قمر عبد الرحمن | فلسطين
اعتدت في رسائل قمر عبد الرحمن والتي واكبت نصوصها وقلمها وبوح روحها أن إما أن تخاطب المجهول بالنسبة للقارئ حيث كان تحرص الشاعرة أن لا توضح لمن توجه رسالتها فتكتب العنوان: رسالة إلى… لتضع ثلاثة نقاط بدل الاسم، فهذا الذي تخاطبه كانت تخاطب من خلاله شرائح عديدة في المجتمع، او توجه رسالتها لشهيد أو أسير أو جريح بدون تحديد الشخصية، وفي هذه الرسالة خرجت عن سياق منهجها فخاطبت شخصية محددة بالإسم وهو الأسير وليد دقة، ولعلها من خلاله تخاطب كل الأسرى، فقمر كانت وما زالت بجهودها الإعلامية قمر ليل الأسرى.
في هذا النص نراها لجأت للنص الشعري السردي وهو الأسلوب الأنسب لهذه المخاطبة، فالشخصية التي تتحدث عنها شخصية من شخصيات الأسرى الذين يقاومون ويتركون أثرهم في الحياة، فهو المناضل والكاتب والشامخ والمتحدي للاحتلال والسجان وحراب الجند، تزوج من المناضلة سناء سلامة وهو خلف القضبان، وأنجب منها الطفلة ملاك من خلال النطف المهربة من معتقله متحديا الاحتلال ومعلنا رسالته: وجودنا في الأسر والمعتقل لا يوقف مسيرة شعبنا والحياة.
تبدأ قمر النص بالقول: “كن وليداً” وهنا العبارة لا تحمل صيغة الأمر بل الرجاء وهذا ما يؤكده المقطع الثاني بقولها: “كي يظلّ العمر وردًا كلّما مالت شمس النّهار”، ومن خلال استخدام إسم الأسير كمخاطب نجدها اتجهت للتورية والايهام، فكأنها تخاطب مولودا وتطلب منه ما طلبته من الأسير، فالأسير اسمه وليد وهو ولد في ظل القهر والظلم والاحتلال، فثار على الظلم ولم يستسلم للجلاد رغم كل المعاناة وانهيار وضعه الصحي، فكان وليدا وأنموذجا يمثل الأسرى جميعا.
تكمل قمر نصها بالمقطع الثاني: “كن سناءً لسناء” فتطلب منه أن يكون الضوء الساطع لسناء الزوجة التي ضحت وتزوجته من خلف القضبان وحملت وأنجبت من البعيد بنطفة مهربة، وأيضا تقول بعدها: “كن ميلادًا لميلاد” مستخدمة اسم طفلة الأسير التي ولدت من النطفة المهربة وأسموها ميلاد لتكون ميلاد فجر جديد، فاجتمعت الأسماء وليد وسناء وميلاد بالشخوص في الواقع وبالمعاني من خلال نص الشاعرة قمر، فكانت المخاطبة للأسير: كن وليداً، كن سناءً، كن ميلادًا، وهذه المناشدة ارتبطت بثلاثية الأسير والزوجة والطفلة، بينما تنتقل بعدها للأسير مباشرة بالمخاطبة: كن عمراً جديدا، كن حرًا كالأغاني، كن عدو الإنكسار، كن أنشودة الميلاد للصغار، كن سحابة عطرٍ وحبٍ، كن حقيقة، كن الماء، وتهمس له من خلال ذلك: بيدك القرار، وتصرخ له في ظل الصمت العربي: تبا للكبار.
لتنهي النص والرسالة بمخاطبته بإسمه الأخير كما هو المعتاد لدى أبناء وطننا فتناديه: “يا دقة”، ومن الاسم تستعيد من الذاكرة أداة المدقة المستخدمة في بلادنا لدق القهوة والمواد الصلبة، فتهمس للأسير: “دق أعينهم بمدقة الصمود” فمن خلال ذلك تشير للمحتلين “كي يعرفوا لمن التّراب والدّيار” والله مع الحق والحق مع الأسرى فــ ” روح الله مَن جعلت الميلاد ميلادًا، وروح الله مَن ستمنحك الإصرار”، فتنهي هذ النص المتميز بالقول: “كن النّهار والنّهار والنّهار”.
فتميزت وتألقت قمر بهذه الرسالة ومعانيها وصورها وما وراء الكلمات، مواصلة مسيرتها سواء بهذه الرسائل أو ببرامجها الإعلامية في متابعة الأسرى وإعلاء رسالتهم وابقاء قضيتهم معلنة ولا يغلفها النسيان.
(26)
رسالةٌ إلى وليد دقّة
كن وليدًا.. كي يظلّ العمر وردًا كلّما مالت شمس النّهار
كن سناءً لسناء.. كلّما سرت على درب الغد والانتظار
كن ميلادًا لميلاد.. ولا تفارقها وإن طال ألم المسار
كن عمرًا جديدًا كنيسان.. يا قلب الأزهار
كن حرًا كالأغاني.. كالقوافي، كن عدو الانكسار
كن أنشودة الميلاد للصّغار، كلّما تجمّعت الخطى نحو الكبار.. تبًا للكبار
كن سحابة عطرٍ وحبٍّ على ياسمينة الرّوح سناء، ما شئت من ليالي العمر المقبلة، بيدك القرار كن حقيقةً كلّما فكّروك خيالًا، كن الماء بعدما أنكروا البخار
يا دقّة
دقّ أعينهم بمدقّة الصّمود، كي يعرفوا لمن التّراب والدّيار
روح الله مَن جعلت الميلاد ميلادًا، وروح الله مَن ستمنحك الإصرار
فكن ساعات حياتك المقدّرة لك، كن النّهار والنّهار والنّهار