أدب

الباب الموصد

قصة قصيرة

تامر محمد عزت | القاهرة 

كانت ليلة مملة من احدى ليالي الصيف الجافة، كل شيء خانق وبه من الملل ما يكفي، الساعة تقترب من العاشرة مساءَا، وزوجته بالخارج مع ابنته، لا يوجد ما يشجع المرء على السهر، لا فيس بوك ولا انستجرام، ولا تلفاز، وإن كان كذلك فالنوم هو الحل، سيتصل بزوجته أنه سوف يراها في الغد.

أنار الجوال بشكل مفاجيء ينبه على قدوم رساله.. حمل صديقنا الجوال وفتحه وهو يتثاءب..
(السلام عليكم )
كانت الرسالة قادمة إلى ماسنجر الفيس بوك، يحمل اسم (رحيق الأزهار) !!
من رحيق الأزهار تلك؟ هكذا تساءل بينه وبين نفسه.

وعليكم السلام.. مَنْ؟
لم تخبره في لحظتها .. أكملت :
تابعت مقالاتك وقصصك الفترة الماضية وخصوصا أنك تتكلم عن الأحلام.. هل تؤمن بها حقا ؟ أنا أيضا مهووسة بها ..

بماذا أجيب؟.. شرد قليلا
إنها بالفعل صديقة لديه، لم يذكر متى أضافها وكيف؟ من عادته لا يقبل أي طلبات صداقه مجهوله، ولكن من الواضح أنها تتابعه في صمت كما يقولون، وتختبئ خلف اسم مستعار .. لا يرتاح لهؤلاء، لا يوجد لهم اسم واضح ولا صوره حقيقيه لصاحبها على بروفايل الحساب ، ولا أي دليل على أن هذا الشخص من فصيلة بني البشر، أو أنه من البشر ولكن طقوس المؤامرة الكونية تحيط به، هل هو جاسوس؟ مندس؟ مراقب؟ تبع الكتائب الإلكترونية، لجنة من اللجان؟، وما الضرر؟، حظر وانتهى الأمر، ليس لدي ما أخفيه..
اتخذ القرار وهمّ بتنفيذه..
وقبل أن يضغط على زر الحظر كانت تكتب:
هل لديك أخت؟ هل والدك حي يُرزق؟ هل هناك خلافات عائلية؟

أُسقط في يده !
كيف أجيب؟ ..فكر قليلا
أكملت:
هناك حلمان .. الأول..
قاطعها : من أنتِ؟
هي: لا يهم الاسم أو العنوان ولم ولن أطلب منك شيئا.. كل ما هنالك أنني حلمت بك مرة والسيدة أختك مرة أخرى
وسأخبرك بما رأيت ؟
أفاق صديقنا من شروده وطار النوم من عينيه واشتعل الأدرينالين في خلايا مخه طاردا كل الملل.. اعتدل في جلسته وكتب: إذن.. في انتظار الحلم الأول .
هي:
رأيتك على شاطيء النيل تقف بين الناس في انتظار المركب، يبدو أنها ( معديه)، كنت تريد الذهاب للجانب الآخر، ولكن هناك من يستغيث بك.
كتب بسرعه : من ؟
هي : فتاة شقراء، طويلة القامة، ترتدي فستان أسود قصير الأكمام، شاحبة الوجه، باكية بلا دموع ، تمد إحدى ذراعيها إليك وكأنها تطلب الاستغاثة، لا تنطق، ولا تصرخ، ولكن عينيها تستغيث بك، كانت على بُعد عدة أمتار منك،بينكما برزخ من مياه النيل، أنت على البر، وهي على مركب خشبي صغير أشبه بمركب الصيادين…عليها شخص في الجهة الأخرى من المركب ويجدف بها إلى الظلام.. وتتلاشى من أمامك رويدا رويدا.

سرت قشعريرة في جسده، كانت توصف أخته بهيئها الجديدة بعد طلاقها منذ عامين ، والعلاقة بينهما ليست على ما يرام منذ عدة أشهر بسبب تصرفاتها، وكانت بالفعل تسير نحو المجهول!
كيف عرفت تلك المسماة بـ رحيق الأزهار بتلك التفاصيل!

انتبه مرة أخرى لرسالة الماسنجر

هي : هل أُكمل ؟

هو: !!؟؟
هي : لا تتعجب.. فالحلم الثاني فسّر الحلم الأول.
هو : كيف؟
هي:
يبدو أن والدك حزين عليها، يشبهك كثيرا، لا أعرفه، ولكن ملامحه يشبهك أنت..فعرفت أنه والدك.. كان يقف خلف باب غرفة، الباب مغلق، يطرق الباب كثيرا بلا فائدة، يبكي بحرقة، ينادي بصوت مكتوم، حتى ذهب الصوت وظل يبكي، وفي الداخل تجلس أختك في ركن بعيد، نفس الهيئة السابقة، نفس الوصف، ولا تستطيع أن تنهض من مكانها، تسمع والدها من الخارج وتنظر الباب ولكن بلا استجابة، كأنها في حالة شلل تام، والمفاجأة تكمن في التفاصيل.

ما هي؟

استطردت :
أنت تقف في الركن المقابل لها وتحمل المفتاح… مفتاح الغرفة.. وبينكما نظرات متبادلة.. كأنك تتساءل هل افتح؟ وهي تومئ برأسها بالإيجاب.

ثم؟

لا شيء.. أحببت أن أخبرك بما رأيت..سلام.

اختفت صاحبة الحساب في سرعة عجيبة، وبعد أن كانت الليلة بطيئة ومملة، صارت معبأة بالغموض والإثارة، وعشرات الاسئلة تدق فوق الرأس.. بداية مَن التي كانت يتحدث معها منذ لحظات إلى كيف علمت بتلك القطيعة التي بينه وبين أخته وبين أبيها!!
حاول معرفة صاحبة الحساب الاليكتروني .. بلا جدوى.. لا يوجد معلومات تسمن أو تغني من جوع.. حساب فارغ بلا أي بيانات.

كانت الساعة تقترب من الحادية عشر واقترب موعد عودة وزوجته وابنته، هل يخبرها؟ هل يقص عليها تلك الأحلام؟ هل ستصدقه؟ أم سيذهب الأمر إلى أسئلة أخرى تحوم حول الشك والعلاقات السرية والحكايات الخفيه.

لم يطل صديقنا كثيرا فقد كان على موعد مع المفاجأة فيما بعد.

مر أسبوعان على تلك المحادثة ثم اهتدى لإعادة الاتصال بأخته والتي فرحت كثيرا باتصاله وأهدته المفاجأة، فقد جاءها عريس وتريد الونس والحياة والاستقرار بالزواج منه.. تعرفت عليه في إحدى الندوات الثقافية، و حدث انجذاب لبعضهما البعض… و…
مهلا..
سرح بخياله للحظة..لم يسمعها تكمل…ندوة ثقافية؟ منذ متى وهي تهتم بتلك الندوات؟ هل الفراغ القاتل الذي صارت إليه؟ أم طبيعتها التي تغيرت؟ فطرأ عليها تغيير بلا هدف؟ هل تساير موضة تلك الأيام بهذه الندوات ؟

أأنت معي؟
أفاق من شروده على سؤالها وأجاب بالإيجاب .. ثم أكملت وسوف يزور والدي قريبا.
أغلق معها غير مصدق لما سمعه أو ما تبقى مما سمعه… وسرعان ما هاتف والده وزف البشرى.. وتم الاتفاق..

عدة أشهر قد مرت على الزواج الذي تم بسرعة البرق.. ظهرت في فستان أبيض مع عريسها.. عدة صور ولقطات تشير إلى أنها سعيدة..نشرتها على كل مواقع السوشيال ميديا.. كأنها تخبر العالم بسعادتها وأن الزمن عوضها خير.

تحت عنوان ( رحيق الأزهار) كتب صديقنا القصة التي حدثت ، خصوصا أنها تنتمي إلى فكرة الأحلام التي يحبها ولديه شغف بها و بالغموض الذي عاشه.

في تلك الليلة
ظهرت رسالة عبر الماسنجر من ( م. ي) ، صديقة الفيس وصديقة اخته منذ الطفولة ، كانت رساله من فقرة واحدة.. قرأها لم ينبس ببنت شفه، ومكث في مكانه لم يتحرك.

الرسالة :
مساء الخير، قرأت قصتك اليوم، وعلمت أنك تتكلم عن صديقتي التي هي أختك، ولأنني أكاد أكون صديقتها الوحيدة والمقربة منها ،أحب أن أخبرك بشيء، أختك لم تتعرف على زوجها من إحدى الندوات الثقافية كما أخبرتكم، أفهمت الجميع أنهما تعرفا على بعضهما من خلال الإنترنت، كانا يقضيان بالساعات في المحادثة، واتفقا على كل شيء، ورفضت الزواج العرفي، ولم يكن هناك وسيلة للعودة إلى والديك إلا من خلالك،كنت الجسر الذي تريد أن تسير عليه لوالديك بعد أن كنت الباب الموصد، الحقيقة أنهما تعرفا على بعضهما من خلال وسيط، والوسيط هي الطبيبة النفسية التي تعالج لديها، اختك مريضة باضطراب الهوية الانفصالي، ، أصبحت غير طبيعية بعد طلاقها، تصرفاتها غير مسؤولة، ويبدو أن والديك لم يعرفا تلك الحقائق ، وأغلب الظن أنهما أشفقا عليها من باب أنها مُنكسره ، وزوجها الجديد رغم أنه اقترب من الخمسين إلا أنه هو الآخر ليس إنسانا طبيعيا، والطبيبة وجدت أنهما قد يتعافا عندما يرتبطان ببعضهما، وتلك هي الكارثة.. ولجأت بأسلوب غير مباشر معك.. لقد قالت لي الحقيقة كاملة.. في لحظة صدق نادرًا ما تبوح بها..ستندهش عندما تعرف أنها هي صاحبة حساب (رحيق الأزهار) ..وأن الأحلام من تأليف زوجها الحالي..و آسفة على الإزعاج.

٨

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى