من مشكاة النبوة!!

د. أحمد الطباخ
تدبروا وتأملوا كلمات هذه المشكاة النبوية لتعرفوا ما الذي أوصلنا إلى هذه الحال المزرية والتي ستظل حتى نغير ما بأنفسنا وقلوبنا من أمراض لا علاج لها ولا شفاء منها سوى بالعودة الصادقة والدراسة المتأنية والكشف الحاذق عن مواطن الخلل ومواضع الخطل فيما ألم بنا جميعا فليس الأمر يخص فردا واحدا وإنما يخص الأمة كلها فردا فردا وشخصا شخصا يؤاخذ الله بواحد الأمة كلها لأن الذي كان صالحا إن رأى المنكر ولم يفعل شيئا أو سكت عن الحق صار شيطانا أخرس فلم تنفعه حسناته إلا عند ملاقاة ربه فكل تقع عليه مسئولية وتبعات إن لم يكن إيجابيا في موضعه ومكانه في حدود ما شرع الله .
هذه الغثائية التي صارت عليها الأمة لم تأت من فراغ وإنما هي محصلة أحوال وثمرة طريق من العفن والعطل والخطل والتبجح وانسلاخ عن قيم الحق وخلق العدل فلم يكن ديننا الحنيف يريد عددا من الناس لا قيمة له وإنما يريد قمما مهابة يخشى بأسها ويهاب جنابها في الحق وقافة وفي العدل مقيمة من أمثال من رفعوا راية الدين بقوة الحق دون خنوع ولا ضعف وما أروع وصف القرآن الكريم لصحب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الفتح فقال تعالى :” ….أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا…”
علاقتهم مع غيرهم من غير دينهم فيها بأس وقوة وشدة لانتهاك حرمات الله ومع إخوانهم رحمة ورقة ومودة ومحبة في الله لا يطلبون من أحد سوى ربهم الذي هو الذي لديه الفضل فهم أعزة ولذلك بقلة محكمة تقية سوية استقامت الحياة وقامت دولة التوحيد فلم يعرفوا الوهن والضعف لأن كل شيء كان في أيديهم ولم يسيطر على قلوبهم وإنما كانت القلوب لله جل في علاه فامتلأت إيمانا وسكينة وطمأنينة ولم يعتورها خوف ولا ضعف ولا وهن فهابهم غيرهم وخافهم من شدة إيمانهم وشجعاتهم واعتمادهم على الله .
ففي الحديث عن ثوبان -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “توشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حبّ الدنيا وكراهية الموت“.
لا يمكن أن يجتمع حب الدنيا مع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقد أخذوا من الدنيا قدر ما يأخذه السقيم من الطعام الذي به تستقيم صحته ويقوم بدنه دون تفريط ولا إفراط كما قال الله تعالى:” ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض..” وبسبب حب الدنيا صار النفاق والكذب والتزوير وشهادة الزور والغيبة والنميمة وأكل الحرام والتجسس على الناس والظلم وأكل الربا والزنا والنصب على الناس والتدليس عليهم وحب الرئاسة والرشوة وقطع الأرحام والقتل والمكر وغير ذلك كثير في وجود هذا الغثاء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ولن يحقق قوة الأمة وخيريتها وعزها وعلوها وانتصارها على عدوها الذي يعلم يكف يساهم في إنتاج ووجود أمة الغثاء بفن داعر وإعلام كاذب وعملاء ينشرون سمهم الزعاف وأجنداتهم المشبوهة بين جنبات الأمة المغيبة عن دينها والتي انشغلت بقضايا فرعية عن مقاصد الشريعة الإسلامية والأخطار المحدقة بالأمة من كل مكان فهل نقرأ ونتدبر ونعي ما يدور ويحاك ويخطط لنا ؟!.



