مقال

الأمة التي لا تخطيط لها لا عزة لها!

د. أحمد الطباخ
إن الأمة التي لا تخطيط لها، ولا عزة لها ولا غناء فيها، وإن الأمة التي لا تحفظ أسرارها، ولا تكتم خططها الحساسة المتعلقة بمصيرها ومعركتها لا تستحق النصر، أو الفوز، فلقد خطط النبي – صلى الله عليه وسلم- وهو المؤيد من السماء، والذي منحه الله من العون والتأييد ما كان به ينفذ ما يريد دون مشقة، أو عنت؛ ولكنه أراد أن يعطي أمته المثال لئلا يتواكلوا ويظنوا أن الأمر خبط عشواء دون إعداد أو استعداد أو تخطيط، فلقد مرت الدولة التي أنشأها النبي – صلى الله عليه وسلم- في المدينة بمراحل عديدة احتاجت إلى إعداد دقيق، وتخطيط كبير حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من قوة ومجد وترابط، فقد بذل في سبيل ذلك الجهد والمال والنفس والعلم والوقت والنفيس والنفس حتى أقامها على تقوى من الله ومودة وحب، ولن يأتي التاريخ بمثل ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم- من قيم الأخلاق وصور التسامح بين كل من كان يعيش على أرض الدولة وفق تخطيط بديع وخطط واقعية أنزلها على أرض الواقع فما عانت من تطبيق، أو جافت أخلاق الرجال الذين التحموا مع المامول والمنظور، فلم يجدوا بونا شاسعا بين المأمول والمنظور .

      لقد قامت الدولة المخطط لها على المسجد الذي خرج الرجال الذين تعلموا فيه الإخلاص لدينهم ولربهم ولنبيهم ولوطنهم ولأمتهم، فما ضعفوا أو استكانوا أو لانوا، وإنما كانوا فرسانا بالنهار في ساحات النزال  ومواقع الجهاد في شجاعة وبسالة، وبالليل كانوا رهبانا مع الله يتوددون إلى ربهم بالطاعات، ويتجافون عن الفرش مضاجعهم، يتذللون لربهم بالصلاة والقيام والصيام وقراءة القرآن، فسمت نفوسهم، وتطهرت قلوبهم، وتأدبت أجسادهم، وترفعت عن الدنايا.

       لقد ربوا نفوسهم وعودوها على أن التخطيط الذي ينبثق من الإيمان وحسن التوكل على الله هو طريق الفلاح والانتصار، وقد كانون يكتمون على أمورهم فلا يتركون ألسنتهم تلوك بالقيل والقال، فيفشون أمور البلاد وأسرار العباد، وإنما يستعينون على قضاء حوائجهم بالكتمان، فما نجحت الهجرة النبوية الإ بأمرين هما سر نجاح وفلاح أي أمر من الأمور، فإن لم يكن التخطيط والسرية في كل أمر من الأمور ، وكل شأن من الشئوون فعلى الدنيا السلام، ولاتنتظر منه الإ الضياع؛ ولذلك نجد القرآن يشنع على المنافقين المجرمين فيصفهم بأنهم لايصونون سرية الأخبار، فيقول الله تعالى:
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة النساء(83)]
والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمهم أن سر النجاح هو كتمان السر مع التخطيط، فيقول صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).

ولقد بدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – دعوته سرا، واختفى حينا مع طلائع المسلمين في دار الأرقم بن الأرقم، وكان يخفي تفاصيل تحركاته في الغزوات غالبا، ويأخذ بالتورية والكتمان، ولقد تجلت السرية بأدق معانيها في الهجرة.

والتخطيط في تاريخ البشرية ليس أمرا مستحدثا يفخر به أبناء العصر الحاضر، بل هو توجيه إسلامي منذ نزل القران المجيد الذي يقول الله للرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقول:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[سورة آل عمران (121)]؛ أي خرجت من بيتك مبكرا توزع المجاهدين معك على مواقعهم، ومواقفهم حسب تخطيط منظم، ومنذ قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-:(خذ من شبابك لهرمك، ومن صحتك لمرضك، ومن غناك لفقرك)، ومنذ قال الحكيم في الأثر القديم : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).

وما من عمل الإ وكان المسلمون يخططون له، ويستعينون بأهل العلم والكفاءة والثقة والخبرة في كل مجال من المجالات دون النظر في جنس أو سن أو دين أو لون، وإنما الفيصل في ذلك هم أهل الخبرة والعلم والثقة الذين يحسنون في علمهم، ويؤدون بالأمانة، ويكتمون أمرهم حتى يتم تخطيطهم وينجح عملهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى