اللقاء بصديق قديم تجديد للروح

عادل جبار الربيعي| أكاديمي عراقي
أثمن تحف الحياة هي لقاء مع الأصدقاء القدامى الأعزاء.
جاكسون براون
لا شيء يضاهي السعادة التي نشعر بها والنشوة بلقاء صديق قديم عن طريق الصدفة ولعل من الصعب وصف تلك اللحظات التي نعجز عن إعطاء عنوان مناسب لها أنها مزيج من اللهفة والفرحة والسعادة المتناهية لأنها تعيد لك شريط جميل من الماضي مهما كانت مرارته فهو بطعم الشهد لانه يذكرك بأنك عشت تلك الأيام بكل تفاصيلها وإن هذا الشريط لازال موجودا في الذاكرة وهو رصيد اضافي لعمرك الذي بدأ بالنضوب يقفز القلب من مكانه ليرسل نبضات تحاكي النبضات القديمة التي كانت ذات يوم مليئة بالحيوية والعنفوان والشباب والتي تعتقد بانها لن تغمرها مياه الشيخوخة ذات يوم.
يحدث أن نفترق عن زملاء دراسة، وعن أصدقاء سابقين كانوا في حياتنا، بعض الشخصيات التي التصقنا بهم في مرحلة عمرية ثم تركونا أو تركناهم، وربما في موقف عابر وغير متوقع تحضر تلك العلاقة بكل تفاصيلها، لنلتقيهم من جديد، ويحدث الانفعال والتأثر، فهناك من يبكي حينما يلتقي مصادفة صديقا قديما، وهناك من يتعامل مع اللقاء ببرود، وربما وجد من أنكر معرفتك، ليحكم على تلك العلاقة القديمة بالموت إلى الأبد.. فلماذا نبقى نعيش الانفعال الكبير بعد حضور علاقاتنا القديمة؟، ونتأثر بها حتى إن مضى زمن طويل، وكيف لصوت أن يبكينا بعد إذا ما سمعناه بعد طول غياب؟.
تختلف درجة اللهفة بلقاءآت غير مرتبة وحسب احساس الشخص ومدى تعامله مع العاطفة التي يكنها ولكل فترة زمنية يمر بها. فقد تكون مخيبة لاملك بعد ان لايبادلك صديق للطفولة بنفس اللهفة كما حدث معي شخصيا مع احد اصدقاء الطفولة حيث فرقتنا الظروف في الدراسة المتوسطة نتيجة تغيير سكن ذلك الصغير. فغادرنا الى منطقة اخرى مع سيل جارف من الدموع التي همرناها سوية. اختفى من حياتنا لكننا نسمع اخباره بين الحين والاخر. واخيرا انقطعت اخباره بعد دخل كلية الطب. وبعد سنين طويلة قادتني الصدفة لقراءة يافطة لطبيب في نفس المنطقة التي كنا نعيش فيها وكان نفس الاسم الثلاثي واللقب الذي كان في المتوسطة. طرت من الفرح وانا اقرا ذلك قلت انها اجمل لحظات الى لقاء حميم من زمن الطفولة. دخلت الى العيادة مسرعا واستاذنت السكرتير كي اعملها مفاجاة. دخلت على الصديق العتيق فوجدته كاي طبيب. يرتدي نظارة ويتنكب السماعة الطبية. قلت له هل تعرفني. ؟ قال مبتسما. لا ولازغرا بك. كانت صدمة اولية لانني عرفته وكانه يوم البارحة. قلت لاذكره بالاحداث. وسردت له تفاصيل المدرسة وحتى المقاعد ولعب الكرة. ووووو ولكنه لم يتذكر ولا حتى يتصنع تذكر تلك الموافق. لم اترك الامور هكذا واستدركت وذكرته بالاصدقاء الذين كانو بقربنا والمواقف وهي لاتنسى وفي مرحلة مهمة لكنه استمر بالصمت والابتسامة الخفيفة والتي تعبر عن حرج من امر لا يتذكره مطقا. واخيرا اطلقت عليه رصاصة الرحمة فاخبرته. باسم مدرسته المتوسطة عندها تذكر المدرسة وحسب ثم اضاف اعتقد ربما يتذكر بعد الملامح. لكنه اخبرني بان يساعدني في امر صحي اوشيء.
شكرته على هذا وقلت في سري انت غير قادر على مساعدتي بعد ان قتلت اجمل احساس لي في تلك اللحظات.
غادرت العيادة ومسحت تلك الذكريات من  خزيني الذي يؤرقني بين الحين والاخر.
لكن الله عوضني بعد حين بلقاء غريب حيث وقعت عيني على رجل في عقده الخمسيني لكنه يتعكز على عصا مع ابنه الشاب. ولم تكن الملامح غريبة علي فقط ذلك الطفل البدين طويل القامة وقد اخذ الزمن منه مأخذه واعادت الذاكره لي هذا الطفل ووضعت عليه بصمات كما يفعل الذكاء الاصطناعي الان. وقلت. انه هو. بكل تأكيد. فقفزت من مكاني وانا الذي اجلس في مجلس عزاء وقلت ساذكره بالايام الخوالي. لامحالة ويبدو انني لم آخد عبرة من الدرس السابق. فاخبرته بانك فلان ومدرستك هذا اسمها والسبب في شهرته انه كان مراقب الصف المعتمد. استقبلني بحفاوة وعانقني و تحدث لي عن ماآل اليه عمله والمعهد الذي تخرج منه ووظيفته الحالية ودعاني للحضور. اذا في هذه المرة نجحت صولتي.وكانت سعادتي لاتوصف وانا استرجع معه بعض اللحظات الجميلة التي اعادتني الى عقود عدة وايام الطفولة واحسست باني عشت تلك الايام فعلا ولم تمسح من ذاكرتي.
ينبغي ان ان نحرص على ان نراعي تلك الجوانب عند لقاءنا بالاصدقاء القدامى وان نتعامل مع هذا الملف بدقة واحترام مشاعر المقابل ومجاراته حتى وان اضطررنا لتصنع ذلك لانه يزرع السعادة في الشخص المقابل ولربما سوف لن تلتقي به مرة اخرى.
مااجمل اللقاء بصديق قديم والاجمل هو مبادلة نفس الشعور




