قيام الليل دأب الصالحين

الشيخ علي المصري الأزهري | وزارة الأوقاف المصرية

صلاة الليل والتهجد في الأسحار يتجلى بها الإتصال بالله العلي الأعلى ،في صورة من التعبد بهية بهيجة ،فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: أفضل الصلاة بعد الفريضة ،صلاة الليل .

وفي رواية لأحمد:أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة في جوف الليل

ولقد روي أن قدوتنا الأولى، وأسوتنا العظمى. نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه،فقالت له عائشة  :لم تصنع هذا يارسول الله ،وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وماتأخر ؟قال:أفلا أكون عبدا شكورا …

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه ومولاه ،وأتقاهم له ،يخلو ذاكرا ربه،كلما سنحت له فرصة يتعبد لخالقه ،فإذا جاء الليل وأرخى سدوله،توجه إلى معبوده يناديه ،ويدعوه،يتضرع بين يديه قائما وقاعدا وساجدا ،حتى يكاد الليل أن ينجلي وهو لم يشعر بطول القيام ،وكيف له أن يشعر بذلك،وهو خال بالله تعالى،خال بملك الملوك ،مستأنس بمناجاته ،متلذذ بعبادته،مقبل عليه بقلبه..

ما أحوج الإنسان لخلوة بربه ،ومولاه يناجيه ،ويدعوه ،ويتلذذبالتعبد بين يديه ،والتقرب إلى أكنافه،والإنطراح إلى جنابه ،يستمد منه العون،يستلهم منه التوفيق،ويسترشدبه ملامح الطريق ….

رجع أبو ريحانة رحمه الله من بعث غزا فيه،فلما انصرف،أتى أهله فتعشى ،ثم دعا بوضوء،فتوضأ ثم قام إلى مسجده،فقرأ سورة،ثم أخرى فلم يزل مكانه،حتى أذن المؤذن ،فأتته امرأته فقالت:قد غزوت فتعبت،ثم قدمت إلي ولم يكن لي منك نصيب!فقال:بلى،لو ذكرتني لكان لك علي حق.

قالت :فما الذي يشغلك ياأباريحانة؟قال لم يزل يهوى قلبي فيما وصف الله في جنته حتى سمعت المؤذن!

وكان طلق بن حبيب إذا قام من الليل ،لا يركع إذا افتتح سورة البقرة ،حتى يبلغ العنكبوت،وكان يقول:أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي !…

وكان أبو حنيفة إذا أراد أن يصلي من الليل ،تزين حتى يسرح لحيته .

كان محمد بن المنكدر يقول :لم يبق من الدنيا إلاثلاث :قيام الليل ،ومصاحبة الأخيار ،والصلاة في الجماعة.

هكذا عرفوا أسرار الليل وعاشوا صفائه وجماله فلم يعدلوا به شيئا ،ولئن توهم متوهم جنته في دنياه ومتاعه فإن جنة المؤمن في محرابه كان عبد العزيز بن أبي رواد:يفرش له الفراش فيضع يده عليه ويقول: ماألينك ولكن فراش الجنة ألين منك ،ثم يقوم إلى صلاته .

فيا لشوق عمر قلوبهم،ويالأسرار تكشفت لهم في ذلك الليل فأسهرتهم حين نام الغافلون ،وأشجتهم حين غفل الخليون .

ولله در الشاعر إذ يقول :

إذا مالليل أظلم كابدوه

فيسفر عنهم وهم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا

وأهل الأمن في الدنيا هجوع

لهم تحت الظلام وهم سجود

أنين منه تنفرج الضلوع

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى