أدب

للقتلةِ رشاشات أكثر مما لدينا من كتب

ديوان غزّة.. قيثارة للحبِّ .. نشيدٌ للصمود للشاعر والأديب د. طراد حمادة

شعر: بديع صقور| سوريا

-١-

كتاب البحر.. كتاب الحرب

“صفحاتٌ تُطوى مثل موجةٍ قذفتها الريح

وحروف تحاكي حُباب الماء

يرتدُّ عند حدود الشاطئ الرملي

ويرسمُ صورة رجلٍ يُشبه يُونس النبي”

يفتحُ الموجُ ذراعيه ، ويحتضن أناشيد الشاعر طراد حمادة عن نهارات غزّة الجريحة.. المشبعة بترانيم الحبِّ والوجع.. أنّها غزالة هاشم.. بوابةُ العشقِ.. منارةُ الصمود..

“تقول الريح:

صدّقْ قصةَ البحر

واصغِ إلى قصف القنابل

وإطباق الحصار )”

 إنّه الطوفان ينْطلقْ “مثل سهمٍ خارقٍ

في فضاءِ الأرجوان”

بين جدائِلها وروح الشاعر طراد علاقةً عشقٍ ، أصابعٌ من نور، تنساب رقراقةً على صدر القصيدة ، وبرزخ الصبح الموشّى بحمرة الشفق المبلل بدماء الشهداء.. إنها شواطئ غزّة التي يُمطرها الغُزاة بالقنابل والصواريخ، والرصاص، والنابالم . ويصحو اليمام على:

“نشيدُ البّحارة القدماء في عاصفة البحر ترجّعها الأساطير

من أين يأتي النَّحل

خرَّبت قفرانه ريحُ الشمال”

مزقتها مخالب الذئاب التتار. وتساقطت شظايا الموت فوق هاتيك البيوت، وعلى الأسرة والورود.. واخترق الرصاص صدور الساكنين..النائمين.. وتدافعتْ قطْعانُ الضّباع، وانخسفتْ أصوات الحاكمين، وخبتْ في الصدور نواميس الحياء.. تكسرت قيثارة البحر، وانسالتْ على صدر المراكب دماء الطيبين ،. حروفٌ من ذهب ،خطّها الشاعر في:

“في كتاب البحر .. كتاب الحرب..

أنا الآن متروكٌ على حجرٍ في الطريق

 بين الشجاعية وخان يونس

أستدلُّ على جهة البحر”

ولا مغيث!

“إلى أين؟

دلّنيياصفير الريح

واعزف على قيثارة العشقِ نشيدي”

/ حتى يقوم الهامدون من بين الرجام/.+

               -٢-

         عاصفة الريح المشرقية

“من يقدرُ إن يدخل في أعماقِ غزّة

   وهي محروسةٌ بأرواح سكانها “.

“سال الغزاة وقد وقفوا على أبواب

غزّةَ خائبين

مالذي تفعله الريح

تُعيدُ إنتشال الرُّكام

وتبثُّ في طُرقِ المدينة روحُ القتا”

إنه الشاعر طراد حماه ومن خلال أشعاره المقاتلة يحاول أن يستنهض همم الغارقين في ثباتهم العميق لنجدة غزّة:

“سلامٌ على الأولين والآخرين

من نسل كنعان

سلامٌ على فلسطين

على شجرة الريح أين ينام الحمام

سلامٌ..سلام “

 يا عرب الشمال ياعرب الجنوب.. يا غبار الجهات.. ما جدوى أن تستجدوا الغرب وأمريكا؟! وأنتم تشاهدون

“مايدورُ على شاشة التلفاز”

وكلكم تعلمون أنّه:

“في قديمِ الزمان

كان الخيّالةِ الضِّباع يدهمون صباحات القرى

يحتسون الشّراب على التّلال القريبة

ثم يُشعلون النّار في الغابات

وفي بلادِ الشمال

كانت جُثَثُ قتلاهم مرميةً فوق صفيح الثلج الأبيض

الخيّالة أصحاب الرايةِ الزرقاء

يخْطفون الأطفالَ َمن أحضانِ الأمهات

ويذهبون إلى قلاعِ الموت

إلى أعالي الجِبال”

فبمن تستنجدون وأنتم غافلون،

“والماء طليقة في الفضاء”

                 -٣-

تستفيق في رفح الصباحات

“تستفيق في رفح الصباحاتُ

يُعانق شمسَها الأفقُ

كانت تحرسُ البحر النجوم

وتحرسُ الصحراء الرياح التي تواصلُ أسفارها

من الشّمال إلى الجنوب”

ويطيرُ بنا الشاعر طراد حمادة إلى سماء الشعر، إلى وجع القصيدة.. حيث النجوم حراس البحر، وحيث الصباحات تستيقظُ على أصوات الرياح :

“أيّها النورُ أخبرتني أنّ آخر الحربِ انتصارُ”

وأنّ“من أشعل َ النارَ في الغابات؟”

سيُهزم..

 ولو “جاء الرجالُ البيضُ من كلّ الجهات

       وأبادوا  سكان القرى

كانت طيورٌ سائحات في فضاء النور

تراقبُ سُفُنَ البحار

وقد حملت معها كلّما شاء قُبْطان القراصنةِ القدامى

من ضُروبِ إبادة السكانِ “..

وبشوقٍ نتابع رحلتنا بين سطور ديوان غزّة مع شاعرنا طراد إلى رفح

وأنّ “رفحٌ ليس في ورقةِ الطُّغاة

 غيرَ حُروفِ القتل

ونقاطِ الإبادة”،

والتوحش والقتل، والاغْتصاب، مذ وجدوا على هذه الأرض.. في أيِّ أرضٍ يحيلون.. يحلُّ القتلُ والموتُ والخراب، والرّكام، والرماد، والظلام..

“وتنطفيءُ في المدارِ الأنوار

  من يُحدِّثُ فلاسفةَ العصر

عن تاريخٍ يبدأ في نار أشعلها نيرونُ في روما

ثم امتدت في سردية حرب الأفيون

تحكي روايتها في قصصِ

الموت الذريّ في هيروشيما

وناكازاكي

ويكتملُ الفصلُ الآن

في مذابح غزّة”

ونتابعُ مع الشاعر سخريته من الغرب الفاجر، وسلامه الخادع:

“ما أصعب أن تحدثني عن سلامٍ خادع

وأنا أعرفُ أنّك من عصابة قتل الأطفال بغزّة

دعني أسخرُ من كلّ نطقٍ

وأتابعُ سيركَ في بحرِ الظُّلمات”

حتى تسْقط رأيتك في وحْلِ الليل الدامس.. في أنفاقِ غزّة هاشم.

               -٤-

             السباعيات

سباعية الجنوب :

“قلبي يتسّع لمئة لغةٍ”..

بمئة نشيد .. لمئةِ زهرةٍ أعلِّقها على صدر الجنوب الذي هبَّ لنجدة الأشقاء الصامدين في ساحات غزّة الصمود

“أحياءٌ يمشون على الصّراطِ

في ميدان الحرب

 وفي ساحات المدنِ يقرأون أسماءَهم

 في صفحاتِ التّاريخِ

تنقلُ عن سجِّل اللّوحِ المحفوظِ

أنّ الشهداءَ

 هم العشّاقُ الموتى سلفاً”

فوق “أرضٌ تسألُ حجارتَها

 عنْ منازلَ صارتْ لهباً ودخان”

 عن عرب يستجدون من أمريكا والغرب وقفَ الحربِ!. تسألُ: ما جدوى الاستجداء؟!

سباعيةٌ لأطفالِ غزّة

“سوف نقومُ من الموت

ونعود رجالاً

وندخلُ غلافَ غزّة

ومنها إلى ديارِ الخليلْ

لن يفلتَ القاتلُ من دماءِ القتيلْ “

حيث يؤكدُّ لنا الشاعر طراد على أنّ العيون التي أغْمضها الموت لابدّ وستنْهض كالشهب  لتثأر للدماء الطاهرة التى روت تراب غزّة والخليل، ورفح.. وكامل تراب أرض فلسطين.. وهلُمّي يا شموس الجنوب..

هلُمّي“نشْعلُ الغابات” لترتعد فرائض الذئب المتربص

 خلف متاريس الخوف ،والغدر..

هلُمّي.. هلُمّي.. لنجْدةِ

“كلُّ دمِ طفلٍ ذبيحٍ يصيح

ستبقى لعنةُ روما كما كانتْ عليهِفي قديمَ الزّمان

تأكلُ لحمَ سكّانها

مثلما تأكلُ نفسَها النّارُ

ويصرخُ في وجهِ الخراب

الدمارُ…”.

سباعيةٌ في نصرة غزّة:

كثيرة هي المشاهد التى حملها الشاعر طراد إلينا على أجنحةِ قصائده الوارفة بأزاهير النصر والحبّ، والتضحيات التي تستنهض الهمم..

“رجلٌ يقفُ على حجرٍ

بين مصر وبين الشام

ويخطبُ في سمعِ البحر”

هذي أرض غزّة تبللّ وجه الصبح بدم الأطفال.. هذي غزّة تنْتفضُ.. تخْرج كالمارد من أعماق الأرض:

“أيّها الغُزاةُ

 قبل يومٍ من دخولكم حَرمَ مشفى الشّفاء

وُلدْتُ

تقول أمي:

إنّ أبي ذهبَ لجلبِ الحليب

قصفتهُ الطّائراتُ

عند مدخل السّوق

وإنّه كانَ قدْ ودّعَ عمّي عند قبرهِ

قبل يومين من موتِهِ

وأنّهُ كتبَ عنْ حضارةِ الغربِ

وإنّ دماءَهُ كما حبرِه

سالتْ على الأرض

وعلى دفترِ الرّفضِ وانتشرتْ بين الشعوب”

إنّها الحقيقة التي يظهرها الشاعر، متسائلاً: وماذا بعدُ يا من تناشدون الغرب بوقف الذبح والنار؟! تتسابقون إلى حضن أمريكا، والغرب.. تبللون لُحَاكم بدموع الذّل، والمهانة.. تستجدون من تجار الحروب وقف القتال، ووقف الحريق، وتقويض البيوت والمستشفيات..  وآه !. وآه !. وآه ياعرب؟! متى يصحو من نومه ذاك الذي كنتم، تسمونه الضمير؟!

سباعيةُ غزّة والبحر الأبيض:

ولا ينسى الشاعر أن يُذكرنا بالعلاقةِ الأبدية بين غزّة والبحر.. وبأنّهما تؤامان بروح أزلية واحدة.. وبأنّ “غزّة والبحرالأبيض علاقة عشقٍ قامتْ بين الرملِ وبين الماء” وبأنّ النصر قادمٌ.. وبأنّ شمس الصمود ستشرق..

“لأن عالم النور

يطرد الظلام الذي يحيط في جانب من الأرض

حضارةُ الغربِ

أضحتْ مع الحرب

حضارة غاربة” غاربة.. وهكذا نمضي مع الشاعر طراد حمادة إلى حيث

“الوصول إلى الغابة العذراء”

و”النجوم التي تصطف في سلكٍ

          من الأضواء

    تخاطب الأرض وتشعل أطراف الليل”

تُنير دروب الصاعدين إلى قمم النصر وهي تهْتفُ:

“أيتها الساحرات الساهرات.. الناظرات

 إلى ساحل غزّة ومضارب الصحراء

سوف يأتي زمانٌ تكون الأرض قريبة من حدود السماء”

سوف تبقى غزّة حرّةً.. سوف تحيا فلسطين.. سوف تُزهر بساتين الشهداء نوراً وحُباً ونصراً، مُردِدة نشيدَ نصرها: سلامٌ على فلسطين.. سلامٌ..سلامٌ على الشهداء .. وسلامٌ عليك أيها الشاعر المتألقُ طراد حمادة.. الساكن بيت القصيد.. المجلببُ بالحبّ والعطاء، الذي أبحرتَبنا على متن “ديوان غزّة ” إلى حيث الصمود والأمل بالنصرالمؤزر لأبطال غزّة المقاومين، وأهلهم الشجعان..

بارك الله لك بما جمعتمن قطراتِ حبٍّ في جرارِ قصائدك لتسقي بها زهور قبور الشهداء في  التراب الطهور  على أرضِ غزّة والجنوب.. كي تزدهر حباً ونصراً وحياة، وقمرَ نورٍ لا يغيب عن ربوع الجنوب نبع الوفاء، وعن شواطئ غزّة الصمود..غزّة الحياة.

—-*مابين علامات التنصيص مقاطع من / ديوان غزّة / الصادر عام ٢٠٢٤ للشاعر والأديب الدكتور طراد حمادة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى