(27) لبوعصيدة: سيناريو فطير و مشاهد مربكة

نورا البدوي | كاتبة تونسية

عندما قرأنا ما كتب عن المسلسل التونسي 27 للمخرج يسري بوعصيدة و ذلك قبل بثه خلال شهر رمضان 2020 عن طريق التلفزة التونسية العمومية الوطنية الأولى، استحسنا فكرته المتمحورة عن الجيش التونسي و الإرهاب و ملفات الفساد كالتهريب، خاصة أن مثل هذا التناول لم يتم التطرق إليه من قبل في المسلسلات التونسية، كما اعتبرناه مواكبة لما شهده الجيش التونسي من شهداء في صفوفه اثر أحداث إرهابية عصفت بالبلاد.
لكن ما إن شاهدنا المسلسل بكل حلقاته إلا و وجدنا أنفسنا نبحث عن خيوط الحكاية من خلال السيناريو الذي يشكو ضعفا و ارتباكا من أول حلقة.
فلم نجده ذلك السيناريو الكلاسيكي الذي يراعي وحدة المكان و الحدث و الزمن و لا ذلك السيناريو الحديث التي تختلط به كل هذه المقومات ليلعب المخرج دورا مهما إلى جانب الممثل و التيمات السينوغرافية و ما تلعبه الكاميرا من حركات لتنقل لنا ما تخفيه الكلمات أو تعابير الشخصيات.
كل هذا الارتباك في السيناريو انعكس على كل حلقات “مسلسل 27″، فلم نجد تلك الكتابة التي حولت الواقع المعاش إلى حكاية ذات حبكة درامية محكمة و مشوقة و حوارات مكثفة و متقنة و تسلسل منطقي للأحداث وصولا إلى الذروة.
ما أنتج تقاطعا بين السرد و الحوار من خلال العديد من المشاهد، ففي الحلقة الأولى على سبيل المثال:
تفتتح بمشهد لمجموعة من الشبان يلعبون الورق يقول أحدهم: “شكون من اصلو مهبول باش يدهم على دبوات حمادي يحي” ثم ننتقل دون تسلسل سردي إلى “مشهد عائلي بين الجد و حفيدته ليقول لها : “أنت ديما في جرت راجلك” .
ثم نعود إلى مشهد دبوات حمادي يحي لنجد مداهمة و مواجهة لفرقة 27 و هي فرقة للجيش الوطني تسفر عن قتل عناصر حمادي يحي ليقول رئيس الفرقة: برافو لأولاد ثم عودة مباشرة إلى المشهد العائلي: ليكون حوار بين الأم و ابنها: يقول الابن: ” جلبانة أمي ساعتين و أنا قاعد نترانا في الأخير نأكل جالبانة”.
و غيرها من المشاهد و الحوارات الفضفاضة في عمقها والتي لا تنقل مضامين للمشاهد لا عن الشخصيات ولا عن جوهر الحكاية،غير بث ضجيج بين النص والصورة مفرغ التماهي و الانسجام .
فهذا التقاطع بين المشاهد و السرد و الحوار أضاف خللا إيقاعيا في التناغم بين تسلسل الأحداث، إذ أن كان لا بد من ذكر بعض التفاصيل اثر البداية بلقطة تأسيسية للمشهد، فريق من الجيش الوطني يقتحم دبو حمادي يحي، حيث كان على المخرج يسري بوعصيدة هنا أن يجعل المكان يبوح بنفسه في تدفق من فعل المداهمة و مؤثثات المكان ذاته، كي لا يقع في إبقاء مسافات من اللاتعارف الذي لا يطيقه المشاهد.
مسافات من اللاتعرف نسجته ضعف الخطوط الدرامية من جهة و ضعف أداء الممثلين من ناحية أخرى، حيث تبلور أدائهم في سرد الحوارات المكتوبة دون اندماج في الشخصية، مثال ذلك: في شخصية حمادي يحي الذي يدير شبكة التهريب و الذي يقوم بدوره الممثل “هشام رستم” فأغلب المشاهد لم تكن إلا سردا للحوار بطريقة باردة و ركيكة و غير مقنعة للمشاهد.

مثل هذا التناسخ لطريقة أداء الممثلين ” رؤوف بن عمر و جميلة الشيحي و آمال علوان و علي الخميري ..” كان شاملا في كل الحلقات دون المراعاة لمسؤوليتهم الفنية أمام المشاهد، ما ساهم في انعدام الجمالية الفنية التي يضيفها الممثل.
إذ لم ينقلوا لنا من خلال أدائهم فعل و مجال فعل مشهدية العلاقات بين أفراد الأسرة أو فعل الإرهاب و مشكلة التهريب و حتى تدريبات فرقة 27 و الحوارات التي دارت بينهم لم تكن مقنعة .
كل هذه النقائص تعود ربما أن المخرج لم يترك مسافة لتقييم العمل فنجده المخرج و كاتب سيناريو و الممثل ما أعدم بدوره جميع الأدوار التي انعكست سلبا على المسلسل ككل.
إن تناول مسألة الجيش في مقاومته لكل أشكال الفساد من الناحية الدرامية يتطلب نقل صورة عنه من صميم الواقع و هذا بدوره ما يستوجب عملا بحثيا و وثائقيا و تأمليا ناضجا لما سيتم طرحه و ذلك احتراما للجيش التونسي من ناحية و احتراما للمشاهد من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى