استحضار الذاكرة في رواية زمن القناطر للكاتب عامر سلطان
بقلم: صباح بشير | أديبة وروائية فلسطينية
رواية “زمن القناطر” للكاتب عامر سلطان، الصّادرة عن دار ومضة للنّشر والتّوزيع، تقع في مئتين وست وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، يستهلُّها المؤلف بالإهداء الذي قدّمه إلى والديّه وجدّته وروحجدّه وإلى جميع الشّهداء وكلّ الّذين حفروا ذكراهم في القلوب.
هي رواية الذّكريات المخبّئة والأسرار السّاكنة، وحكايا الجدّات التي تدلّت كعناقيد الحلم، والطّقوس التي أخذت شكل المكان وهويته، والأمسيات التي نخالها انقضت، فاذا بها حيّة حاضرة تفترشُ زوايا الذّاكرة، تسطع مع أهلها وتعبق بذويها، تصدح وتقول:هنا كان أجدادنا وكان وقع خطواتهم يملأ المكان، هنا كان أهلنا وما زالوا، وسيبقون ينابيع الأرض التي لا تنضب، فتلك النبضات في قلوبهم سمعناها منذ أزل بعيد، وبادلناها الحبّ والشّوق والحنين.
الأحداث:
تدور الأحداث في مدينة الخليل الفلسطينيّة، التي حضرت بقوّة فأحاطت بفكرة الرّواية وعناصرها واحتضنت شخوصها، منها انطلق السّارد بحبكته الرّوائيّة، وزوّدها بذخيرته المعرفيّة.
تحتوي الصّفحات على فصول عدّة، تتنوّع بعناوينها الفرعيّة، وتكشف عن المسار السّرديّ للنّصّ.
الفصل الأوّل بعنوان زمن التّلال والاغتراب: يدخل القارئ إلى أجواء الرّواية حين يلتقي راشد بشارلوت، التي يناديها الجميع شيري، تعرض عليه العمل معها ومساعدتها في تحضير دراسة توثيقيّة؛ لإحياء الموروث الشّعبيّ والحكايات المهدّدة بالضّياع، فيطمئن لها راشد ويوافق دون التّحقق من نواياها، ودون معرفة مسبقة بها.
الفصلُ الثاني بعنوان زمن البدايات: يطغى وصف الأمكنة والطّرق والشّوارع والطّبيعة على هذا الفصل، يتقرّب راشد من شيري أكثر من السّابق، يتّفقان على تنفيذ الدّراسة ويسافران معا من رام الله إلى الخليل، ويلتقيان هناك بالجدّ رباح.
الفصل الثالث، زمن المفاجآت: يستحضر الموت في هذا الفصل كعنصر بارز فاعل في تشكيله، يأخذ القارئ باتجاه موت الجدّ وأسراره التي بدأت تنكشف بعد رحيله.
الفصل الرابع زمن سارة: يتحدث هذا الفصل أيضا عن أسرار الجدّ ورسائله التي وجدوها بعد موته، ومنها تعرّفوا على قصة حبيبته سارة.
الفصل الخامس، زمن البحر: يصف هذا الفصل رحلة راشد ونادرة وشيري إلى البحر، يكتشف راشد مشاعره الدّفينة تجاه نادرة وحبّه لها.
الفصل السّادس، زمن الحبّ: يتحدّث هذا الفصل عن بعض الطّقوس والأهازيج الشّعبية التّراثيّة القديمة لمدينة الخليل.
الفصل السّابع، زمن الثورة: في هذا الفصل يطلب راشد من أخته أمل زيارة خطيبته نادرة، وذلك لمحاولة الإصلاح بينهما بعد قرار الأخيرة بفسخ الخطبة.
نقرأ في هذا الفصل أيضا عن محتوى الرّسائل التي تركها الجدّ، تلك المتعلقة بالأحداث السّياسيّة والتّاريخيّة التي عاشتها مدينة الخليل، يكتشف البطل أيضا حقيقة صديقه عليّ وهوية شيري.
الفصل الثّامن، زمن الحنين: في هذا الفصل تنكشف الأسرار وتتّضح الحقائق، يسافر راشد في إجازة قصيرة مع شيري ويلتقي بجدّتها سارة.
الفصل التّاسع، زمن الاضطراب: نشهد فيه موت البطلِ راشد واغتمام نادرة.
أمّا الفصل العاشر، فقسّمه الكاتب إلى ثلاثة أجزاء بعد موت البطل، يتحدّث فيها عن حياته وذكرياته ويصف حزن حبيبته نادرة عليه بعد موته، وهذه الأجزاء الثّلاثة هي:
زمن البيادر: وفيه الذّكريات وما بعد موت راشد.
زمن الأحقاد الدّفينة: نتعرف فيه على حقيقة براءة والد راشد من دم والد نادرة وحقيقة قتلهما.
زمن العدالة: يتميز هذا الجزء بالخيال المطلق، إذ يعود راشد إلى الحياة من جديد، ويزّف إلى حبيبته نادرة يوم زفافها من ابن عمّها الذي يتنازل عنها بطيب خاطر، يقدّمها لراشد قائلا (ص260):
يا ابنة عمّي انظري من يدخل هناك، ذاك هو العريس، فنظرت من خلف دموعها، أجلسوه مكان ابن عمّها، وجلست نادرة غير مصدقة لبرهة، تأخر كتب الكتاب لحين استوعب الجميع الصّدمة، وسلّموا على العائد من الموت!
نوستالجيا المكان من داخل المكان:
تجاوز المكان وظيفته الأوليّة، فتحول إلى فضاء يتّسع لبنيّة الرّواية، أثّر في الشّخوص وظهر كما لو كان مستودعا لأفكارهم ومشاعرهم الدّفينة، كاشفا عن الصّلة والرّابط القوي الذي نشأ بينهم.
إذن.. فالرّواية باختصار هي “نوستالجيا المكان” من داخل المكان.
مشاهد كثيرة وأكفّ تحتضن الأمل، باقية هناك في أزقّة القلب، تتّكئ على سياج الحكايات الوفيرة، تصوّر المكان ليغدو كائنا حيّا شاهدا علينا، يشاطرنا الآمال والطّموحات، فبين جنباته تعيش مسرّاتنا وتختبئ أحزاننا، فهناك تعالت زغاريد الفرح ونشوة الحبّ، بهجة الصّبا وعنفوان الشّباب، وهناك تألّمنا حين فقدنا فجأة من يفترشون القلب.
كلُّها ذكريات حاضرة، تتوهّج في طغيانها، نستنشق عبيرها كلّما كبرنا وابتعدنا عنها، تشكّلنا وتتّكئ بنبضها على شرفات أيامنا، تضعنا على أول الخطى، وأمام وهجها، تغدو النّفس شفّافة، ويقطر الحبّ من حنايا القلب، فنجوب بين الذّكرى المشتعلة حتى الذُّروة، والخيال الذي يطفئ اشتعالها، فنستحضر الإنسان الغائب فينا ونرتعش انفعالا ونقاء.
الزّمن.. محور العمل:
الزمن هو محور هذا العمل وإيقاعه الضّابط، شهد على مصير الشّخوص وحرّك الصّراع الدّراميّ.
واختيار الزّمن كعناوين للفصول كشف عن تشكيل بنيّة النّصّ الذي جاء بلغة قريبة من القارىء، كما عبّر عن رؤية الكاتب تجاه الواقع والحياة بشكل عام.
تقدّم الزّمن الرّوائيّ بصورة منطقيّة من الماضي إلى الحاضرِ، وذلك بتسلسل زمنيّ تتابعيّ، وقد قام الخطاب على أساس التّناقض بين ماضي الوطن وحاضره المعيشيّ الرّاهن.
وعند الحديث عن الزّمن يتبادر إلى الذّهن سؤال عن ماهيّته، فما هو الزّمن؟
لقد أثار الزّمن اهتمام الفلاسفة منذ القدم فتناولوه في الدّراسة والتّحليل، منهم من رأى أن لا وجود له، فهو لحظة لا يمكن الإمساك بها، ومنهم من اعتبر وجوده موضوعيّا يمكن ضبطه وقياسه، ومنهم من رآه مجرّد وجود نفسيّ ذاتيّ لا يمكن قياسه بمعزل عن النّفس التي تستشعره، وذلك لتغيّر قيمته في ذهن الإنسان وفقا لإحاسيسه وتأمُّلاته في الماضي والمستقبل.
من هنا فاختلاف مفهوم الزّمن يرجع إلى اختلاف زوايا النّظر إليه، فهو عند بعض الفلاسفة وجود هلاميّ في نزوع مستمرّ نحو العدم، وعند البعض الآخر ظاهرة مجرّدة لابدّ من قياسها لضبط الحياة، وعند آخرين هو حقيقة نفسية يصعب فهمها.
وفي العالم الرّوائيّ يغوص الكتّاب في عمق الإنسان لوصف صدى الأشياء في نفسه، وتتبّع اللّحظات الباقية المستقرّة في شعوره؛ ليغدو الزّمن هو التّفاعل المستمرّ بين الماضي والحاضر والمستقبل.
في رواية زمن القناطر يعيد الزّمن استعادة الحياة الماضيّة من خلال نفض الغبار عن ذّاكرتنا الجمعيّة، وذلك باسترجاع تلك اللّحظات المضيئة التي غدت ماضوية، فيستحضرها الكاتب ويبثُّها في نفوس القرّاء من جديد.
الوصف والحكاية:
يعيد هذا العمل خلق الأجواء التي انقضت، ملخّصا بعض المشاهد التي تجذّرت عبر التّاريخ في الحكاية التي أراد لها الآخر النّسيان، فيستردّها المؤلف بوصفه لتفاصيل المكان بدقة عاليّة، أهل المدينة وأزقّتها، بيوتها معالمها وطرقاتها، هذا التّوسع في ذكر المعلومات بالإسهاب والبسط والشّرح قرّب المشهد للقارىء، ولحواسه البصريّة والذهنيّة، كما أبرز علاقة الفلسطينيّ بأرضه ومكانه، وقد برز الصراع واضحا حول المكان والانتماء إليه، ففي هذا العمل وصف لحقبة تاريخيّة كاملة.
يكاد هذا النّصّ ينطق ليقول: إنّ هذه الأرض تجمع بين جنباتها تنوّعا وثراء ثقافيّا، حيث تختلط الأجواء والمشاهد الموصوفة بما اتّسمت من بنيّة اجتماعيّة وأيديولوجيّة.
من ناحية أخرى فقد تفوّق الوصف على الأحداث، إذ وصفت الأمكنة والشّخوص والأزمنة باستفاضة واسترسال بالغ، ذلك الوصف لم يخل من الجمال، لكنّه شارك السّارد فكرته وبدا كعنصر أساسيّ فيها، فشقّ جوهر الفكرة، وطغى على الصّفحات وتألّق على حسابها.
أبطال الرّواية:
يرمز الإيقاع المتكرر لذكر القناطر إلى الماضي والحنين إلى الجذور والذّكريات الغائبة، والأحلام والطّرقات والمنحدرات والبيوت العتيقة، ومن زاوية أخرى تأخذ القناطر شكل القصص المحكيّة وتفاصيل الأسرار المخبّأة، وكلُّها إشارات قامت بدورها في التّأثير على أبطال هذا العمل.
أما الحالة النفسيّة لمعظم الشّخوص فكانت قلقة متوترة حزينة، بسبب الواقع السّياسيّ والأحداث المؤلمة، فقد ﺟﺳّد النّصّ ﻣﻌﺎﻧﺎة أبطاله ﻓﻲ اﻟﺣﻳﺎة، توقّف عند محطات هامّة في حياة الجدّ رباح، الذي عاصر الانتداب البريطانيّ، وكان كاتب استدعاءات وعرائض أمام المحكمة لعقود مضت، عاصر الانجليز والحكم الأردنيّ، وبقيت ذاكرته تلمع ببريقها حتى يوم وفاته، ثبت في وجه الأيام وكان من حجارة المكان وبنيانه العتيد، فكانت له الغلبة في حيّز النّصّ بأسراره ورسائله العديدة.
شخصيّة نادرة كانت بسيطة، تعاني الفقر والحرمان واليتم، تنقصها المعرفة والخبرة، كانت ترى الموت والعطب المزمن في الحياة، ويراها القارئ مستسلمة عاجزة عن إسعاف روحها.
بطل الرّواية راشد كان مسالما حالما لدرجة كبيرة، وافق شيري دون التّحقّق من نواياها الحقيقيّة، ودون معرفة مسبقة بها، مفترضا حسن نّواياها.
شّخصيّة “شيري” اليهوديّة الفرنسيّة، كان دورها بين السّطور إيجابيّا، وتلك إشارة واضحة على أنّ الصّراع القائم في المنطقة ليس دينيّا، وإنما هو صراع سياسيّ بامتياز، وأنّ الإنسان العربيّ يلتقي على المستوى الإنسانيّ مع كلّ الشّعوب. لاحظنا ذلك من خلال انفتاح النّصّ على مواضيع ومناطق شديدة الخصوصيّة. أمّا بقية الشّخوص فتنوعت بأدوارها، وقد عبّرت عن أفعالها كما أرادلها الكاتب
ثنائيّة التّاريخ والسّرد:
من الطّبيعيّ أن يتأثّر الأدباء بالأحداث السّياسيّة والقضايا الفكريّة والاجتماعيّة في المنطقة، خاصة وأنّ بلادنا تحفل بالصّراعات والنّزاعات.
تتلازم تلك الصّراعات عادة مع ثنائيّة التّاريخ والسّرد في أحداث ولّت وخلت، فتطرح قضية المكان والزّمان، ورؤية سياسيّة لواقع تكبّد المعاناة ولا يزال، وسعيا إلى تجذير الأصول وترسيخها وتوثيقها، تحاول الرّواية بعث التّاريخ والبحث في حلقاته المفقودة، لتظهر عمق ارتباط الحكاية الفلسطينيّة بواقعها.
كما استخدم الكاتب الأسلوب التّقريريّ في سرد الأحداث، نستشعر ذلك من حكاية الأبطال التي كانت مسيرتهم نحو التّوثيق هي ذاتها مسيرة الرّواية، مع مراعاة الشّروط في تسلسل الأحداث التي جمعت طبيعة الحياة الاجتماعيّة منذ عهد الاستعمار البريطانيّ إلى وقتنا الحاضر.
ثنائية الموت والحياة:
تواصل الصفحات اشتقاق مفرداتها من جوف المدينة، ومن ألم الفراق حين يُفجع الأبطال بالفقد؛ فيرتسم الحزن على وجوههم ويدمي قلوبهم بأحداث تروي حكاية وطن مفقود وألم مسرود، يرويها الكاتب بذات الأسلوب حتّى النّهاية، متطرقا لفكرة الموت التي تكرّرت بشكل لافت بين الصّفحات.
إن ثنائية الحياة والموت تحفّز القارئ على التفكّير، تدفع به إلى اليقين بفنائه، والتّأمّل بحقيقة كيانه ومآل تجربته، وتوقظ وعيه نحو أسئلة البقاء والفناء.
هكذا تستند البنيّة الرّوائيّة على الموت الذي نبّأ بتوجّهها، فظهرت الصّلة بين السّرد والموت وثيقة فيها، فلا تكاد تخلو صفحة من الصّفحات إلا وتذكر الموت بأيّ صورة وأيّ شكل.
لم يقتصر تناول الموت على الموت الماديّ فقط، بل تعدّى ذلكَ إلى ظهوره في وظيفته الرّمزيّة، فهناك إشارة إلى المستقبل البائس الذي يواجهنا، وإشارات إلى الموت المعنويّ والعاطفيّ والاجتماعيّ.
وحين تحدّق طويلا في هذا الموت تثيرك الرّوايّة بسيل من الأسئلة التي تتّصل بالوجود الفرديّ والمصير الجماعيّ، فهذا الموت المتكرّر شكّل فضاء نصيّا، اتّسم بسجال متوتر بين الواقعيّ والخياليّ والفجائعيّ، وذلك حين ظلّ الموت ماثلا بين السّطور حتى النّهاية وفي حكايات متعدّدة، كموت الجدّ رباح، موت والد راشد، موت والد نادرة، موت علي، موت الضابط إيتسك، موت نتاليا، والأهمّ هو موت بطل الرّواية راشد وخطف جثّته، وقد جاء هذا الموت الأخير صادما مفاجئا دون أيّ مقدّمات.
يتحدّث المؤلّف عن الموت من وجهة نظره قائلا (ص190):
لعلّ استحضار الأحداث دفعة واحدة في اللّحظات التي تسبق الموت، ما هي إلا لإدراك أنّ الموت انجلاء لكلّ خطب، فك لكلّ العقد وحل لكلّ التّشابكات، لحظة الموت هي الحدّ بين حياة عاشها الجسد، وأخرى تعيشها الرّوح، حياة من خيال وذكريات، فالجسد عند الموت يستسلم للسّكون ونوم الحواسّ، بينما تنشط الرّوح وتتسلّم دفّة إدارتِها.
بهذه الصور التي تقارب بين الموت وأبعاده الوجوديّة، وذلك الرّابط الذي يصوّر صراع الإنسان والفناء، تحضرني تلك الصّورة الماثلة في الملاحم البابليّة والسّومريّة كملحمة جلجامش، حيث الصّراع الظّاهر بين الحياة والموت المقدّريّن على البشر، وبين إرادة الإنسان المتشبّثة بالوجود سعيا إلى البقاء.
يحضرني أيضا الفيلسوف “سقراط” حين تحدّث شامخا أمام القضاة قبل الحكم عليه وموته، فظهر متساميا كفارس يتأهّب للارتقاء نحو السّماء، قائلا: لن أُعرض عن الموت طالما أنّه حضر، أفضّل الموت وقد أفضيت إليكم بما آمنت به، على أن أقبل العيش لأقول مضطرّا ما ترون أنتم أنَّه حقّ، وإنّ حسبتم أنّ الموت شرّ فما أنتم إلا في ضلالٍ مبين، لا أحد يعرف ماهيّة الموت ولا ما يخبئه للإنسان، بَيد أنّ النّاس يخافونه وكأنّه الشّر! أو ليس من الجهل أن يزعم الإنسان حقيقة الموت وهو ما لا يدركه؟
أمّا شاعرنا الكونيّ محمود درويش فيأخذنا بدهشة أشعاره الإنسانيّة دائما عند الحديث الموت، يقول:
كم من الوقتِ انقضى منذ اكتشفنا التّوأمين
الوقت، والموت الطبيعيّ المرادف للحياة
ولم نزل نحيا كأنّ الموت يخطئنا
فنحن القادرين على التّذكّر
قادرون على التّحرّرِ
سائرون على خطى جلجامش الخضراء
من زمن إلى زمن.
النّهاية:
وبعد.. يحاول الكاتب استرجاع الصّور الغائبة لمدينته، متأرجحا بين خيوط الماضي والحاضر، محاولا وصف معالم المدينة، معبّرا عن شعوره المستمرّ بالفقد للأشخاص والوطن.
وتسير الأحداث لنصل إلى النّهاية، تلك التي تأخذنا إلى تساؤل هام: ما الفكرة التي سعت إليها الرّواية في فصولها الثّلاثة الأخيرة؟ التي انتهت بطريقة خياليّة مغايرة عن المألوف للواقع المعاش في مدينة الخليل، فاختلفت بنبض وقائعها عمّا بدأته من الواقعيّة الحياتيّة والتّاريخيّة، فبعد أن انقضت الأحداث بغياب بطل الرّواية راشد وموتِه، لم تكن هناك حاجة للزّوائد والإطناب. كنت أتمنى أيضا لو تمّت مراجعة الرّواية قبل نشرها؛ لتجنّب الأخطاء المطبعيّة التي تكرّرت بين السّطور.
وفي الختام فهذه الرّواية تعرّي الواقع السّياسيّ، وتكشف القيود التي حرص الآخر على رسمها، لتعيش الضّحيّة تحت قوانين جلّادها بصرامة مجحفة لا تجيز لها الحياة، فلا استطاعت أن تتحرّر أو تفكّ قيودها.
أقدم تحيّاتي وتمنيّاتي للّكاتب بالتّوفيق والنّجاح.