فنون

الراية البيضا.. نموذج لدراما صراع القيم

بقلم: علي جبار عطية
استعدت ذكرى العرض الأول للمسلسل المصري الأثير إلى قلبي (الراية البيضا) مطلع سنة ١٩٨٩ على تلفزيون العراق في خطوةٍ عُدت جريئةً وقتها لما يتضمنه المسلسل من قضايا حساسة كان العراق وما زال يعاني منها وأهمها صراع القيم، وهل يبقى الشرفاء على مواقفهم المبدئية أم يستسلمون ويرفعون الراية البيضاء طلباً للسلامة كما يروج له في كل عصرٍ ومكانٍ خاصةً في صراعنا الحالي مع مسوقي التفاهة والسطحية والتقاتل على المادة.
وحتى يدرك القارىء المعاناة الإضافية لمن يتابع المسلسلات العربية أقول : إذا فاتتك مشاهدة حلقة لسببٍ ما
فمن المتعذر أن تتاح لك فرصة أخرى لمشاهدة الحلقة الفائتة كما تتاح الآن الفرص في القنوات الفضائية أو المنصات الباثة للمسلسلات أو قنوات اليوتيوب فكانت الخسارة فادحة لو فاتت المشاهد مادة درامية ذات مضامين عالية مثل مضامين مسلسل (الراية البيضا) !
أستعيدُ هذا المسلسل بكل تفاصيله وأبطاله ورموزه ؛ لأنَّ قضيته حاضرة،و نابضةً بالحياة .
أُنتج هذا المسلسل سنة ١٩٨٨ وبلغ عدد حلقاته ١٦ حلقة، وأخرجه محمد فاضل، وكتبه أسامة أنور عكاشة استناداً إلى حكايةٍ حقيقيةٍ بطلتها امرأة كانت تعمل تاجرة خردوات في منطقة السيالة بمدينة الاسكندرية ترى أنَّ كل شيء يمكن أن يشترى بالمال يقابلها وزير الأشغال العمومية في العهد الملكي شيخ المهندسين عثمان باشا محرم لكنَّ الكاتب حور في الحكاية قليلاً فجعل شخصية التاجرة اسمها (فضة المعداوي) وتمتهن بيع السمك، وقد جسدت الفنانة سناء جميل الشخصية بمهارة يقابلها العملاق جميل راتب بدور السفير المتقاعد (الدكتور مفيد أبو الغار) صاحب الفيلا التراثية التي يرفض بيعها.
وربما يتساءل الكثيرون عن أهمية الفيلا التراثية، وسر التمسك بها مع وجود بدائل والجواب هو أنَّ المجتمعات البشرية شهدت وتشهد الكثير من الصراعات من هذا النوع بين القيم المادية والقيم المعنوية ولو تنازل أصحاب المبادىء عن تمسكهم بمبادئهم لانتفى الصراع وما كانت للحياة الحقيقية من قيمةٍ.
ولا يغيب عن الأذهان المشهد البانورامي الأخير في المسلسل وهو يصور المعتصمين أمام الفيلا الذين يرفضون هدمها ويدعون المثقفين لدعمهم لكنَّ النهاية الحقيقية لم تكن سعيدة فقد هدمت الفيلا سنة ٢٠١٠ وحسمت المعركة لصالح تيار السوق !
ولطالما تساءلتُ مع نفسي: أين الخلل؟ وهل نحنُ مثاليون نُحمّل الواقع أكثر مما يحتمل أم أننا لم نقرأه قراءةً صحيحةً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى