بالفيلم أوأنه ينسخ نسخة من الفيلم . فهمتُ أنها كواليس السينما .لكن الظلمة ظلت  ترعبني : قال انتظريني قليلاً . لكنني أصريتُ على المغادرة، اعتذرتُ وقلتُ: سأدعك لعملك وألقاك في وقت آخر .

لم يعرني انتباهاً مطلقاً .فكل انتباهه كان موجهاً صوب الصالة في الأسفل . غادرتُه وكلي إحساس أن الباب مو صد بإحكام ولن يفتح معي .

لكنَّ مخاوفي انحسرت عندما أصبحت في الخارج دون عناء .

هز البوّاب رأسه مودعاً .وهبطتُّ أنا  السلم مسرعة ،وساقي يلامس رأسي وأنا أردد منولوج الفنان والناقد العراقي عزيز علي :

إنعل أبو الفن 

لأبو أبو الفن . مو راح إنجن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى