صمود وعزة ومنعة في غزة !
د. أحمد الطباخ
لقد تتابعت قوى البغي والاستكبار في ذلك العالم المنافق على عالمنا العربي والإسلامي، في سلسلة من العدوات والحروب دامت سنوات، واستطاع في سنوات التفكك والضعف أن يزرع ذلك الورم الخبيث في قلب هذه الأمة التي صارت من ساعتئذ في مرمى أهداف الأعداء، الذين يضمرون الأحقاد والبغضاء في قلوبهم، وما تخفي قلوبهم أكبر، فهي سلسلة وحلقات من الصراع بين الحق والباطل، بين أهل الإيمان وأهل الفجر والكفر الذين جهروا بذلك وصراع أكابر مجرميهم بذلك في غفلة من أمتنا، وهي لا تدري ما يدبر لها بليل.
وما زال الصراع مستمرا بين قتلة الأنبياء والمرسلين، وبين أمة الإرث الحضاري الذين جعلهم الله حراسا على مقدسات المسلمين، ولن يهدأ لهذا الاحتلال ومن يسانده بال من استغلال حالة الضغف والشتات التي عليها الأمة التي صارت غثاء كغثاء السيل، تتهافت عليهم أراذل الأمم في خذلان ووضاعة وحقارة، وفي هذه الأيام تتداعى الأحداث ليعيد التاريخ وقائعه، ويكون موعد اللقاء في ساحات النزال في تلك البقعة المباركة التي باركها الله في غزة العزة الأبية التي استعصت على هذا الغاصب المحتل وأذياله وأتباعه، وعندما جن جنون هذا المحتل لما حل به من خسائر في الأرواح والممتلكات أعمل الذبح والقتل لأطفال ونساء وشيوخ فلسطين المحتلة.
وليس ما حل بغزة العزة في هذه الأيام ببعيد، وليس ما يحدث اليوم بغريب على أهل فلسطين ولا بإجرام الاحتلال الصهيوني، فقد تكررت الصولات والجولات على غزة في معارك استشهد فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا لتخرج غزة العزة في كل مرة أبية عصية قوية تضرب أروع الأمثال في البطولة والرجولة والاستبسال، من أجل أن تظل عنوان الكرامة والعزة والصمود مهما دفعت من أثمان، وقدمت من أبطال، وأبقت من صفحات الخلود ، وسطرت من بطولات، وكما يقول الأستاذ صفوت بركات: الذي رصد تلك الحلقات من البطولة الخالدة والعالم كله قد تجمع على أهل غزة:
في الحرب العالمية الأولى، وفي مثل هذه الساعات في 31-10-1917 كانت القوات البريطانية قد أكملت احتلالها لمدينة بئر السبع لتلتف على دفاعات غزة الحصينة المنيعة التي صدّت هجومين بريطانيين كبيرين في آذار ونيسان(1917) (استخدمت القوات البريطانية في الهجوم الثاني السلاح الكيماوي بكثافة)، ومن ثمّ بدأت بالتقدم نحو غزة عبر سلسلة من المعارك على طول وادي غزة ، كان سقوط غزة سقوطاً للخط الدفاعي الحصين عن القدس وفلسطين فيما عرف بمعركة غزة الثالثة، وما إن وصل خبر سقوطها وزارة الحرب البريطانية في لندن خرج اللورد “مارك سايكس” مبتهجاً حاملاً البشارة “لحاييم وايزمن” الذي كان ينتظر في وزارة الحرب، معلنا الموافقة على الإعلان عن وعد بلفور في 2-11-1917 وولادة المشروع الانجلو- صهيوني الدموي في بلادنا فلسطين الممتد حتى يومنا هذا.. دار الزمان دورته وبعد 106 عام ها هي ذا غزة الحصينة المنيعة تقف وحيدة في الحرب العالمية الثالثة عليها..في معركة هي بمنطق التاريخ معركة لمحو “وعد بلفور” وسايكس بيكو والاستعمار الانجلو-الصهيوني الجاثم على صدر القدس والعالم.. ……انتهى .
لقد قدمت غزة العزة الأبية دروسا لهذه الأمة التي تكالب عليها أراذل الأقوام من شتى بقاع العالم، وقدم العالم الظالم كل أنواع الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لهذا الاحتلال الغاصب، وما فلحت مخططاته ولا قرت عينه بسلام بسبب هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا لذلك عاشوا رجالا يهابهم الاحتلال الصــ هيـ ـــ وني.