تاريخ

الثقاقة والحضارة بين المسلمين والغرب

بقلم : د. محمد عبدالعظيم حبيب
يخلط كثير من الناس بين مصطلحىْ الثقافة والحضارة مع الفارق الشاسع بينهما. فالثقافة تنتج عن أصل دينىّ ومجتمعىّ، تقوم على مبدأ الحرية. فالله قد أعطى للبشر الحرية وهم في عالم الذر حينما سألهم ” ألست بربكم ” ، فالله نظر إليهم كأصحاب مسؤولية ، وأنهم أحرار في الاختيار .
والثقافة أيضا هي تأثير الدين على الإنسان وتأثير الإنسان على الإنسان من خلال القيم المجتمعية المكتسبة ، فهى تعبير عن الحرية الإنسانية . فالأوامر والنواهى في الإسلام جاءت من أجل حماية الإنسان من الضياع ومن أجل حماية المجتمع من التفكك . فالغاية الأولى لتحريم الخمرـ على سبيل المثال ـ نزع العداوة والبغضاء؛ حتى لا تنحل عرى المجتمع ، ومن ثم تنحل الثقافة التي أرادها الإسلام صونا للمجتمع . يقول تعالى: ” إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون” وجعل الإسلام الجهاد أصلا أصيلا من أجل الدفاع عن الأرض ، والعرض ، والكرامة ، فهو أمر مهم لتحقيق الردع للعدو، ومن ثم الحفاظ على المجتمع من الانهيار ، والحفاظ على الثقافة من الاندثار.
أما الحضارة فهى تأثير العقل على الطبيعة والكون في الإطار المادىّ . هذه الحضارة المادية أخفقت في إيجاد إنسان سعيد متزن ، فهى لا تحترم أية قيمة إنسانية تغلّب لغة المصالح الضيقة عن احترام الإنسان وقدسيته .
هذه الحضارة اخترعت الصاروخ المدمر والدواء الشافى لا من أجل الإنسان بل من أجل تحقيق المصالح المادية الضيقة، لم تضع الإنسان في بوتقة اهتمامها ؛ فقلبت له ظهر المِجن؛ مما أدى إلى حدوث انهيارات قيمية ، وأخلاقية ، وازدواج في المعايير لدى المجتمعات المادية الغربية .
فالإنسان المادىّ يستخدم نتاج العلم وثمرة التقدم التكنولوجىّ من أجل تنفيذ أطماعه المادية. فأمريكا المادية– على سبيل المثال – أبادت شعب الهنود الحمر المتقدمين عنهم إنسانيا وثقافيا، واستعبدوا الأفارقة زمنا طويلا ، ويساعدون الآن بأسلحتهم الفتاكة، وأموالهم، ومواقفهم السياسية المخزية في تدمير شعب فلسطين الأعزل لمحو ثقافته الإسلامية الأصيلة التي استمدوها من روح الإسلام ، ويؤججون نار العداوة والبغضاء في العالم من أجل مبيعات السلاح التي تدر على خزينتهم المليارات دون اكتراس للإنسان وحياته.
والمسلمون في هذا العصر متخلفون ماديا وتكنولوجيا لعجزهم عن الأخذ بأسباب التقدم ، ولكنهم في الوقت نفسه متحضرون إنسانيا . فرسولهم الكريم يقدم مثالا إنسانيا يُحتذى به في كل مناحى الحياة حتى في الحروب أمر أتباعه ألا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة ولا راهبا ولا حيوانا ، ولا يحرقون أرضا ، ولايهدمون بيتا أو مكانا للعباده .
فالإسلام خلق ثقافة إنسانية عظيمة يجب أن تدعم بحضارة مادية قوية ؛ لكى يسود المسلمون الدنيا مثلما سادوا في عصورهم الزاهرة . فالثقافة يجب ان تضبط بحضارة مادية تنشأ في كنفها من أجل إنسانية الإنسان . هذه الحضارة الإسلامية المادية سينعم من خلالها الإنسان – دون النظر إلى دينه أو معتقده – بحياة هادئة هانئة بعيدة كل البعد عن الحروب والمؤامرات والقلاقل التي سببتها الحضارة الغربية المادية المتوحشة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى